المنوعات

ضفاف :مقال بلاغة «اللمس»..

30 يونيو 2017
30 يونيو 2017

ماجدة الجندي -

اللمس.. لغة، موصل بليغ للمشاعر، وسيلة لا تكذب لكشف المكنون...بدونه يعاني البشر من نواقص لا يستهان بها.. يد الإنسان تفعل وبتلقائية مدهشة ما يمليه عليها المخ.. حتى قبل الميلاد ونحن نتكور في الأرحام تتدرب اليد على ما سوف يمليه عليه المخ.

الأستاذة الدكتورة فوزية الدريع تقول: إن أول وسيلة للمعرفة هي اليد، الطفل حين يولد وعيونه مزغللة وعقله بعد لم يستوعب، تكون يده هي أداة التعرف إلى العالم، ويد الإنسان التي تبني وتزرع وتطبطب قد تكون نفسها أداة للشر، تقتل وتخرب.

الحياة كلها بدون « اليد» التي تحمل حاسة اللمس، قد لا تكون حياة.. كل شعور يظل ناقصا بدون لمسة اليد..

الطب مبهور بفاعلية ما تقوم به اليد.. التي تحمل أول علامات الحب وأيضا تشير إلى افتقاده أو موته..

انت تربت لا إراديا على كتف من تريد إشعاره بالمؤازرة، أو من يعاني، وفي الطب الصيني يعالج الخلل البيولوجي بوضع اليد اليسري فوق موضع الألم من الأمام واليد اليمنى من الخلف.. يقولون بعظمة الطاقة في الإبهام.. هناك ما يقال انه قفاز نفسي .. بعض الناس تكتم نبض اللمس، تئد إحساس اليد، وهناك تمارين توصلوا إليها لإعادة الإحساس الفطري أو بعثه من جديد، تمارين نقوم بها ونحن مغمضي الأعين يتكثف خلالها الإحساس بلمس الأشياء.

معجزة الإدراك الرباني تتجلى عندما نتصافح.. الأيدي لا تغش. العلماء الحديثون، اتفقوا مع القدامى في تحديد أربعة أشكال لليد لها علاقة بعناصر الكون الأربعة: النار والهواء والأرض والماء وربطوا بين مولد الإنسان وهذه العناصر، وكان ذلك احد مداخل فهم الذات.. وضعية الأصابع أيضا لها مدلولات صحية وعقلية ونفسية.. شكل الأصابع، طولها أو قصرها.

اهم أصبعين لتقييم الشخص السبابة والإصبع الصغير وهذا أمر حديثه يطول. هناك خرائط للكف تكشف أوضاعك الصحية على سبيل المثال خط القلب الممتد تحت الإصبع الصغير من الخارج إلى الداخل حتى ما تحت السبابة في منطقة تسمى « جوبيتر»، في الحالة الصحية العادية يكون هذا الخط واضحا ورديا وبه عمق عاكسا لدورة دموية غاية في الصحة.

اللمس احتياج أوحاجة إنسانية من حاجات البقاء والحياة، تضعها دكتورة فوزية في مصاف الحاجة إلى الطعام والماء والأكسجين والنوم وغيرها من حاجاتنا الأساسية.. العلم يشير إلى أن هناك « جوعا جلديا» و« جوعا لمسيا»..

هو احتياج موجود مع بداية الحياة في النطفة داخل أرحام الأمهات.. صدمة فقدان اللمس وراء تلك الصرخة الأولى عند ميلاد الطفل، فيكون احتضان الوليد محاولة لطمأنته، وضمه إلى الصدر لإزالة رعبه.

الآن ينصح الأطباء أمهات الأطفال «الخدج» الذين يضطرون إلى وضعهم في الحضانات بأن تذهب الأمهات إلى تلك الحضانات ويتركن أصابعهن تتسلل إلى الحضانات ليلمسهن الأطفال.

مقدار اللمس الذي نحصل عليه عند ميلادنا يكون مسؤولا عن إحساسنا بالحياة وعن نضج الحواس الأخرى.

اللمس أول ما ينضج من حواسنا، بعده يجئ الشم، البصر، السمع، التذوق.. النمو السليم لا يتم بغير اللمس.

الطفل المشبع باللمس يزيد نموه بنسبة سبعة وأربعين بالمائة عن الذي لا يلمس.. والطفل الذي يحصل على لمس جيد من قبل أسرته يكون اقل عدوانية واقل مشاكل في المدرسة واكثر صحة نفسية وعضوية. الأمراض السيكوسوماتية أو النفسية العضوية هدفها الأسهل من تم حرمانهم من الملامسة والاحتضان، هؤلاء لا يكونون قادرين لا على تلقي الحب ولا منحه ولا عن التعبير عنه.

تطلق د. فوزية على ما شاع في الستينيات عن الأبحاث التي دعت إلى عدم حمل الصغار عند البكاء وترك الأطفال يبكون، بأنها كانت موضة ثبت فشلها، وأنها كانت «تلاعبا بالفطرة الإنسانية». لقد ثبت أن الصغير لا يحتاج فقط إلى الحليب من أمه، بل لعل حاجته اكبر إلى لمسها، هي علاقة ربانية، والدراسات تربط بين نمو الدماغ والاحتضان، فاللمسة الهادئة تجعل دماغه يثار فيثير الخلايا الخاصة بالنمو الدماغي..

اللمسة تحرض على النمو وتمتد الفاعلية الإعجازية لهذه اللمسة للعامين الأولين من عمر الطفل، ومنها يتعلم الحب والقبول والأمانة..

ترك الطفل يلمس امه بحرية يقلل من إحساسه بالغربة النفسية الخوف والعزلة. عدم لمس الطفل يخلق منه إنسانا أنانيا، حتى في عملية التعلم هناك رأي أمريكي بالنسبة لمن يعانون من مشاكل التعلم أن احتضان الطفل وانت تعلمه يحدث فرقا.

من المغالطات ربط الحاجة الى اللمس بفترة الطفولة فقط، هذا يسبب نوعا من الإحباط في مراحل النمو التالية.. المراهق أو المراهقة في فترات التحول يحتاج إلى توكيد الحب، دراسات تؤكد انه يكون اقل اكتئابا مع احتضان الأهل واكثر ثقة بالنفس.. حتى نحن في مراحل النضج.. تؤثر فينا لمسات الطبطبة والتربيت من.

اقرب العلاقات بعد الأمومة هي الأخوة ثم الجد والجدة. علاقات المودة بين الناس فيها قدر من اللمس الإشباعي، يكفي أن تمد يدك للمصافحة.. هذا التلامس إعلان للمودة والثقة. الدراسات المقارنة بين المجتمعات ترى أن المجتمعات التي يكثر فيها اللمس من طبطبة واحتضان تقل فيها الجرائم.

عدم اللمس يتلف الحيوية التلقائية في الجسم، والعكس صحيح، اللمس يجعل البدن اكثر حيوية.. في مراحل الشعور بالألم وفي تعامل الإنسان التلقائي، قبل الدواء أوالجراحة يضع الإنسان يده على موطن الألم أو أتوماتيكيا وبفعل إشارة من المخ ينتج مادة الموروفين المخففة للألم.

إن مادة الموروفين ينتجها الجسم بمقدار حكيم، قليل يجعل كل ألم مقدورا عليه، وكما سبق الإشارة فاعلية اللمس قد تصل إلى حد العلاج وليس مجرد التخدير.. جهاز المناعة في الجسم يتجاوب مع اللمس لخلق الشفاء بزيادة فاعلية الدفاع التي يقوم به، اللمس يجعل الجسم ينتج هرمونات ومواد كيماوية، مداوية فمن الأمور المؤكدة أن كهربائية اليد والتفاعل الكيماوي الداخلي في بدن الملموس هو السبب. تجارب المخ مع اللمس مدهشة كما تنبئنا أستاذة وعالمة في علم النفس وهذا يقودنا إلى السؤال: هل هناك ما يسمى « العلاج اللمسي» ؟ ربما يكشف الأسبوع القادم عن الإجابة.