روضة الصائم

جوانب تربوية: التركيز على النعم

21 يونيو 2017
21 يونيو 2017

هلال بن عبدالله الخروصي -

إن التركيز على الشكر يحول الحياة من الألم والضيق إلى حياة إيجابية مطمئنة، فالامتنان طاقة جبارة، تعكس إيمانك العظيم بالله عز وجل، تسهل عليك الصمود أمام المحن والصعاب والابتلاءات التي ابتلانا الله بها.

كل يوم جديد عليك، هو هدية من ربك إليك، هدية ملفوفة بالصحة والعافية والستر والرزق والعقل والبركة، لماذا تقابل هدية الرحمن بالشكوى والتشاؤم، استمتع بهدية ربك وانطلق بعقلك وقلبك وروحك.

ويتسق هذا الكلام مع قول النبي- عليه الصلاة والسلام: «من أصبح آمنا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها» أنت تملك العالم كله يوم تجمع هذه العناصر كلها في يدك فاحذر أن تحقرها.

كان صلى الله عليه وسلم إذا طلع الصباح يدعو «اللهم هذا خلق جديد فافتحه علي بطاعتك، واختمه لي بمغفرتك ورضوانك، وارزقني فيه حسنة تقبلها مني، وزكها وضاعفها لي، وما عملت من سيئة فاغفرها لي، إنك غفور رحيم ودود كريم». وسيرة النبي - عليه السلام - تلفتنا إلى صحة هذه الطريقة في تجزئة الحياة، واستقبال كل جزء منها بنفس محتشدة وعزم جديد. فهو إذا أصبح يقول: «أصبحنا وأصبح الملك لله، والحمد لله لا شريك له، لا إله إلا هو إليه النشور» وإذا أمسى قال مثل ذلك، وكان يقول:

«اللهم إني أصبحت منك في نعمة وعافية وستر، فأتم علي نعمتك وعافيتك وسترك في الدنيا والآخرة»، وإذا أمسى قال مثل ذلك.

يا له من يوم جميل يتكرر كل يوم من سنين نستيقظ من بيوتنا مستورين ننهض من على سرائرنا متعافين نتناول أغراضنا وواجباتنا دون محاذير طبية أو روتين نجوب الشوارع، نقود السيارة، نتابع أعمالنا، بصحة متماسكين فلك الحمد يا ربي على ما أصبحت فيه من نعمة وعافية وستر، وعلى نعمة الإسلام والدين. وأتم اللهم علينا يا ربنا نعمتك وعافيتك وسترك وفضلك في الدنيا والآخرة جدد أنزيمات الشكر بداخلك، بتعدد نعم ربك عليك.

واستقبل المزيد منها بتصدير طاقة الحمد لله للذين من حولك، فلقد وعدنا ربنا حيث قال: «ولئن شكرتم لأزيدنكم»

إن أخذ الله منا نعمة، ترك لنا منها، فإن أخذ الله مالا، وهب لنا صحة وإن أخذ عضوا، أبقى لنا أعضاء، وإن أخذ عزيزا، أسبغ علينا بالأجر والمثوبة. وحتى تؤصّل منهج الشكر في حياتك، فإن الخطوة العملية في ذلك هي التفكر في نعم الله عز وجل.

فقد اصطفانا وكرمنا وجعلنا من بني البشر، ولولا فضله ونعمته لكنا جمادا أو نباتا أو عدما.

قال الله تعالى «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا».. «ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم» «وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ»..

وسخر كل ما في هذا الكون العظيم لخدمتنا: «وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚإِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ».

سخر الشمس والقمر والليل والنجوم: قال الله تعالى: «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».

وأنزل لنا من السماء ماء: قال الله تعالى: «وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ». وسخر البحر لنأكل منه: «وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ».

وأسبغ علينا نعمه الظاهرة والباطنة قال الله تعالى: «أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِير».

نعم الله لا تعد ولا تحصى: «وآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ۚ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ» ومن جميع تلكم النعم، اسبغ علينا نعمة الإسلام والإيمان وجعلنا مسلمين، من أمة لا إله إلا الله «وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ» ثم اصطفانا بلغة عربية فصيحة، لغة القرآن والكثير من أمة الإسلام لا يفقهون اللغة العربية ويشق عليهم تلاوة القران الكريم.

ثم تتوالى نعم الله نعيش في زمن المعلوماتية السريعة، نكاد أن نصل الى كل العالم عبر مواقع التواصل الاجتماعي الميسرة والسهلة، صار العالم كأنه قرية واحدة.

تلكم نعم الله علينا تترا، ركز على نعم الله وأشكر المولى عليها واصطبر على ما ابتلاك به، وإذا كانت الهموم تحيط بك والمشاكل تلفّك من كل جانب، وتريد حلا بسيطا ومجانيا، فما عليك إلا أن تحمد الله تعالى، وأكثر من الشكر، وحاول أن تقدم عملا نافعا للآخرين، وبخاصة أقاربك وأهلك وجيرانك، فالحمد سر لا يعلمه إلا من يمارسه.