Untitled-2
Untitled-2
روضة الصائم

الخليلي: العبادات جميعها تزكي روح التقوى في نفس الإنسان ليكون محاسبا لها مراقبا لحركاته وسكناته

26 مايو 2017
26 مايو 2017

الأمة بحاجة لتقرأ القرآن قراءة تدبر وإمعان ليكون مصدر إلهامها -

أجرى اللقاء: سيف بن سالم الفضيلي -

كما هي العادة السنوية التي اعتدناها في ملحقنا «روضة الصائم» أن يكون لقاؤنا مع قامة كبيرة من قامات هذه الوطن المبارك، قامة نذرت نفسها لخدمة دين الله ووطنها وأمتها، قامة عبّت من معين العلم الشرعي، وغيره من العلوم، فصارت بحرًا من العلوم يبث خيره في كل الأنحاء بكلمة حق وصدق وكلمة وعظ وإرشاد تلكم القامة هو العلامة البحر سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة الذي دعا في الحلقة الأولى من لقائنا معه الأمة بأن تقرأ القرآن قراءة تدبر وإمعان حتى تكون مصدر إلهامها بحيث تكون في كل خطة من خطواتها صادرة عن القرآن في إقدامها وفي ـحجامها لتستبصر بهذا النور الذي يشع في الكون كله ولتعُبّ من هذا المعين الدفاق فعلى الأمة المسلمة أن تكون على بينة من أمرها.

وطالب سماحته بضرورة الرجوع إلى اللغة العربية واتباع النهج السليم فيها وتجنب الشقاشق التي جاءت بها الألسن في استعمالها. وأوضح سماحته أن العبادات جميعها تزكي روح التقوى في نفس الإنسان ليكون محاسبا لنفسه، مراقبا لحركاته وسكناته في كل أموره، فالصلاة تكتسح من طبيعة الإنسان الخصال المذمومة التي هي كأنها أمر طبيعي في حياة الإنسان، والصيام تنقية للنفس الإنسانية وتربية لروحه وتقوية في جانب الضمير في النفس.

■ ■ لم يأمر الله سبحانه وتعالى بعبادة إلا وينبه إلى أثرها الأخلاقي أو أثرها على النفس والمجتمع فعن الصلاة يقول تعالى: «إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» وعن الصوم «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» إلى غير ذلك من الآيات.. ما الحكمة من هذا التنبيه؟

من المعلوم أن كل عبادة من العبادات هي صلة بين العباد، وبين ربهم سبحانه وتعالى، وهي بجانب ذلك بدل للعقيدة فهي بمثابة الوقود لهذه العقيدة حتى تشع جذوتها في النفس فتتجه النفس إلى الخير بعدما تستبصر بهذه الجذوة الإيمانية المشعة.

ولا ريب أن كل عبادة من العبادات له أثر كبير في إحياء الضمير الإنسان وفي تذكير الإنسان بربه سبحانه وتعالى وفي وصل هذا المخلوق الضعيف بالله سبحانه وتعالى القوي على كل شيء وفي التواصل بين عباد الله تعالى حتى يكونوا في ذات الله تعالى إخوانا. وقد نبه الله سبحانه وتعالى على هذه العبادات وآثارها في النفس وقد وصلها جميعا بتقوى الله تعالى، ما من عبادة من هذه العبادات إلا وهي تذكي روح التقوى في نفس الإنسان ليكون هذا الإنسان محاسبًا لنفسه مراقبا لحركاته وسكناته في كل أموره فلا يُقدم على أمر إلا ببينة من ربه ولا يُحجم عن أمر أيضًا إلا ببينة من ربه سبحانه وتعالى ليكون أخذه وعطاؤه وفعله وتركه لوجه الله وفي إطار شريعة الله سبحانه.

ولا ريب أن كل هذه العبادات تؤدي إلى هذه الغاية وكما قال تعالى في الصلاة: «وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ» وذلك هو حقيقة التقوى لان ترك الفحشاء والمنكر تخلٍّ عن كل مذموم وفي هذا التخلّي ما يؤدي إلى التحلّي بكل ما هو محمود، وفي ذلك جمع بين جانبي التخلّي والتحلّي في حياة هذا الإنسان.

وكذلك الإشارات الأخرى التي تتعلق بالصلاة كقول الله سبحانه وتعالى: «إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ» أول ما ذكر الصلاة لما لهذه الصلاة من أثر فهي تكتسح من طبيعة الإنسان الخصال المذمومة التي هي كأنها أمر طبيعي في حياة الإنسان فالصلاة تقوى على ذلك.

وكذلك قول الله سبحانه وتعالى: «أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ» كان السياق يقتضي أن يقول له «فويل لهم» ولكن بدلا من الإتيان بالمُضمر جيء بالمُظهر وكان هذا المُظهر «المصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون» للتنبيه على أن سهو الإنسان عن صلاته وعدم المبالاة بإقامتها أو بترك إقامتها وعدم المبالاة بالإتيان بها على الوجه المشروع أولى، هذا السهو عن الصلاة هو الذي يؤدي إلى هذه الموبقات كلها.

إذا جدير بالإنسان أن يكون في أدائه للصلوات مستذكرًا أمر ربه سبحانه وتعالى، مستشعرا وقوفه بين يديه؛ حتى لا يكون ساهيًا عن صلاته في أي حال من الأحوال.

والصيام كذلك، فالصيام هو تنقية للنفس الإنسانية وتربية لروحه وتقوية في جانب الضمير في هذه النفس فإن الله سبحانه وتعالى يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» أي لتتقوا، فالغاية من مشروعية الصيام هي تحقيق التقوى في حياة الإنسان.

وبيّن النبي -صلى الله عليه وسلم- في ذلك عندما قال: «ولا صوم إلا بالكفّ عن محارم الله» وقال صلى الله عليه وسلم في بيان أثر الصيام في حياة الإنسان المسلم: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وصيامه» وبين الجانب الأخلاقي في الصيام وكيف تتربى أخلاق الإنسان المسلم بصيامه هذا عندما قال: «الصوم جنة فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل، فإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم» كل ذلك مما يدل على آثار هذه العبادات، وهذا لأجل أن يكون الإنسان عندما يقدم هذه الضريبة ضريبة العبودية للربوبية يقدمها، وهو مطمئن إلى نتائجها وآثارها في حياته الشخصية وحياته الاجتماعية.

القرآن مصدر كل خير

■ ■ ولأن شهر رمضان هو شهر القرآن، فالقرآن هو المصدر الفكريّ والتربويّ الذي يحترم عقل الإنسان ويمنحه الحرية الفكرية، وحضور القلب عند تلاوته ومدارسته يستمد منه القارئ التبصر المعرفي والصفاء الروحي.. فما هي نصيحتكم سماحة الشيخ للمسلمين للعبّ من معينه؟

القرآن الكريم هو مصدر كل خير لهذه الأمة والأعراض عن القرآن هو سبب كل شر فالله سبحانه وتعالى وصف القرآن بقوله: «هُدًى لِلْمُتَّقِينَ» وقوله: «هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ» وقال: «إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ» وقال سبحانه وتعالى: «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ» وقال: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ».

وبيّن عاقبة الإعراض عنه عندما قال: «وَقَدْ آَتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا * خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا» وقال «وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى».

وخاطب النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يلزم سبيل الذين هم عاكفون على ذكر الله سبحانه وتعالى وحذر من اتّباعه من اعرض عن ذكره عندما قال الله سبحانه وتعالى: «وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا» كل ذلك مما يدل على عظم شأن القرآن وضرورة تمسك المسلم بالقرآن الكريم ليكسب الخير كله؛ لأن الخير منوط باتباع هذا القرآن.

والأمة المسلمة هي بحاجة إلى أن تقرأ القرآن قراءة تدبر وإمعان حتى تكون مصدر إلهامها بحيث تكون في كل خطة من خطواتها صادرة عن القرآن في إقدامها وفي أحجامها لتستبصر بهذا النور الذي يشع في الكون كله ولتعُبّ من هذا المعين الدفاق فعلى الأمة المسلمة أن تكون على بينة من أمرها هذا.

■ ■ نعى القرآن الكريم على أناس يلجأون إلى الخداع اللفظي وخلط الأوراق أو الغموض في المصطلحات حتى تفسّر على عدة أوجه، وبذلك تترتب نتائج زائفة على مقدمات قد يكون بعضها صحيح وبعضها باطل كالذي قام به بنو إسرائيل.. من هنا كيف تكون العناية باللغة وتحديد معنى المصطلحات وتحريرها؟

مما يؤسف له كثيرًا أن الناس بعدوا عن لغة القرآن، أولًا بعدوا عن العربية بأسرها فالعربية دَخَلَها ما دخلها من الخطأ الكبير في استعمالها وأصبحت الآن تئن وتُحتضر بسبب هذه الأخطاء الشائعة التي تداولتها الألسن والأقلام.

ومع ذلك أيضا بالنظر إلى العربية كلها فإن لغة القرآن خاصة للعربية هجرت من قبل كثير من الناس حتى أصبح استعمال هذه اللغة مضنّة الريبة عند كثير من الناس أصبحوا يتصورون استعمال لغة القرآن خطأ فلذلك بعدوا عن نهج القرآن، فإذا الرجوع إلى اللغة العربية بأسرها والمحافظة عليها وعدم التفريط فيها واتباع النهج السليم فيها وتجنب هذه الشقاشق التي جاءت بها الألسن وما أنزل الله تعالى بها من سلطان في استعمالها أمر ضروري.

ثم لا بد من الالتزام بنهج القرآن الكريم لان القرآن الكريم هو أسمى الكلام وأبلغه هو الذي حيّر الألباب وقاد العرب من ألسنتهم بسبب أنهم كانوا ينقادون لألسنتهم وكانوا يفاخرون بألسنتهم فقادهم من هذه الألسنة إلى الخير بهذا الخطاب الرباني الذي بهرهم وأخذ من مجامع ألبابهم، فإذا الرجوع إلى هذه اللغة أمر ضروري لا مناص منه.