1041771
1041771
روضة الصائم

مسجد الأغبري بعلاية سمائل: مصمم المحراب تجاهل كتابة اسمه على الوثيقة الجصية وبقيت الزخرفة أنموذجا لتطور فن التنقيش خلال القرن الـ13 الهجري

21 يونيو 2017
21 يونيو 2017

روائع المساجـد الأثريـة العـمانية -

محمد بن سليمان الحضرمي -

لقد انقضت الفترة الثانية من حكم النباهنة، وكنا طفنا خلالها على مجموعة من روائع المساجد الأثرية العمانية، التي صممت محاريبها خلال هذه الفترة من القرن العاشر الهجري، ووقفنا على أشكال من إبداعات فن زخرفة محاريب للنقاشين المبدعين عبدالله بن قاسم الهميمي ومشمل بن عمر وأولاده، وتتقدم بنا الحياة إلى أواخر سنوات النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري، لنقف عند محراب أنيق لمسجد الأغبري بسمائل، محراب يعاكس أبهة الحياة الفنية في عمان، في ظل حكم السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، فقد تم تصميم محرابه في عام 1245هـ/‏ 1829م، وتاريخ تنفيذه محفور في لوحة جصية دائرية الشكل، على جانبي قبته الداخلية التي تتوسط المحراب، توضح أنه تم صنع المحراب في عهد السيد سعيد، ولكنها وللأسف الشديد لا تكشف اسم النقاش الفنان الذي أبدع هذه التحفة.

في هذه اللوحة نقرأ بخط نسخ واضح وكأنه كتب على ورقة وليس على لوحة جصية، نقرأ جملتي (البسملة والحوقلة)، متبوعتين بآيتين من سورتين كريمتين من القرآن الكريم هما؛ الآية الأولى رقم 37 من سورة النور: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار)، والآية العاشرة من سورة يونس: (دعواهم فيها سبحانك الله وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين)، ثم هذا التوثيق: (وكان فراغ هذا المسجد في شهر رجب في سنة 1245هـ، في عصر السيد سعيد بن سلطان بن الإمام أحمد بن سعيد البوسعيدي).

أما في رأس المحراب فقد قام النقاش بكتابة ثلاث آيات كريمة في ثلاثة أسطر؛ الأولى آية رقم 36 من سورة النور: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال)، والثانية آية الكرسي رقم 255 من سورة البقرة: (الله لا إله إلا هو الحي القيوم .. الخ الآية الكريمة)، والثالثة مطلع سورة الفتح مع جزء من الآية الثانية: (إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله).

ورغم هذا الجهد في التنقيش والزخرفة الكتابية في المحراب، إلا أن الفنان أخفى اسمه، واسم القائم على المحراب أو المسجد، فنحن لا نعرف من هو صانع محراب المسجد هذا المسجد الصغير، كما لا نعرف القائم عليه، ولعله الأغبري ذاته الذي يحمل المسجد اسمه، ولكن من هذا الأغبري؟. لقد مضى على بناء المسجد ما يقرب من قرنين من الزمان، تغيرت فيها أحوال المسجد، وبقي اسم صانع المحراب والقائم على بناء المسجد سر من أسرار الغيب، لا أحد يعرفهما إلا إن كان قد ورد لهما ذكر في شيء من المخطوطات القديمة، أو في سجلات المساجد أو سجلات الأفلاج بسمائل.

يقع مسجد الأغبري في ضاحية الخزامية بعلاية سمائل، وفي صحنه الداخلي يوجد ساريتان مزخرفتان بنقوش حول حوافهما، شكلت في أفق المسجد أقواسا ثلاثة، وواضح على المحراب أنه متصدع، حيث تظهر به شقوق، ويبدو وكأنه على وشك أن يتداعى، وفي جدرانه ونوافذه كتابات وتوثيقات لأحداث جرت في سمائل.

ومن بين ضواحي النخيل تظهر البومة في سقف المسجد بطلائها الجصي، يجاورها مكبر صوت حديث، حيث تبدو كحنجرة تخشَّنت أوتارها وبح صوتها، ولم تعد قادرة على توصيل صوت المؤذن إلى وادي سمائل، فجاء مكبر الصوت حنجرة صناعية يشدو بموسيقى الأذان، يحاذي المسجد من جهة الشرق صحن صغير، به محراب يتقابل في موقعه مع المحراب الداخلي.

ويمثل محراب المسجد أنموذجا لتطور حركة النقش على المحاريب، ولإبداعات النقاشين في عصر دولة ألبوسعيد، وتحديدا في زمن السيد سعيد بن سلطان البوسعيدي، من أجل هذا يطالب القائمون على المسجد الجهات المعنية كوزارة التراث والثقافة بالمسارعة في ترميمه حتى لا يتداعى ويسقط، إذ أن أركانه مبنية من الطين، ومحرابه الجميل قد يسقط في أية لحظة، وما لو حدث أن سقطت نخلة عالية الارتفاع على المسجد، فإنه بلا شك سيتصدع في الحال، وتضيع منا تحفة زخرفية مهمة تعود إلى قرنين من الزمان، فبقدر ما ترسم النخيل حول المسجد لوحة من الجمال الطبيعي الخلاب والاخضرار الناعم، إلا أنها بالمقابل تشكل للمسجد الصغير خطرا، حيث تهدده بالسقوط عليه في الأيام الماطرة ومواسم هبوب العواصم، لذلك فإن المسارعة في ترميم المسجد أمر تحتمه الضرورة، خشية أن تضيع أضمومة فنية من أضاميم الزمان في لحظة جائرة.