روضة الصائم

وحدة الدّار وأحكام اختلاف الدّارين لدى الفقهاء ودلالاتها على رؤية العالم لدى المسلمين القدامى

11 يونيو 2017
11 يونيو 2017

د. العروسي الميزوري/ ملخّص بحث قدم بندوة تطور العلوم الفقهية بمسقط -

لم يعد يخفى على أهل الفكر والنّظر، على اختلاف رؤاهم ومذاهبهم الشّرعيّة والوضعيّة، قديما وحديثا، حال التّرابط العضويّ الّذي لا يقبل الفكاك، بين أحكام الفقه من حيث هو استنباط للأحكام الشّرعيّة واستخلاص للقواعد السّلوكيّة التّعامليّة، بردّ الفروع إلى الأصول بالأقيسة النّظريّة والإجرائيّة، في ما يَجِدُّ من أقضية ويُسْتَحْدَثُ من نوازل في أحوال الاجتماع الإنسانيّ ومظاهر العمران البشريّ المعنويّة والمادّيّة، ولا حال التّلازم بين الأحكام الفقهيّة، على اختلاف مذاهبها وبين عامليْ الزّمان والمكان وما يَسْتَوْجِبَانه من تطوّر تلك الأحكام ومن إعادة نظر في قواعد تكوينها، وقواعد تحويلها، بمقتضى سياقات الواقع المعيش وطبيعة القرائن المستحصلة ومطالب تجارب الإنسان والمجتمعات والدّول، القديمة والحديثة والمعاصرة، باعتبارها ضروبا من الخبرة والدّربة تُطوِّرُ نظريّات الفهم وتُرَقّي الأفكار وتَتَحَقّقُ من جدوى الآراء، وتَحُدُّ من غلُوّ المواقف، وتَقْتَرِبُ أكثر من إنتاج وجوه الحقيقة وأشكال الصّواب. وكذلك تَرْقَى التّجربة والخبرة والدّربة بالفقه والإدراك والفهم وتتّسع دوائر المشترك والعموميّ وتَتَقَيّدُ دوائر الذّاتيّ والخصوصيّ..

وأيّا كانت الحجج نقليّة أو عقليّة للإقناع بوحدة الدّار ووحدة الأحكام أو باختلافها، حسب الرّؤى الاجتهاديّة والمواقف العقديّة أو الفكريّة، فإنّ الدّارس يقف على بعض الحقائق الّتي تُحيل على موقفين أساسيين: أحدهما موقف مثاليّ يحنّ إليه المؤمن وتستهويه ويُغريه ويأسره فيتحكّم في مصادره ومراجعه وفي أفكاره وآرائه ومواقفه.

أمّا الموقف الثّاني، فهو موقف واقعيّ محكوم بحجّة واقع الدّولة وبموازين القوى وبتغيّر أحوال العمران البشريّ والاجتماع الإنسانيّ وبتطوّر الأزمنة. وهو موقف انقاد بفلسفة القوانين الوضعيّة وبتجارب التّاريخ الإنسانيّ الّذي تتداول عليه الأمم والشّعوب. ولعلّ الأسلم والأجدى في الاستناد إلى مبادئ إنسانيّة مشتركة يتمثّل أبرزها في: الأخوّة في الإنسانيّة، حقّ الاشتراك في الحياة، حقّ المحافظة على البيئة المساعدة عل الحياة الصّالحة، مبدأ التّعارف بين الشّعوب والأمم، مبدأ احترام الخصوصيّات الثّقافيّة والعرقيّة والدّينيّة على ألاّ تتعارض مع المشترك، مبدأ ثقافة السّلم، ترسيم روح المواطنة والتّعايش السّلميّ بين الحضارات والأديان والثّقافات.

هكذا تكون هذه النّدوة العلميّة الدّوليّة الموسومة بـ « تطوّر العلوم الفقهيّة: فقه رؤية العالم والعيش فيه في المذاهب الفقهيّة والتّجارب المعاصرة « قد عالجت موضوعا ما انفكّ يستأثر باهتمامات الفكر الإسلاميّ من اختصاصات مختلفة وأوجه نظر متعدّدة لا أخالها إلاّ تُثري الثّقافة العربيّة الإسلاميّة وحراك الفكر الإنسانيّ.