روضة الصائم

عنايته بعلوم القرآن وكتابة الوصايا والصكوك .. أهم القيم العلمية لكتاب «التهذيب» - القنوبي: جديد الكتاب اعتنائه بعلم القراءات واحتفاظه التأريخي بالصكوك الشرعية

14 يونيو 2017
14 يونيو 2017

يفيد بالدرجة الأولى الباحثين في اللغة العربية نحواً وتصريفاً وبلاغة -

عرض: سالم بن حمدان الحسيني -

أكد فضيلة الشيخ عبدالله بن سعيد القنوبي إمام وخطيب جامع السلطان قابوس بولاية السويق أن القيم العلمية لكتاب «التهذيب» للشيخ محمد بن عامر المعولي .. الذي تناوله دراسة وتحقيقا تكمن أولا في: العناية بعلوم اللغة والفصاحة، حيث يقول الشيخ المِعْوَلِي في مقدمة الكتاب: «...قد دعتني الرغبة إلى تصنيف كتاب في الفصاحة...»، فالمؤلف هنا يحدد غايته بأنه قصد الفصاحة واللغة، فهو كتاب يفيد بالدرجة الأولى الباحثين في اللغة العربية نحواً وتصريفاً وبلاغة، ويبين بجلاء سعة اللغة وفقهها الواسع، واتساع اشتقاقاتها وتصاريفها وأسرارها. وأيضا معرفة كيفية كتابة رسائل الوصايا والصكوك، حيث يقول الشيخ المِعْوَلِي: «وفيه شيء من أحكام الوصايا والكتابات...»، وهذا يفيد الكاتب الشرعي وغيره من الكُتَّاب، وبشكل أكثر وضوحاً يضع الشيخ المِعْوَلِي النقاط على الحروف، بأن قصده الأعظم من تأليف الكتاب الكاتب الشرعي، كيف ينبغي أن يكون؟ وما هي العلوم التي ينبغي أن يُلِمَّ بها؟ فيقول: «وقصدنا في هذه الأبواب المذكورة وإلحاقنا إياها في كتابنا هذا؛ لأن الكاتب بين الناس إذا لم يكن يعرف ما في هذه الأبواب خِفتُ عليه الزلل والغلط والخطل، وذلك أنه قيل: إن غلط العالم مرفوع عنه، وغلط الجاهل إذا كان مجعولاً كاتباً ويظل منه لفظه خفتُ عليه الضمان، فينبغي لمن ابتلي بالكتابة بين الناس أن يواظب على تعليم ما وصفناه هنا، ويعمل على الصواب منه».

وأضاف: كذلك من القيم العلمية للكتاب معرفة الأدب الرفيع في التعبير والمخاطبة: ففي الكتاب أدب جم، وعلم متنوع المشارب، يوضح ذلك الشيخ المِعْوَلِي بقوله: «وقد سميت هذا الكتاب كتاب التهذيب لما فيه من التأديب، يهذب صاحبه، ويؤدب طالبه». وكذلك الإلمام بجانب كبير من علوم القرآن الكريم: إذ جاء الباب الرابع مشحوناً بعلوم القرآن، يقول الشيخ المِعْوَلِي: «الباب الرابع: في كتب الله المنزلة، والقرآن وأحكامه، وتجويد القراءة فيه، وعدد أحزابه، وعدد سوره، وعدد آياته، وعدد كلماته، وعدد حروفه، وما أنزل بمكة وما أنزل بالمدينة، وأوصاف سوره، وأحكام الحروف فيه، وفي غرائب إعرابه، وغرائب معانيه، والناسخ والمنسوخ منه، وفي لغته، وفي مقارئه ونحو ذلك»، وهذا الباب أطول الأبواب، عرض فيه هذه العلوم بشيء من البسط والشرح والتفصيل، وكل فصل من فصوله يعدُّ كتاباً على استقلال، كإعراب القرآن الذي فصله تفصيلاً، والقراءات السبع، والناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول ، وغريب القرآن وغيرها، وهذه المعارف تجعل القارئ مطلعاً على أكثر مباحث علوم القرآن، كما يكون الكتاب مرجعاً مهماً للقارئ، يجد فيه إعراب كلمة يبحث عنها، أو تفسير غريب، أو قراءة، أو إعراب... إلخ.

وأوضح القنوبي أن الجديد الذي أضافه مؤلف كتاب «التهذيب».. الذي يعد أكبر مؤلف عماني في اللغة وعلوم القرآن هو العناية باللغة العربية، والاختصار والتلخيص للمادة العلمية، وفرزه الإعراب لسور القرآن الكريم (المنصوبات ثم المرفوع ثم المجرورات ثم المجزومات)، وعنايته بعلوم القرآن خاصة علم القراءات، فقليل ما تناولها غيره من أهل عمان من المتقدمين، وكذلك احتفاظه التأريخي بجملة من الصكوك الشرعية.

أما عن منهجه في تناول المكي والمدني فأوضح أن الشيخ المِعْوَلِي تناول في حديثه عن المكي والمدني تنزل القرآن أولاً جملة وتفصيلاً، يقول: «والقرآن أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا ليلة القدر، وذلك في قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)، في ليلة الجمعة في السابع والعشرين من شهر رمضان، ثم إن الله تعالى أنزله على محمد  في 23 سنة حتى تم». ثم سرد الشيخ المِعْوَلِي السور التي نزلت بمكة سورة سورة، ثم سرد ما نزل بالمدينة المنورة من السور. وتكلم عن أول ما نزل من القرآن الكريم وآخر ما أنزل، وتعرض لخلاف العلماء في ذلك.

وأضاف: كما لم يُغفِل الشيخ المِعْوَلِي حديثه عن أهم المعالم المميزة للقرآن المكي والمدني، إذ يقول: «وقيل: كل ما كان ﴿يا أيها الناس﴾ أنزل بمكة، وكل ما كان ﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ بالمدينة، وما كان من الأمثال والقرون أنزل بمكة، وما كان من الحدود والفرائض أنزل بالمدينة». ومن هذا يتضح أن الشيخ المِعْوَلِي لم يخرج عن الخط الذي انتهجه العلماء الذين ألفوا في علوم القرآن الكريم، وإن كان الشيخ يعمد إلى الاختصار وتبسيط العبارة.

وأوضح القنوبي: أن العلماء أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ عَدَدَ آيَاتِ الْقُرْآنِ سِتَّةُ آلَافِ آيَةٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَزِدْ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: وَمِائَتَا آيَةٍ وَأَرْبَعُ آيَاتٍ، وَقِيلَ: وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: وَتِسْعَ عَشْرَةَ، وَقِيلَ: وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ، وَقِيلَ: وَسِتٌّ وَثَلَاثُونَ. والعد المشهور هو العد الكوفي، أما منهج الشيخ المعولي في عد آيات القرآن الكريم وكلماته وحروفه: فسار على هذا المنوال، حيث ذكر عد الآيات أولاً، وامتاز عن غيره بأن قسّم الآيات إلى مجموعات وتصنيفات على حسب أغراض الآيات الشريفة، يقول: «عدد آياته ستة آلاف آية ومائتان وست وثمانين آية.. فمنها ألف آية أمر، وألف آية نهي.. وألف آية وعيد، وألف آية عبر وأمثال، وألف آية تحذير وإنذار، وخمسمائة آية حلال وحرام، ومائة آية دعاء، وستة وستون آية ناسخ ومنسوخ، وقيل: نصف عدد آياته قوله تعالى: (وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ)، ونصف حروفه بين التاء المثناة من فوق واللام الثانية من قوله تعالى (وَلْيَتَلَطَّفْ) من سورة الكهف».

وأضاف: ثم تحدث الشيخ عن عدد كلمات القرآن الكريم، وفصَّل القول في عدد حروفه، ثم أسهب في ذكر عدد كل حرف من الحروف الهجائية الثمانية والعشرين حرفاً حرفاً في كتاب الله تعالى، ولا شك بأن هذا العد هو عد تقريبي يخضع لاختلاف القراءات واختلاف الرسم، واختلاف العد المعتبر عند الكوفي والبصري، والمدني والمكي، والشامي، وهذا ما يسمى بعلم فواصل الآي.

وأشار إلى وجود عدة مناهج تناولها المؤلف منها: منهجه في تناول أسماء السور وكُناها ومنهجه في لغة القرآن الكريم وأساليب بلاغته ومنهجه في تناول أحكام تلاوة القرآن الكريم وتجويده ومنهجه في تناول إعراب القرآن وتناول غريب معاني القرآن وأسماء الله الحسنى والناسخ والمنسوخ من القرآن الكريم والمحكم والمتشابه والقراءات وتشابه منهجه مع «الشاطبية» في القراءات.

وبيّن القنوبي أن هناك قيم علمية أخرى لهذا المؤلف منها الإلمام بجوانب من الفقه: فالشيخ المِعْوَلِي لا يخلو كتابه من بيان الحكم الشرعي ساعة عرضه لإعراب كلمة، أو بيان غريب معناها، أو قراءاتها، ومن أمثلة ذلك أنه في معرض بيان معاني الغريب لكلمة (التذكية) في قوله تعالى ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ قال: «إِلَّا مَا أدركتم ذبحه على التَّمام، قَالَ أَبُو عمرو: سَأَلت الْمبرد عَن قَوْله ﴿إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ﴾ فَقَالَ: أَي مَا خلصتم بفعلكم من الْمَوْت إِلَى الْحَيَاة». وأيضا ذكر نسخ الكتاب وأماكن وجودها: فلا يخفى على كل متتبع للتراث العُماني مدى الصعوبات التي يلاقيها الباحث في العثور على حياة عَلَمٍ من أعلامها، أو مخطوط من مخطوطاتها، إذ أن التراث العُماني -على غزارته- لا يزال متفرقاً في المكتبات الخاصة والعامة، والمكتبات الداخلية والخارجية.

وأضاف قائلا: بذل الباحث قصارى جهده في البحث عن مخطوطات «كتاب التهذيب» داخل عُمان وخارجها، وبحث في المكتبات الخاصة والعامة، كدائرة المخطوطات بوزارة التراث والثقافة بعُمان، ومكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي بعُمان أيضاً، وفي المكتبات الخاصة بولاية الرستاق، ونزوى، والشرقية، كما قام الباحث بمراسلات لمركز جمعة الماجد بدبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، وكل هذه المكتبات غنية بمئات المخطوطات، خاصة العُمانية، ولم يتحصل لدى الباحث من مخطوطات «التهذيب» إلا مخطوطتان فقط، كلاهما محفوظتان بمكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي بالسيب.