روضة الصائم

خواطر إيمانية

05 يونيو 2017
05 يونيو 2017

قال فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي مفسرًا قوله تعالى: (فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) الخوف أن تتوقع شرًا مقبلًا لا قدرة لك على دفعه فتخاف منه والحزن أن يفوتك شيء تحبه وتتمناه. والحق سبحانه وتعالى يقول في هذه الآية: من مشى في طريق الإيمان الذي دللته عليه وأنزلته في منهجي فلا خوف عليهم أي أنه لا خير سيفوتهم فيحزنوا عليه، لأن كل الخير في منهج الله، فالذي يتبع المنهج لا يخاف حدوث شيء أبدا.. انظر إلى الهدهد يقول لنبي: (أحطت بما لم تحط به) هذا هو الهدهد المخلوق الأقل من سليمان -عليه السلام- يقول له: عرفت ما لم تعرفه، وكأن هذا القول جاء ليعلمنا حسن الأدب مع من هو دوننا، فهو يهب لمن دوننا ما لم يعلمه لنا، ألم يعلمنا الغراب كيف نواري سوأة الميت؟ (فبعث الله غرابا يبحث في الأرض).

ويقول مفسيرا قوله تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) كأنك ذهبت للمسجد لتأخذ شحنة إيمانية تعينك وتسيطر على كل حواسك في حركتك في التجارة، وفي الإنتاج، وفي الاستهلاك، وفي كل ما ينفعك وينمي حياتك. وحين يأمرك ربك أن تفرغ لأداء الصلاة لا يريد من هذا الفراغ أن يعطل لك حركة الحياة، إنما ليعطيك الوقود اللازم لتصبح حركة حياتك على وفق ما أراده الله. ومفسيرا قوله تعالى: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون).. لماذا تشهد؟ لأنها لم تعد مسخرة للإنسان تتبع أوامره في الطاعة والمعصية فحواسك مسخرة لك بأمر الله في الحياة الدنيا، وهي مسبحة وعابدة. فإذا أطاعتك في معصية فإنها تلعنك لأنك أجبرتها على المعصية فتأتي يوم القيامة وتشهد عليك. وأضاف: المنافقون لا يلتفتون إلى القيم الحقيقية في الحياة، ولكنهم يأخذون ظاهرها فقط، يريدون النفع العاجل، وظلمات قلوبهم لا تجعلهم يرون نور الإيمان، وإنما يبهرهم بريق الدنيا مع أنه زائل ووقتي، فان الرزق هو ما ينتفع به وليس هو ما تحصل عليه فقد تربح مالاً وافرًا ولكنك لا تنفقه ولا تستفيد منه فلا يكون هذا رزقك ولكنه رزق غيرك وأنت تظل حارسًا عليه، لا تنفق منه قرشًا واحدًا حتى توصله إلى صاحبه، قال عليه الصلاة والسلام: يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، ولبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت، فالقرآن يعطينا قيم الحياة التي بدونها تصبح الدنيا كلها لا قيمة لها لأن الدنيا امتحان أواختبار لحياة قادمة في الآخرة فإذا لم تأخذها بمهمتها في أنها الطريق الذي يوصلك إلى الجنة أهدرت قيمتها تماماً ولم تعد الدنيا تعطيك شيئاً إلا العذاب في الآخرة، فأي عقل فيه ذرّة من فكر لا يجعل لله تعالى شبيهًا ولا نظيرًا ولا يُشَبِّهُ بالله تعالى أحدًا، فالله واحد في قدرته، واحد في قوته، واحد في خلقه، واحد في ذاته، وواحد في صفاته. وأضاف: إذا رأيت فقيرًا في بلاد المسلمين .. فاعلم أن هناك غنيًا سرق ماله، فهناك الفرق بين منهج الإيمان، ومنهج الشيطان، الحادثة واحدة، ولكن الذي اختلف هو الحلال والحرام. انظر كيف يتصرف الناس في الحلال.. في النور.. في الأمان، وكيف يتصرفون في الحرام ومنهج الشيطان في الظلام وفي الخفية ويحرصون على ألا يراهم أحد، ومن هنا تأتي دقة التعبير القرآني.. (وإذا خلو إلى شياطينهم). وتساءل الشعراوي قائلا: ما الفرق بين أن يقول الإنسان المؤمن (‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) في بداية كل عمل.. وبين الكافر الذي لا يقول باسم الله، ومع ذلك فالأعمال أيضًا تعطي ثمارها للكافر والمؤمن سواء.. الإجابة هي: إن الفرق بين المؤمن والكافر فرق واضح إن المؤمن يثق بأن الله سخر له العمل.. فيطمئن وهو يؤدي العمل.. إن المؤمن يعمل وفي باله الاطمئنان .. والإحساس والأمان وأن الخير لا يجيء في الدنيا وحدها.. إن الخير يجيء في الدنيا ويثاب عليه المرء في الآخرة.. أما الكافر فقد يقوم بالعمل وقد يفشل فيه.. ويرث القلق على العمل ولا يأتيه الثواب على العمل في الآخرة.. لذلك فنحن أيضًا عندما نحمد الله بعد العمل.. فإننا نؤكد الصلة والثقة بأن الله هو الذي أعطانا فلا يدخلنا غرور أو زهو.. إنما يحس الإنسان بفضل الله..