1019234
1019234
إشراقات

الندابي: الاستقامة والصلاح ومضاعفة الإنفاق.. أُمنية الإنسان بعد وفاته

25 مايو 2017
25 مايو 2017

الدار الآخرة.. هي الأقرب للعبد المخلص لربه من حياته الدنيا -

متابعة - سالم بن حمدان الحسيني -

أوضح أحمد بن محمد الندابي مساعد إمام وخطيب بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية في محاضرة له بجامع سرور تحت عنوان: «أمل وعمل» أن الدنيا هي قنطرة عبور يسلكها السالكون ليصلوا بها حيث أراد الله وقد هداهم النجدين وأوضح لهم الطريقين فمنهم من يهتدي ومنهم غير ذلك (إِمّا شاكِرًا وَإِمّا كَفورًا)، كما أنها محفوفة بالشهوات والآخرة حفت بالمكاره، وان الدنيا عمل ولا حساب والآخرة حساب ولا عمل والعاقل شأنه العمل الميسر للحساب، مشيرًا إلى أن ذكر الموت عبادة يستوجب على المسلم أن يأتي بها وأن يفهمها كما أراد الله منه ورسوله (وَأَطيعُوا اللَّهَ وَالرَّسولَ لَعَلَّكُم تُرحَمونَ).

وأشار في محاضرته إلى أن الفلاح والفوز في طاعة الله والرسول بفعل ما أمر وباجتناب ما نهى ليعلم أن مرده إلى الله، وان العبد ما دام محسنًا لنفسه ففي حسبانه (هَل جَزاءُ الإِحسانِ إِلَّا الإِحسانُ) وما دام لم يظلم غيره ولم ينقص حقوق الغير ولم يطفف فلا يغلّب جانب الخوف المؤدي للقنوط واليأس عند ذكر الموت، ولا ينسى أن الرحمن الرحيم عادل كريم وغفور رحيم، وقد سبقت رحمته عذابه كما تجدون ذلك في آيات شتى في كتاب الله عز وجل: (وَمَن يَعمَل مِنَ الصّالِحاتِ وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلا يَخافُ ظُلمًا وَلا هَضمًا) وليعلم المؤمن أن سكرة الموت تنسي ملذات الدنيا وشهواتها وكأن العبد حينها لم يتلذذ بشيء في هذه الفانية حينها يدرك الغافل قول الله عز وجل: (وَجاءَت سَكرَةُ المَوتِ بِالحَقِّ ذلِكَ ما كُنتَ مِنهُ تَحيدُ).

صفاء النية

وأوضح أن قتل المرء نفسه وذكر الموت سبب لقبول التوبة في أمم قد خلت وشرائع من قبل مضت فقال سبحانه: (وَإِذ قالَ موسى لِقَومِهِ يا قَومِ إِنَّكُم ظَلَمتُم أَنفُسَكُم بِاتِّخاذِكُمُ العِجلَ فَتوبوا إِلى بارِئِكُم فَاقتُلوا أَنفُسَكُم ذلِكُم خَيرٌ لَكُم عِندَ بارِئِكُم فَتابَ عَلَيكُم إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحيمُ) وقال عز من قائل: (قُل يا أَيُّهَا الَّذينَ هادوا إِن زَعَمتُم أَنَّكُم أَولِياءُ لِلَّهِ مِن دونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوتَ إِن كُنتُم صادِقينَ). فالعبد المخلص لربه تكون الدار الآخرة أقرب إليه من هذه الزائلة فقال سبحانه وتعالى: (قُل إِن كانَت لَكُمُ الدّارُ الآخِرَةُ عِندَ اللَّهِ خالِصَةً مِن دونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا المَوتَ إِن كُنتُم صادِقينَ) يريد صفاء بذلك نياتهم وصدق توجههم إليه وحده لا غيره. وبسبب الحرص على الدنيا وما فيها يجعل البعض أصابعهم في آذانهم لشدة الحرص على الفاني وحذرهم الموت لا حذر توق منه بل خوف وجزع من مرد يخزيهم لم يعدوا فيه جوابا فقال عز وجل عن المنافقين: (يَجعَلونَ أَصابِعَهُم في آذانِهِم مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ المَوتِ وَاللَّهُ مُحيطٌ بِالكافِرينَ).. وقد أوضح سبحانه في سحرة فرعون مع قرب دخولهم في الدعوة قالوا لفرعون بعزم بعدما توعدهم بالقتل والصلب من خلاف (قالوا لَن نُؤثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ البَيِّناتِ وَالَّذي فَطَرَنا فَاقضِ ما أَنتَ قاضٍ إِنَّما تَقضي هذِهِ الحَياةَ الدُّنيا).

أمل وعمل

وقال: إن ذكر الموت أمل وعمل، فإنه متى ما علم العبد أنه سينقطع عنه كل شيء لحظة موته وسينقطع عنه كل شيء «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث» فإن ذلك سيدفع به أن ينفق ويبذل بماله ونفسه ويعلم الخير والصلاح والعلم النافع الدؤوب وإن قلّ، وكذلك قول الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: «إذا قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع إلا تقوم حتى يغرسها فليغرسها» فكله بذل وعمل لا خمول ولا كسل وعندما نزل قوله تعالى: (ِإنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَيِّتونَ) فإنه لم يقعد النبي عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام بل بذل وضحى وجافى جنبه مضجعه حتى تشققت قدماه الشريفتان مضحيًا بأغلى ما رزقه الله ليقربه لله مرضاة لرب العباد.. مشيرا إلى أن المعنى من الآية ليس انتظار الموت فشحوب الوجه ونحول الجسم كما يرمي بذلك بعض المغرضين بل على العكس من ذلك تماما فعندما يعلم العبد بعاقبة تنتظره يدفعه أن يقدم لها (وَلتَنظُر نَفسٌ ما قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ) فذكر الموت يذكر العبد بعمل الخير وينادي بالمرء قائلا له: «أنفق ولا تخش من ذي العرش إقلالًا» يقول الحق الكريم وهو أصدق القائلين (وَأَنفِقوا مِن ما رَزَقناكُم مِن قَبلِ أَن يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوتُ فَيَقولَ رَبِّ لَولا أَخَّرتَني إِلى أَجَلٍ قَريبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِنَ الصّالِحينَ)، فكلمة «فأصّدق» هنا للدلالة على التكثير والمضاعفة في الإنفاق لأن لهم أجلا قريبا يريدون فيه تعويض سالف عمر ولحظات ضيعوها في هذه الدنيا ولا شك أن الإنفاق يقود للصلاح ولا تعني الآية أن الإنفاق هو الأمنية الوحيدة للميت وإنما أن يكون من الصالحين ولأن الآية في سورة المؤمنون (لعلي أعمل صالحًا فيما تركت) لينفق بعد ذلك ويأتي بالخير، وحينما يقرأ العبد: (كُلُّ نَفسٍ ذائِقَةُ المَوتِ وَنَبلوكُم بِالشَّرِّ وَالخَيرِ فِتنَةً وَإِلَينا تُرجَعونَ) لا يقف عندها فحسب، بل يكون قبلها العناء والاعتناء وبعدها الحساب والجزاء فهي اللحظة الفاصلة والفترة العادلة لمن قدم خيرا (وَما عِندَ اللَّهِ خَيرٌ لِلأَبرارِ)، ومن قدم غير ذلك فإن الله عادل كريم (إِنَّ اللَّهَ لا يَظلِمُ مِثقالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفها وَيُؤتِ مِن لَدُنهُ أَجرًا عَظيمًا)، ويقول سبحانه: (فَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ خَيرًا يَرَهُ، وَمَن يَعمَل مِثقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). وعندما يتلو العبد في كتاب ربه (كُلُّ مَن عَلَيها فانٍ، وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرامِ) يجعله هذا متصلا بالباقي وأن لا يفنى مع الفاني، فالمؤمن حي بذكره وإن مات فستذكره السنون والأيام وإن نسي اسمه واندرس رسمه ورق عظمه ففي كتاب الله عن بني إسرائيل وما أثروه (كَم تَرَكوا مِن جَنّاتٍ وَعُيونٍ، وَزُروعٍ وَمَقامٍ كَريمٍ، وَنَعمَةٍ كانوا فيها فاكِهينَ، كَذلِكَ وَأَورَثناها قَومًا آخَرينَ، فَما بَكَت عَلَيهِمُ السَّماءُ وَالأَرضُ وَما كانوا مُنظَرينَ) فكم من وضيع عند الناس معروف عند الله في الملأ الأعلى، وكم من مشهور عند الناس ولكن شهرته في الحضيض الأسفل ولله عاقبة الأمور.

تأصيل العبادة

وقال: على كل منا أن يؤصل العبادة تأصيلًا يجعلها دائمة مصونة عن أي تقصير وخطل ويبعدها عن كل خلل وشلل بل وفي ازدياد كل لحظة وكل حين لا الجهل يهويها ولا الهوى يعميها فيبقى من هؤلاء أناس على صلاتهم دائمون وآخرون على صلواتهم يحافظون استحقوا من ربهم المديح والثناء فلم تكن لحظة تجرع الموت لتشغلهم عن الصلاح والإصلاح ففي كتاب الله حكاية عن سيدنا يعقوب عليه السلام: (أَم كُنتُم شُهَداءَ إِذ حَضَرَ يَعقوبَ المَوتُ إِذ قالَ لِبَنيهِ ما تَعبُدونَ مِن بَعدي قالوا نَعبُدُ إِلهَكَ وَإِلهَ آبائِكَ إِبراهيمَ وَإِسماعيلَ وَإِسحاقَ إِلهًا واحِدًا وَنَحنُ لَهُ مُسلِمونَ)، وكذلك أكرم الخلق نبي الهدى صلى الله عليه وسلم وهو يلاقي ربه يردد لنا ناصحا ومعلما ومنقذا: «الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم» حتى فاضت روحه الطاهرة إلى بارئها وهذا يؤكد بلا ريب أن من عاش على شيء مات عليه.

وأوضح قائلا: إنه حينما يقرأ الفطن في كتاب ربه (أَينَما تَكونوا يُدرِككُمُ المَوتُ وَلَو كُنتُم في بُروجٍ مُشَيَّدَةٍ)، (وَإِن تُصِبهُم حَسَنَةٌ يَقولوا هذِهِ مِن عِندِ اللَّهِ وَإِن تُصِبهُم سَيِّئَةٌ يَقولوا هذِهِ مِن عِندِكَ قُل كُلٌّ مِن عِندِ اللَّهِ فَمالِ هؤُلاءِ القَومِ لا يَكادونَ يَفقَهونَ حَديثًا) يتأكد عنده الموازنة في السعي، فكم من طول عمران خلف بلادة أبدان وجمود أذهان، والموازنة العادلة في آية من كتاب الله (وَابتَغِ فيما آتاكَ اللَّهُ الدّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصيبَكَ مِنَ الدُّنيا وَأَحسِن كَما أَحسَنَ اللَّهُ إِلَيكَ وَلا تَبغِ الفَسادَ فِي الأَرضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ المُفسِدينَ)، وحينما يقرأ العبد كتاب الله ويقرأ يجعله أكثر اطمئنانا، لا خوفا وهلعا ولا فرحا وطمعا يدفعان بالعبد إلى التردي والانحلال كأن يسوّف المتاب فلا توبة على من قال الله فيهم (حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَهُمُ المَوتُ قالَ رَبِّ ارجِعونِ، لَعَلّي أَعمَلُ صالِحًا فيما تَرَكتُ كَلّا إِنَّها كَلِمَةٌ هُوَ قائِلُها وَمِن وَرائِهِم بَرزَخٌ إِلى يَومِ يُبعَثونَ) وما دام العبد لا يعلم الغيب ويعلم أنه (لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُم فَلا يَستَأخِرونَ ساعَةً وَلا يَستَقدِمونَ) فلم التسويف والتفريط في أثمن ما يملك الإنسان من عمره وشبابه وصحته وعافيته ووقته!.