ahmed-al-f
ahmed-al-f
أعمدة

نوافـذ: هدأت العاصفة

23 مايو 2017
23 مايو 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

شن علينا – كمتلقين - مروجو برامج «تنمية الذات» هجوما شرسا في السنوات الأخيرة، بصورة ملفته للنظر، حيث أصبحت الوسائل الإعلامية المختلفة مرتعا خصبا لتصويب سهام هذا الهجوم، وكانت فترة خصبة لهؤلاء المروجين، ليس للكسب المادي فقط ، بل لتعزيز الشهرة المبالغ فيها لشخوص هؤلاء المروجين، وهناك الكثيرون من استحسنوا هذه المسألة حيث أتوا من الأبواب الخلفية، فإذا كان هناك البعض منهم من أهل نفسه بدورات تدريبية مختلفة، كما يشيعون، فهناك من اكتفى بسرقة هذه البرامج من الشبكة العنكبوتية، وقد وقفت شخصيا على أكثر من مرة في مسألة تكرار البرامج نفسها بين مدرب وآخر، ومع ذلك تهافتت إليهم كل المؤسسات بلا استثناء لأخذ الوصفة الطبية المباشرة لتحويل موظفين كسالى إلى موظفين يتميزون بشعلة من النشاط والاجتهاد والتضحيات، حسب الفهم المروج له ، وإلى الانتقال من مؤسسات خاملة بكسل موظفيها ؛ إلى مؤسسات حيوية يكون فيها الإنجاز فوق المتوقع ، حسب رؤية هؤلاء المروجين، ومرت سنوات الترويج ، دون أن تحرك كل هذه الدعاية الإعلانية لبرامج «تنمية الذات» من الأمر شيئا يستحق الإشادة، أو يلمس من خلاله التغيير، حيث ظل الحال كما هو عليه، الكسول ظل كسولا؛ كيوم ولدته أمه، والمجتهد ظل مجتهدا كيوم ولدته أمه، ولم تربك برامج «تنمية الذات» الفطر التي فطر الله الناس عليها، والذي حدث فقط ، هو أن المروجين جنوا آلاف الريالات من المؤسسات، ومن الأفراد الذين ظنوا – جهلا – أنهم سوف يصبحون سعداء، وأغنياء، وأذكياء، ومحترفين، بمجرد أي تغيير جزئي يحدثونه في حياتهم اليومية، حتى ولو لباس النعال بالمقلوب، المهم أن يكون هناك تغيير.

ومع اختفاء هذه الموجة المشتعلة، أو تضاؤلها، اختفت شخوص هؤلاء المروجين، أو تكاد، ولم نعد نسمع عنهم الكثير، وحتى برامجهم التي احتلت خارطة برامج الوسائل الإعلامية لم تعد حاضرة اليوم بذلك الزخم الذي عايشناه حتى عهد قريب، فما الذي حدث؟ سؤال بحجم الاستغراب؛ هل وصل الناس إلى قناعة فشل هذه البرامج، هل تيقن رؤساء المؤسسات أن برامج «تنمية الذات» ظهرت أنه لعبة إعلانية اشتغل عليها أناس أذكياء، أم أن هؤلاء المروجون خلت جيوبهم من الجديد في مسيرة الترويج، وقد تفههم المجتمع، حيث تراجعت الحيل، وتراكمت محطات الفشل؟ أسئلة كثيرة تفرض نفسها اليوم، بعد هذه الموجة التي اكتسحت هذه الساحة التي تسمى برامج «تنمية الذات» فلا ذاتا نمت، ولا عقولا صدئة انجلت، ولا قلوبا ران عليها الدهر تحررت من معاقلها، ظلت الحياة على رتابتها، وظل الجهد الإنساني كما هو، فمن كان نشيطا؛ ظل على نشاطه، ومن كان كسولا خمولا، ظل على كسله وخمله، وكل ما روجه المناصرون لبرامج «تنمية الذات» لم يظهر منه شيء على الواقع، سوى جهد ضائع، ووقت ضائع، ومال مهدر، ولذلك ظلت الشكوى قائمة، والإحباط قائما، وحالات التردي في التعامل مع الوظيفة قائمة، ولعل هناك من ينتظر الفترة القادمة لعل لها أن تنبئ عن شيء جديد، يستنزف المال والوقت والجهد.

نقر في هذه العجالة أن الإنسان مخلوق ضعيف، يبحث دائما عن شيء يعفيه من هذا الضعف، يحقنه بشيء من الأمل، وبشيء من الطموح، وإن كانت هذه دوافع ذاتية يوجدها الخالق في شخص من الناس، ولا يوجدها في آخر، ستظل، في المقابل، أن مثل هذه البرامج كحال الذي يتناول وجباته من محلات الوجبات السريعة، فهي لن تغني ولن تسمن، إلا بقدر لحظتها تلك، وربما ضررها أكثر من نفعها، وستظل المؤسسة الأكاديمية القائمة على البحث والتدريب المستمر لسنوات هي الكفيلة بتعزيز من عنده شيئا من المواهب والميول.