abdllah-200x250
abdllah-200x250
أعمدة

هوامش ومتون :هرولة عمانيّة بين الألم، والأمل

08 يوليو 2017
08 يوليو 2017

عبدالرزّاق الربيعي -

[email protected] -

وأنا أسترجع مقاومة الراحل د.شبر الموسوي للمرض، وشغفه بالحياة، حتى آخر لحظة، مشحونا بالأمل، رغم الألم، استحضرت مقولتين للكاتب توفيق الحكيم الأولى هي «لا شيء يجعلنا عظماء غير ألم عظيم»، والثانية «إذا أردت أن تصمد للحياة، فلا تأخذها على أنها مأساة»، فالمرض لم يحدّ من نشاط الموسوي الذي بدأ حياته الأدبية شاعرا، فأصدر عام 1986م مجموعته «هرولة بين الحزن والأمل»، ليهرول بينهما، في السنوات الأخيرة من حياته، واضعا الأمل نصب عينيه دائما، ولم يفقده، حتى مع اشتداد الألم، فقد ظلّ تعلقه بالحياة كبيرا، ولم يجعل من المرض مأساة شخصيّة، بل نظر له، كحالة دافعة لحثّ خطاه، لينطلق أسرع أكبر، مما كان عليه قبل المرض، بساق واحدة بعد بتر ساقه اليسرى، ورغم احالته على التقاعد من عمله في مطار مسقط، قبل شهرين من تعرّضه للجلطة الدماغيّة التي أودت بحياته، إلا أنّه واصل أنشطته، ويكفي أنّه يوم وفاته، وكان صائما أيّام شوّال، ذهب للمزرعة الصغيرة التي يملكها ثلاث مرّات، حسب رواية شقيقه د. علي الموسوي نقلا عن السائق الذي كان يستعين به لقضاء مشاويره، فقد حوّل معاناته مع المرض إلى دافع للعمل، وتجربة محرّكة له في الحياة، ولا يشبهه في ذلك إلا الراحل سعد الله ونوّس صاحب المقولة الشهيرة «نحن محكومون بالأمل»، والشاعر، والكاتب ممدوح عدوان الذي ظلّ يواصل الكتابة، حتى أيّامه الأخيرة خلال صراعه مع مرض السرطان، وقد أخبرني د. طالب عمران، أنّه زاره في الأسابيع الأخيرة من حياته، ببيته، فوجده مشغولا بكتابة مسلسل تلفزيوني، كان قد أنجز منه (23) حلقة، كما قال، وحين طلب منه أن يرتاح قليلا، أجابه ضاحكا « دعني أكمل شغلي قبل أن أموت»!وهكذا أضاف د. شبر الموسوي نموذجا يُقتدى به، في تحدّي المرض، والتشبث بالحياة، إلى آخر رشفة من كأسها، والتعلق بخيوط الأمل، وسط الألم، بروح قويّة، ثابتة، وفي كلمة له خلال تكريم الجمعيّة العمانيّة للكتّاب والأدباء،بعد بتر ساقه، قدّم خلاصة لتلك التجربة، أجملها في نقاط، جعل الأولى « تجربة الألم والفقد كبيرة، وخصوصا عندما يفقد الإنسان جزءا مهما من جسده»، والثانية «إن إحساس الآخرين مهما كان كبيرا، فإنه لا يمكن أن يصل لإحساس الشخص المريض، أو الذي يعاني من الألم، ووحشة الفقد، وخاصة عندما يفقد أحد أعضائه، وهي تجربة كبيرة تساوي، في مرارتها، فقدان الأهل، والأحبة»،وهذا فسّره الشاعر بقوله:

لا تشكو للناس جرحا أنت صاحبه

لا يؤلم الجرح إلا من ألم به

أما النقطة الثالثة، فهي، كما يقول «أحيانا يكون المرض كالزلزال يقبر أحلامك، وآمالك، ويجعلك شخصا بلا مستقبل عندما تفقد الأمل في الشفاء، ولا يكون بوسع الأطباء إنقاذ حياتك»، ورغم أنّه بلغ مرحلة «فقدان الأمل في الشفاء»، كما وصف، لكنّه لم يفقد الأمل في الحياة، ولهذا استطاع أن يقاوم المرض لسنوات، مستمدّا هذه القوّة من صلابة الإنسان العماني، عبر التاريخ، وثبات المسلم المؤمن المهتدي بهديه « إن قَامَت السَّاعَة،وَفِي يَد أحدكُم فسيلة،فإن اسْتَطَاعَ أَن لَا يقوم، حَتَّى يغرسها فليغرسها،» وفي الرابعة، والأخيرة ذكر « حتى الأمراض تختلف في درجاتها، ومستوياتها، فبعض الأمراض تكون أسرع من الأجل، وأقسى كالزلازل إذا حلّت بشخص لا تبقي، ولا تذر»، وكان يهوّن على نفسه بهذا الكلام، ويشحنها بالأمل، ولم يكن يودّ الحديث عن المرض، حين كنّا نجتمع، لذا لم يخطّط للكتابة عنه» لأنها ذكريات مريرة، ولا أحب تذكّر تفاصليها»، لكنّه يقول بثقة « ينبغي أن أنظر للمستقبل بثقة، وتفاؤل أكبر، وأن أحاول تجنّب كلّ مسببات المرض على الرغم من بقاء جزء مفقود في جسدي يذكرني دائما بتلك التجربة الصعبة إلا إنني أحاول تجاوز المحنة بكل صبر، واقتدار».

وهذا ما فعله، فقد واجه المرض بقوة، ولم يتوقف عطاؤه، فقد بقي يكتب، وينشر، فأصدر بعد مرضه عدّة كتب من بينها «قضايا المجتمع العماني في ظل العولمة» عام 2013، و«اشراقة انسان» عام 2015، وكان آخر كتاب صدر له هو الطبعة الثانية من كتابه « لآلئ عمانية» في العام الماضي، بعد نفاد طبعته الأولى، وقد قدّم خلاله رصدا لشخصيات عمانية ساهمت بصنع التاريخ، إضافة إلى كتابين كانا تحت الطباعة هما « أصالة اللغات المتحدثة في جنوب عمان اللغات الحيرية، والشحرية وعلاقاتها باللغة العربية»، و« اشكاليّات العلاج الروحاني في المجتمع العُماني»،وكأنّه كان يسابق الموت الذي اختطفه تاركا العديد من الإنجازات التي ستظلّ شاهدا على رجل كان «محكوما بالأمل» حتى النفس الأخير.