1024504
1024504
روضة الصائم

روائع المساجد الأثرية العمانية - محراب مسجد الشرجة تحفة عبدالله الهميمي الأخيرة في عام 924هـ/‏ 1518م

30 مايو 2017
30 مايو 2017

محمد بن سليمان الحضرمي -

لا أدري ما هو السبب الذي جعل من النقاش عبدالله بن قاسم بن محمد الهميمي رحمه الله (ق: 16م) أن يختار مسجد الشرجة بنزوى، ليصيغ فيه رائعته النقشية الأخيرة في محرابه عام (924هـ/‏‏ 1518م)، بعد أن كان قد أنهى من تنقيش محراب مسجد الشراة بمنح (922هـ)، وقبله محراب جامع بهلا (917هـ)، ومسجدي العين (911هـ)، والعالي (909هـ) بمنح أيضا؟. الجواب الذي لا أعرف غيره الآن هو أن محلة الشرجة كانت قبل أربعة قرون مدينة مزدهرة، وليست كما نراها اليوم مجرد أطلال متداعية، يؤكد على ذلك تزاحم آلاف القبور في مساحتها الضيقة المتوارية بين سفوح جبل الحوراء الشبيه في هذا المكان بحذوة فرس، أو قبة عملاقة في محراب المكان، وتؤكد على ذلك أيضا تلك المساجد الصغيرة المشيدة في السفح الجبلي.

وفي الفترة التي ظهر فيها هذا النقاش الهميمي (المنحي/‏‏ من أهالي منح) كان يعيش في منطقة سعال النقاش محمد بن أحمد بن سيف، صاحب محراب مسجد «الجناة»، وتاريخيا فإن محراب الشرجة يتأخر عن الجناة بعام واحد أي عام 925 هـ، وفي نفس هذه الفترة ظهر النقاش المبدع مشمل بن عمر بن محمد المنحي، ظهر عمله في مسجدي الغريض (923هـ) والمكبرة (923هـ) بنخل، حيث أنجزهما معا في عام واحد.

خمسة محاريب نحتها عبدالله الهميمي خلال 15 عاما، إن كان هذا كل ما أنجزه الهميمي فقط، وإلا فالاحتمال وارد أن تكون محاريب أخرى له، ضاعت بفعل الهدم ولا ندري عنها شيئا، حيث لا تسعفنا المصادر بمعلومات عنها.

يقع مسجد الشرجة في محلة الشرجة، بأطراف منطقة سعال من جهة الشمال بنزوى، تقابلها منطقة سمد من جهة الغرب، يفصلهما وادي الأبيض، والشرجة اليوم ليست كما كانت عليه قبل أربعة قرون ، زمن تنقيش محراب المسجد، هي اليوم مقبرة تتناثر في أرجائها آلاف القبور، تضرب بشواهدها سفح الجبل، وتكسو الشرجة التي كانت يوما ما عامرة بالسكان والبيوت والمساجد، ولم يبق منها إلا أطلال، الحارة القديمة لمحلة الشرجة تتاخم المسجد، والأبراج تحاذيها من كل النواحي، وفي الأفق البعيد لسفح الجبل تلوح ثلاثة مساجد، من جهات الشرق والشمال للموقع، تسمى (مساجد العباد)، سوف نتعرف عليها في زيارة قادمة.

وما يلفت النظر هو الامتداد الهائل للمقابر، وكأن أمة بكاملها قد أبيدت ورحلت لسبب ما في وقت واحد، هكذا بدت لي الشرجة اليوم، عالم فسيح من المقابر المتزاحمة، القمم الشاهقة لجبل الحوراء تطل على المكان، تخبئ أسرار الناس وحكاياتهم، مثلما مساجدها الصغيرة ذاكرة أخرى للمدينة المزدهرة التي كانت، تخبئ أسرارها في صحونها ومحاريبها، وليس لنا سوى استنطاق الأطلال.

حول مسجد الشرجة مجموعة من المنازل والآبار، مساحات زراعية كانت قائمة، لم يبق منها إلا السواقي، البيوت باتت أطلالا مهجورة، وأما هذا المسجد فقد زرته مرارا قبل الترميم، ووجدته متداعيا، فيما بقت تحفة عبدالله بن قاسم بن محمد الهميمي معلقة في جداره الغربي، تستصرخ الزائرين وتستنجد بهم، فهي مهددة بالتصدع والسقوط، وكان يمكن أن تصبح أثرا بعد عين، كان يمكن لأي مُغْرض ومعتوه أن يهدم المحراب بوكزة صغيرة، فتسقط على الأرض تحفة فنية عمرها أربعة قرون، كان يمكن أن يحدث كل هذا، ولكن الله سلم، وأقدار الحياة قيضت لها من يعيد لها بهاؤها ويرممها، حيث أنهت وزارة التراث والثقافة ممثلة بدائرة التراث والثقافة بنزوى من ترميم المسجد العام الماضي 2016م، وحافظت على تماسك محرابه، لتبقى تحفة الهميمي النقشية لوحة موحية بالقراءة والنقد والتحليل، كأي عمل فني عظيم لا تنتهي إشراقاته.