أفكار وآراء

روسيا تقامر مرة أخرى في أفغانستان

24 مايو 2017
24 مايو 2017

أرتيمي كالينوفسكي - موسكو تايمز -

ترجمة - قاسم مكي -

مؤخرا، اتهم كبار المسؤولين العسكريين في الولايات المتحدة الحكومةَ الروسية بدعم حركة طالبان التي تشن تمردا دمويا ضد الحكومة في أفغانستان. في البداية كنت متشككا في صحة هذه المزاعم. أولا، لأنه لم يقدِّم أحد، كما يبدو، دليلا ملموسا على ذلك الدعم . وثانيا، لأن حليفات روسيا في آسيا الوسطى ترى في طالبان (وحليفتها حركة أوزبكستان الإسلامية) خطرا كبيرا عليها. وثالثا، لأنني كنت قد سمعت قبل عامين مزاعم شبيهة ضد الولايات المتحدة. وقتها رفضت تصديق تلك المزاعم واعتبرتها لغوا فارغا ومزيجا من الرُّهاب والدعاية الروسية. ولكن اليوم ربما يلزمني قبولها. ففي حين لم يؤكد المسؤولون الروس تزويدهم لطالبان بالأسلحة إلا أنهم واضحون تماما فيما يخص استعدادهم للتعاون معها. يوجد عاملان هنا، أولهما أن روسيا مرعوبة حقا من داعش التي أسست لها وجودا في أفغانستان. فداعش، على عكس طالبان التي لم تكن لها على الإطلاق طموحات فيما وراء أفغانستان وباكستان، نشطة في تجنيد مقاتلين في البلدان السوفييتية السابقة. وهي على استعداد لتوجيه ضربات داخل روسيا نفسها. ثانيا، لقد فقدت موسكو منذ فترة طويلة ثقتها في قدرة واشنطن وحلفائها إما في القضاء على طالبان كقوة مقاتلة أو إيجاد حكومة مستقرة في كابول. وإذا عدنا إلى عام 2010 ، سنجد أن بوريس غروموف الجنرال الذي أشرف على انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان وديمتري روغوزين سفير روسيا لدى الناتو نشرا مقالا في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية ذكرا فيه أن انسحابا للناتو سابقا لأوانه سيشكل تعزيزا هائلا للحركيين الإسلاميين ويقوض استقرار جمهوريات آسيا الوسطى ويطلق موجات من اللاجئين بما في ذلك تدفق الآلاف منهم إلى أوروبا وروسيا». إن قرار موسكو بالعمل مع طالبان شكلٌ من أشكال التأمين تحسبا للمستقبل. فعاجلا أو آجلا ستكون طالبان، حسبما يرى المسؤولون الروس كما يبدو، جزءا من تحالف حاكم في أفغانستان أو ربما سادة خالصين لكابول. وإذا حدث ذلك فمن المفيد أن تكون روسيا على علاقة جيدة معها الآن. توجد سابقة لهذا التصرف من موسكو. ففي خريف عام 1991 حين كان الاتحاد السوفييتي في أواخر أيامه، دعا الرئيس الروسي يلتسين وفدا من المعارضة الأفغانية بقيادة برهان الدين رباني إلى زيارة موسكو. وكان الاتحاد السوفييتي للجمهوريات الاشتراكية قد حاول على مدى عشرة أعوام مساعدة النظام الشيوعي في كابول على إخضاع تحالف الجماعات المتمردة. وعلى الرغم من أن حكومة كابول حافظت على السيطرة على المدن إلا أن معظم الريف كان في يد المعارضة. وشرعت الصحافة في انتقاد الحرب علنا بدءا من صيف 1989. وكان الاتحاد السوفييتي لا يزال موجودا وقتها. ولكن بعد انقلاب أغسطس صارت أيامه معدودة. وكان يلتسين وليس الرئيس السوفييتي ميخائيل جورباتشوف هو الشخصية السياسية المسيطرة. وحين جاء رباني إلى موسكو، وعد يلتسين بوقف دعم كابول قريبا وسعى للتعاون مع حكام كابول القادمين. لم يطل عهد رباني في كابول كثيرا ودخلت جماعته وباقي المجاهدين في حرب أهلية. ولكن ثبت أن مساعي يلتسين كانت مفيدة في الأجل الطويل. فبعد اشتعال الحرب الأهلية في طاجيكستان عام 1992، قدَّمت قوات رباني ملاذا للطاجيك المتحالفين مع المعارضة. وفي الأعوام التالية، ساعدت علاقات موسكو بحزب رباني في مفاوضات إنهاء الحرب الأهلية. وبحلول عام 1998 كان رباني يتجه إلى موسكو طلبا للسلاح. فلا شك أن المسؤولين الروس، بتأسيسهم علاقة مع طالبان الآن، يعتقدون أنهم يمارسون نوعا من الواقعية السياسية. ربما هم مصيبون في ذلك. ولكن عودة موسكو إلى السياسة الأفغانية تؤكد على الدمار المريع الذي ألحقه بأفغانستان، أساسا ولكن ليس على وجه الحصر، التدخلُ الأجنبي الأمريكي والروسي -‏ السوفييتي. وحين قرر الزعماء الروس التدخل في ديسمبر 1979 كانوا يأملون فقط في تقديم ما يكفي من دعم لحكومة كابول لترتيب أوضاعها واستعادة السيطرة على البلد. وكانت الولايات المتحدة وحلفاؤها يأملون في أن يخلفوا وراءهم حكومة مسيطرة على معظم أفغانستان. ولكن موسكو وواشنطن فشلتا مرارا في العمل معا لإنهاء القتال في أفغانستان. وفي أواخر أعوام الثمانينات استمر المسؤولون الروس في دعم كابول ليس لأنهم رجحوا الانتصار ولكن لأنهم كانوا يأملون في أن الولايات المتحدة إن عاجلا أو آجلا ستعتبر النظام الشيوعي (هناك) لاعبا سياسيا حقيقيا وبالتالي ستدفع المعارضة للالتحاق بشكل من أشكال الحكم الائتلافي. وفي دعمها لطالبان، تتبع موسكو منطقا شبيها بذلك؟ فمن الناحية النظرية يمكن أن يؤدي اكتسابها نفوذا لدى طالبان ودفعها نحو محادثات السلام وجعلها تنضم للحكومة بشروط مقبولة على نحو أو آخر إلى التقليل من إراقة الدماء في أفغانستان. ولكن الاتهامات التي صدرت مؤخرا من مسؤولين أمريكيين تبيِّن لماذا أن مثل هذه النتيجة مستبعدة. فحتى إذا أمكن إقناع اللاعبين المحليين الآخرين بالدخول في اتفاق سلام، سيجعل العداء الذي لم ينقطع تقريبا بين موسكو وواشنطن خلال العقد الماضي مثل هذا التعاون الدولي بعيدا عن الاحتمال. ومن الصعب تخيل أن دعم موسكو لطالبان، عسكريا أو بخلاف ذلك، لن يفعل شيئا أكثر من إضافة المزيد من الوقود لهذه الحرب التي لا تنتهي أبدا.

• الكاتب أستاذ مساعد دراسات شرق أوروبا بجامعة أمستردام. ومؤلف كتاب بعنوان وداعا : الانسحاب السوفييتي من أفغانستان - مطبعة جامعة هارفارد 2011 وكتاب قادم بعنوان(معمل التنمية الاشتراكية : تفكيك الاستعمار وسياسة الحرب الباردة والصراع من أجل الرفاه والمساواة في طاجيكستان السوفييتية - مطبعة جامعة كورنيل)