randa-s
randa-s
أعمدة

عطر :«ليلى المجنونة» ذاكرة تنزف

05 يوليو 2017
05 يوليو 2017

رندة صادق -

مجنون ليلى “قيس بن الملوّح “و”ليلى العامرية”، وقصة عشق تغنى بها الشعراء هي قصة عربية مشهورة، تلخص أسمى معاني الحب والعشق،التي جمعت بين شخصين، وقد قام قيس بكل ما بوسعه ليتزوج من معشوقته، ولكن كل محاولاته ذهبت أدراج الرياح، قاتل بشدة لينتصر الحب فانتصر الجنون و قدم على مذبح الحب عقله.

الحب والجنون معادلة “قيس وليلى” وكل امرأة وصلت الى مسامعها القصة تمنت ان تكون ليلى وان تجد قيسها الذي يصاب بمسّ حبها.

أثرت هذه لقصة بكل من لامسته تفاصيلها، فاشتهرت ليلى وباتت رمزا للمرأة التي سلبت عقل حبيبها، هو الحب إذا قد يقودنا الى الجنون .

اسم “ليلى العامرية” ليس الإسم الوحيد في ذاكرتي، بل هناك ليلى أخرى لا يمكن أن أنساها بل تتفوق في وجداني على “ليلى العامرية “هي” ليلى المجنونة الطرابلسية “

مشهد لا انساه ولا أظن أن من جايلني وكان قريبا من محيط هذه المرأة يمكن أن لا يتذكره.

هو السوق بضجيجه وصوت الباعة ينادون على بضائعهم ويتنافسون في إطلاق شعارات تروج لها ، من هنا بائع ينادي على اللوبياء”خضرة وطرية لأحلى صبية “وهناك آخر ينادي مقتبسا من مسلسل دريد لحام “صابيع البوبو ياخيار”والسمك طازة يا ستات “

وشعارات من هنا ومن هناك والنسوة يلتقين على “بسطة البطاطا”وتدور الأحاديث وانتقاد الأسعار وتفشي الغلاء ، وأنا اقف بينهن أكاد لا أرى شيئا ،لأنهن حشرنني بين حقائبهن، كنت أبكي أن لم تأخذني أمي إلى سوق الخضار، هي رحلة أليس في بلاد العجائب بالنسبة لي، لم أكن أعلم أن للسوق مجتمعه وتفاصيله وحكاياته، إلى أن تعالت الأصوات المختلفة وساد الهرج والمرج، وبدأ البعض يضرب يدا بيد، أما مستغربا أو مستنكرا أو لائما ،تنادت إلى مسامعي جمل من نوع :”لا حول ولا قوة إلا بالله ، العقل زينة ، الله يستر على نسائنا .. “ومن بين كل هذه الأصوات سمعت شيخا كبيرا يردد : “وين النخوة استروها “ خرجت من وراء أمي لأتمكن من رؤية عن ماذا يتكلمون؟

هذا المشهد لطفلة في العاشرة من عمرها، حتما من المشاهد الصادمة، امرأة تسير بملابس داخلية في سوق شعبي!!

لم أر وجهها ،ولكن على مر تلك السنوات ظننت اني رأيته وأني أعرفها وتماهيت بحكايتها لدرجة أني كنت أخالها جارتنا أو قريبتنا ،امرأة شابة بيضاء البشرة بياضا مرمريا ما زال يضيء صورتها التي لا تفارقني، شعرها الأشقر الفوضوي، لا شكل له تسير رافعة رأسها بشكل استعراضي، كان الأطفال يلاحقونها ويدورون حولها ويهتفون: “ليلى المجنونة ليلى المجنونة”، أما هي لم أشعر أنّها تراهم أو تسمعهم، شددت ثوب أمي خائفة ومذهولة ،تبرعت سيدة بقص قصة ليلى على أمي ملخصة جنونها “ هيدي كانت ست الستات ،لكن زوجها السكير ضربها على رأسها وجننها “

لا أعرف من حكايتها إلا نتائجها، التي جعلت منها امرأة مجنونة .

ليلى العامرية خلدها الحب وجعل من قيس المجنون الأشهر، أما ليلى الطرابلسية فهي قصة تنزف من ذاكرة ضيقة، جننها العنف وجنوح الزوج وغضبه، ليلى في ذاكرتي تتفوق على ليلاك قيس، ليلى في ذاكرتي تلخص جريمة ارتكبها رجل لم يحاسب عليها، فعلى بعد خطوات كان يجلس لا يكترث للمشهد، بيده سيجارة ينفث دخانها بلا مبالاة لعله يبعد شبح قسوته عن تكرار موت ليلى اليومي، وكم من ليلى قتلها عنف رجل و قسوته فسُلب منها عمرها ،أحلامها واتزانها ،وما زالت مسبحة القسوة تكر.

[email protected]