الملف السياسي

عودة الحرب الباردة

03 يوليو 2017
03 يوليو 2017

د. واصل القعيطي -

يعتبر تسريب وثائق تخص الحرب في العراق أحد أكبر الفضائح التي ضج بها العالم، وعند الحديث عن الفضائح السياسية في الولايات المتحدة، فلا بد من ذكر «ووتر جيت » التي تعد رمزا لها، ففي عام 1972 تفاقمت قضية تجسس لدرجة أنها أطاحت بالرئيس ريتشارد نيكسون وقتها.

ارتبط التاريخ البشري منذ امبراطوريات العالم القديم وحتى القوى العظمى في القرن الواحد والعشرين ارتباطا وثيقا بالحروب والأسلحة، كما تم تسخير عناصر التكنولوجيات التي نتجت الحضارات المتقدمة لصالح أعمال الحروب المروعة، وأدخلتنا ثورة الحاسوب، التي سيطرت على كل جانب من جوانب الحياة إلى بُعد خامس جديد.

فالنزاعات غير المتناظرة المستعرة في جميع أنحاء العالم تشهد على استمرارية أحد أكثر أسلحة استثنائية.

إزاء هذه الصورة وتحديدا في تسعينيات القرن الماضي، أعلن المنظر السياسي الشهير فرانسيس فوكوياما أن نهاية الحرب الباردة تشير إلى «نهاية التاريخ» وانتصار الرأسمالية والديمقراطية الليبرالية الغربية على الإيديولوجيات المنافسة. وساد اعتقاد، وفق نظريته، بأن إنسانية القرن الحادي والعشرين سوف تقود مجتمع العولمة بعد الحرب الباردة نحو سلام ورخاء جماعي.

بيد أن تلك النظرية واجهت تحديا عميقا تجلى في هجمات 11 سبتمبر 2001 وما تبعها من شن الولايات المتحدة الحرب على الإرهاب، ومنذ ذلك الحين لم تعد الحروب تدور بين جيوش نظامية محترفة، بل نلمس إرهابا وصراعات عرقية وحروبا أهلية وحروبا أخرى (كتلك التي تستخدم فيها تكتيكات تطورها الدول للتحرش وزعزعة استقرار معارضيها عبر آليات غير تقليدية).

وتغيرت الأسلحة والتكتيكات المستخدمة في الحروب كأجهزة الحواسيب والإنسان الآلي والتكنولوجيا المنمنمة والمجسات والاتصالات اللحظية التي خلقها عصر المعلومات.

والآن العالم كله يتحدث عن فيروس الفدية الذي وصل إلى حد وصفه من قبل الحكومات باعتباره «ناقوس خطر»، والذي استهدف مئات الآلاف من الحواسيب، وأشارت وكالة مكافحة الجريمة التابعة للاتحاد الأوروبي، يوروبول، إلى أن تهديد الفيروس يتصاعد، وتوقعت ارتفاع عدد ضحاياه في القطاعين العام والخاص، إذ لا يزال حجم الخسائر الاقتصادية غير واضح، علماً أن حكومات عدة حول العالم بدأت بالتحقيق في تفاصيل الهجوم الخبيث.

وتحوم الشكوك حول احتمال تسريب أداة قرصنة طورتها «وكالة الأمن القومي الأمريكي، واستُخدمت كحافز في هجوم «رانسوم وير».

وتبنى الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، موقف رئيس «مايكروسوفت»، إذ نفى تورط روسيا في الهجوم الإلكتروني العالمي، ويصنف رئيس مركز التكنولوجيا السياسية في روسيا، الحرب الإعلامية بين روسيا والغرب على أنها مواجهة تقع ضمن مجال سياسي بامتياز، إذ لا يوجد فيها صدام عسكري مباشر، بل يستخدم الطرفان الضغوط غير المباشرة عبر أساليب إعلامية وإلكترونية لتحقيق أهدافهم السياسية.

وتتسم هذه المواجهة بأنها هجينة بلا صدام مباشر، إذ يتم الخلط فيها بين الضغط السياسي والمواجهة الإلكترونية والإعلامية من دون صدام عسكري مباشر، شأنها في ذلك مثل ما جرى وقت الحرب الباردة في الحقبة السوفييتية، التي شهدت سباق تسلح لم يسفر عن مواجهات مباشرة بين القطبين الرئيسيين في العالم.

لكن من يقف وراء الهجمات الإلكترونية؟ إذا ما سلمنا جدلا ان هناك مجموعات «هاكرز» كثيرة في كافة أنحاء العالم تقوم باختراق الخوادم مقابل أجر، ويصعب ضبطها، لأنها تستخدم بيانات تسجيل وتشن هجمات من عناوين مختلفة في دول كثيرة، فوفقا لدراسة نشرها مركز «زيكوريون» أخيرا أظهرت أن الدول الأولى عالمياً من حيث مستوى تطور القوات الإلكترونية ذات أهداف عسكرية واستخباراتية هي الولايات المتحدة والصين وبريطانيا وكوريا الجنوبية.

وبحسب الدراسة فإن الولايات المتحدة لديها أقوى جيش إلكتروني يضم 9 آلاف فرد بميزانية تصل إلى 7 مليارات دولار سنويا، فتسريب الوثائق ضمن هذه الحرب تسبب بتغيير التاريخ في مرات عديدة وعلى أصعدة مختلفة، وآخرها ما أعلنته حملة المرشح (الفائز) في انتخابات الرئاسة الفرنسية، إيمانويل ماكرون، عن تعرضها لهجوم إلكتروني ضخم أدّى إلى تسرّب مئات الوثائق الداخلية على شبكة الإنترنت، قبل ساعات من انتهاء حملة الانتخابات رسميا.

وقبلها كشفت أوراق بنما في إبريل 2016، تسريب حوالي 11.5 مليون وثيقة من شركة «موساك فونسيكا » في بنما، وأظهرت الأوراق معلومات شخصية حول آلاف الأثرياء في العالم، تورطوا في عمليات تهرب ضريبي أو غسيل أموال.

ويعتبر تسريب وثائق تخص الحرب في العراق أحد أكبر الفضائح التي ضج بها العالم، وعند الحديث عن الفضائح السياسية في الولايات المتحدة، فلا بد من ذكر «ووتر غيت » التي تعد رمزا لها، ففي عام 1972 تفاقمت قضية تجسس لدرجة أنها أطاحت بالرئيس ريتشارد نيكسون وقتها.