أفكار وآراء

أوبك وأسعار النفط وأثر الابتكار

05 يوليو 2017
05 يوليو 2017

محمد العريان -

ترجمة قاسم مكي -

بلومبيرج -

إذا طبقنا الاستنتاجات التي توصلت إليها أدبيات نظرية الابتكار المقوض أو المزعزع للسوق (وهو الابتكار الذي ينتج سلعا أو خدمات جديدة تزاحم وتزيح السلع والخدمات السائدة في السوق مثل النفط الصخري الذي يقلص أو يزيح جزئيا حصة النفط التقليدي - المترجم) فمن الممكن جدا أن يضع انهيار أسعار النفط  أواخر  الشهر الماضي أعضاء أوبك في موقف قاس. ولن يقتصر تموضعهم في هذا الموقف الصعب على الأجل القصير. فالابتكارات المخفضة لتكلفة إنتاج النفط الصخري تضعف من قبضتهم على القوى المحركة لسوق الطاقة. وسيكون مستقبلهم، في هذه الحال، أقل ارتكازا باطراد على ما يمكن أن يفعلوه في جانب العرض وأكثر اعتمادا على ما يمكن أن يأملوا في حدوثه على جانب الطلب. لقد عملت منظمة أوبك في الأعوام القليلة الماضية عبر 3 أنظمة إنتاج متميزة. فحتى نوفمبر 2014 كان تركيزها منصبا على دعم الأسعار من خلال سقوف إنتاج شاملة مع استعدادها للقيام بدور المنتج المرجح للسوق في مجمله. ولكن ذلك  النظام تغير حين تخلت أوبك بقيادة السعودية عن قيود الإنتاج خشيةَ أن ينطوي ذلك على مخاطر فقدان الحصة السوقية في الأجل الطويل لصالح المنتجين من خارج أوبك ومنتجي النفط الصخري. وهذا ما من شأنه أن يؤدي أيضا إلى تقليص فعالية أوبك في تثبيت الأسعار. ثم عند اتضاح صعوبة معالجة ما نتج عن ذلك من تدهور في الأسعار والإيرادات، بدَّلت أوبك نظام إنتاجها مرة أخرى  في خريف العام الماضي وعادت إلى السياسة التقليدية ولكن مع اختلافين هامين. فالسقوفات الإنتاجية التي وضعتها سمحت بوجود تمايزات أكبر داخل مجموعة أعضائها. كما ترافقت معها التزامات من المنتجين خارج أوبك بخفض الإنتاج، خصوصا من جانب روسيا. وحتى الربع الأول من هذا العام كانت هذه  السياسة المعدلة ناجحة إلى حد كبير في تثبيت الأسعار في نطاقٍ يمكن أن يتعايش معه كل من المنتجين والمستهلكين. غير أن استدامة هذه السياسة بدأت تتآكل ببطء تحت السطح نتيجة لثلاثة عوامل. فقد كانت هنالك دلائل على أن  بلدان أوبك المستثناة من قيود الحصص قد تدفع بمؤشر الإنتاج إلى مستوى أعلى مما كان متوقعا في البداية. كما ظهرت دلائل أيضا (وهذا هو العامل الثاني)على عدم تقيد المنتجين من خارج أوبك بسقوفات الإنتاج المقررة. ثم، وهذا هو العامل الأهم، تزايدت قدرة المنتجين غير التقليديين على الإنتاج عند أسعار أقل بالنظر إلى وفرة التمويل في السوق والابتكارات التقنية الجديدة المخفضة للتكلفة الإنتاجية. يضع هذا العامل الثالث أوبك في وضع حرج على نحو خاص. وهو وضع سبق أن أوضحته أدبيات  نظرية الابتكار المزعزع أو المقوض لنظام السوق السائد. تشرح هذه النظرية التي كان رائدها كلايتون كريستنسين من مدرسة هارفارد للأعمال الكيفية التي  تمكِّن بها  الاختراقات التقنية منتجي سلع أو خدمات جدد في السوق من الحصول على حصة سوقية من المنتجين القدامي عند أسعار متدهورة (أقل من الأسعار السابقة). إذ يتم إيجاد سلاسل قيمة جديدة إما في سوق موازية جديدة أو في السوق الموجودة سلفا (لهذه السلع والخدمات)، وفي مثال (سلعة) النفط الصخري بدأ الابتكار المزعزع (لسوق النفط التقليدية) بتكاليف مرتفعة لإنتاج وحدة النفط (بحسب موسوعة إنفستوبيديا، تعني تكلفة إنتاج الوحدة إجمالي نفقات إنتاج وتخزين وبيع وحدة واحدة من المنتج أو الخدمة المعنية- المترجم). وبهذا المعنى لم يكن منتجو النفط الصخري في بدايتهم سوى مصدر إزعاج لا أكثر لقدامى المنتجين بمن فيهم أوبك. ولكنهم تمكنوا، مع مرور الوقت وبفضل التطوير السريع لقدراتهم وتواؤمهم، من استقطاع حصة متزايدة في السوق وفي ذات الوقت إعادة تشكيل دينامية التسعير (القوى المحركة للأسعار) في صناعة النفط بأجمعها. وإذا مضت قُدُما عملية الزعزعة هذه فستجبر قدامى المنتجين إما على البحث عن طرائق تواؤم أكثر جذرية مع سوق النفط أو المخاطرة بالسماح لحدوث تدهور مزمن وكبير في السوق يصعب التخلص منه. لقد  كانت إمدادات النفط غير التقليدية في البداية باهظة التكلفة وصغيرة في حجمها ومحلية نسبيا. ولكن أثرها  شهد تغيرا خصوصا حين تعززت بالابتكارات المقللة للتكلفة مما مكنها من تسلق سلسلة القيمة المضافة. ومؤخرا جدا أدهش المنتجون الصخريون العديد من المراقبين بتمكنهم من زيادة الإنتاج عند السعر الجديد الذي ساهمت أوبك في إرسائه والمحافظة عليه. (السعر الذي يتراوح  بين 45 دولارا إلى 55 دولارا للبرميل). وعلى خلاف الشركات الراسخة التي  تواجه مثل هذا النوع من الزعزعة (أو المزاحمة) في السوق من المنتجين الجدد، لا تتوافر لبلدان أوبك إستراتيجيات وافية لخفض تكلفة الإنتاج. فهي (بلدان سيادية) لا يمكنها  الإندماج وتوحيد عملياتها الإنتاجية (لتعزيز نفوذها في السوق) كما أجبرت على ذلك  الشركات التي تعرضت لمثل هذه الزعزعة. إضافة إلى ذلك تتسم هياكل تكلفة الإنتاج الحالية بهذه البلدان بالثبات نسبيا، لذلك تتلخص البدائل الإستراتيجية الرئيسية المتاحة لبلدان أوبك إما في  السعي للقضاء على المنتجين المزاحمين (وهذا يعني الإبقاء على أسعار النفط ربما عند 20 دولارا إلى 30 دولارا  للبرميل لبعض الوقت) أو تدبير أمورها والتواؤم مع الانخفاض التدريجي والمزمن في الإيرادات، بسبب تآكل حصتها السوقية. وهي حصة من الصعب جدا، كما يتضح، استعادتها. وفيما يخص السوق، تشير هذه الدينامية إلى نشوء سلسلة نطاقات سعرية حول مسار سعري متدهور. فالسعر الذي كان  يتراوح بين 45 دولارا إلى 55 دولارا سيهبط إلى نطاق سعري جديد بين 40 دولارا إلى 50 دولارا. وذلك قبل أن يتعرض مرة أخرى لضغوط ناتجة عن تزايد  الإمدادات بمرور الوقت ضمن سلسلة نطاقات سعرية تنشأ ثم تنهدم. يمكن لأوبك التلطيف من حدة هذا الاتجاه السعري، وربما أنها ستفعل ذلك، من خلال عقد اتفاقيات إنتاج جديدة تطيل من فترة صمود سلسلة النطاقات السعرية المتوالية المحتملة والتي ستتعرض في النهاية للتهديد من ابتكارات تقنية جديدة أخرى. وفي غياب  صدمات جيوسياسية أو تقنية غير مواتية في مقدورها إثارة شكوك جادة في السوق حول موثوقية الإمدادات وضمان استمرارها، سيواجه أعضاء أوبك في الغالب حقائق سوقية أكثر تحديا وتعزز من الحاجة إلى البحث عن طرق خفض نفقات إنتاجهم النفطي  وتوليد إيرادات غير نفطية أعلى داخل اقتصاداتهم. أما الحل الأفضل  لمشكلة أوبك في سوق الطاقة فهو أن يشهد الطلب على النفط ارتفاعا لافتا. ولكن سيطرة أوبك على الطلب، مقارنة بمستويات الإنتاج، ضعيفة. هذا إذا كانت لديها  سيطرة عليه أصلا.