المنوعات

ضفاف :الحاسة «الذهبية»

22 يونيو 2017
22 يونيو 2017

ماجدة الجندي -

هل حدث لك يوما، أن استشعرت بوجود من ينظر إليك من الخلف، أو هل حدث لك أن مسك شعور بالتعب دون سبب في حضرة أناس بعينهم ؟ هل سبق أن شعرت بقدوم شخص ثم فجأة وجدته أمامك ؟ ربما تستغرب أن الأسئلة السابقة كانت بمناسبة حديث عن قدرات عبقرية موجودة في كل منا، دخلت ميدان العلم منذ سنوات تحت عنوان الكهرومغناطيسية والتي يقال عنها الهالة.

أما مناسبة الكلام عن الهالة هو الارتباط (بجلد) الإنسان، الذي هو مقصدنا من كل ما سبق، لارتباطه بأقوى جهاز استقبال «اللمس». يضع المختصون بدراسة الحواس، حاسة «اللمس» في المرتبة الثالثة بعد البصر والسمع.. يرونها الحاسة الأشمل والأكثر تواجدا في مفردات حياتنا.. اللمس يرافقنا من المهد إلى اللحد... اللمس «لغة».. وأيضا «علاج».

الدكتورة فوزية الدريع تقول في مقدمة عمل كامل عن اللمس، إن حياتنا تسير باللمس، علاقة الأم بطفلها، الزوج بزوجته، المودة.. مودة الصداقات والقربى، حتي معاهدات الدول تتأكد بالمصافحات.. مدخل الدكتورة فوزية مدخل علاجي، اهتمت به لسنوات، باعتباره نوعا من الثقافة الضرورية لكل إنسان، بل انه يمثل لديها (سيد العلاجات)، البديلة المتعددة، التي تحوي قائمتها العلاج بالطعام والأعشاب والورد والماء والعطور والعلاج الروحي والعلاج بالأحجار الكريمة والصوت والضوء ثم العلاج باللمس.

فطرة اللمس لها صور تطيب لها النفس.. الطبطبة.. المسح علي الرأس، إمساك اليد.. كل هذه الصورة حين تدخل البيوت، تزرع فيه بذور الود بشكل تلقائي، كأنه جرعة أوكسجين المشاعر.. و قد أنبأتنا الدكتورة فوزية عن تجربتها الشخصية حين فارقت الأهل للدراسة، كيف افتقدت هذا الحنو، و كيف كان أكثر ما افتقدته وأحست حين عودتها للوطن بحاجتها إليه. تقول لنا بمزيج من الخبرة الطبية والحياتية، ان البشر هم واضعو قوانين هذه اللغة الفريدة، حتي مع الأشياء، ملمس الشراشف و الماء ملمس الأرض.. عشرات.. مئات وربما آلاف الخبرات مصدرها تلك الحاسة.. اللمس تواصل.. بأسرع من الكلام.. اللغة التي هي أسرع من اللغة. ترى صاحبة هذا العمل الجميل انه قد تم تسطيح أهمية وضرورة هذه الحاسة حتي في إطار أسرنا و انه بات علينا استعادة أو إعادة التأهيل للحاسة السحرية التي تعبر عن احتياج حقيقي وطبيعي لدي الإنسان. المدهش ان ترى الأستاذة الدكتورة ان اللمس باختصار هو أفضل علاج بديل عصري.

ولان الشيء لزوم الشيء كما يقال، فإننا لابد وان نتطرق إلى كلام عن جلد الإنسان الذي يقال انه المخ الثاني بعد الدماغ في إدراك العالم وتسيير الحياة، وهو أيضا (العين) الثالثة. الجلد كائن قائم بذاته بمعني انه يتنفس ويدرك وهو يغطي مساحة تبلغ مترين مربعين للشخص الواحد. تدهشنا المعلومات الدقيقة عن هذا العضو السحري ومكوناته.. سمك البشرة الخارجية الأولى، طبيعة الطبقة الثانية المليئة بالمراكز العصبية ثم الطبقة الشحمية تخت الجلد، الزوائد وبصيلات الشعر والغدد والنهايات العصبية التي يبلغ عددها خمسة مليون نهاية عصبية. يا سبحان الله.. لا تملك إلا ان تقولها غير مصدق ان هناك حوالي ثلاثة ملايين خلية ذهنية ومترين ونصف من الشعيرات، تكون هذه السبكة اللاقطة المعقدة التي تعمل ليل نهار، وانت يقظ وانت نائمة، جهاز استقبال متفاعل مع العالم الخارجي دون توقف.. رسائل من كل مكونات العالم المحيط.. هي نعمة نولد بها لا يمكن تقطيرها إلا لو تابعت هؤلاء الذين تتلف أجزاء معينة من الطماغ عندهم فتتوقف وظيفة اللمس أو الإحساس باللمس هل تتصور ان الجلد يصاب بالمرض النفسي ؟ مثل مرض «أوهام الإحساس».. يحس الإنسان بالوهم انه بردان أو حران أو متألم.. أوهام تنطلق من النفس ويتجاوب معها الجلد مع انه لا حقيقة لها في الواقع، وعلى العكس، تمارين اليوجا تقوي حاسة اللمس لأنها تمارين روحية عقلية، نستطيع ان نتكلم في نفس السياق عن وظيفة ترمومترية للجلد ووظيفة غريزية ووظيفة حمائية.. وكذلك وظيفة في تحديد هويتنا أو وضعيتنا النفسية.

اتفق العلماء علي لكل منا (هالة) أو طبيعة كهروماغناطيسية لها تأثير ممتد خارجيا، تتفاعل أو تتبادل نوعا من الحوار فيما بينها، و قد ترتاح أو تتعب أيضا، بحيث يمكن ان تعزو أو تفسر من خلالها أمورا عديدة، وأنها متأثرة بطاقة ما تفكر فيه داخليا.. الهالة مبعثها داخلي ولكن تردداتها خارجية، هناك حتي هالات للحيوانات والنباتات والأحجار وتتفاعل مع هالات البشر، واتفق العلماء الذين عملوا في هذا المجال على أن الهالة مكونة من سبع طبقات وعند البعض القليل قد تصل إلى ثمانية أو تسعة، وأنها تعكس نفسها لونيا أو ضوئيا وغلبة لون على آخر له معنى وكل لون له دلالة، فالأحمر يشير لطاقة كبيرة و رغبة عارمة في الحياة وقوة للإرادة ودفء العاطفة يعكسه اللون البرتقالي الذي قد يشير أيضا إلى الرغبة في عدم الرغبة في المشاركة في الحياة الاجتماعية والأصفر يكشف عن تفاؤل والأصفر يرصد مقدار الحساسية هناك دلالات للأزرق بطرجاته و الورطي والبني والأبيض والرمادي وحتي الفضي والذهبي ! حديث أستاذة الطب الدكتورة فوزية الدريع علي دقته العلمية، ينساب في سلاسة ووضوح، تمهد لقارئها به عن المعجزة التي منحها الله لنا لدرء العطب عن النفس، والانهاك عن الروح، باكتشاف عبقرية حاسة اللمس وهذا ما سوف نكشف عنه لاحقا.