الملف السياسي

خطاب سياسي جديد .. هل يحظى بالقبول العربي ؟

15 مايو 2017
15 مايو 2017

العزب الطيب الطاهر -

,, اللافت حتى كتابة هذه السطور أنه لم تصدر ملاحظات أو مواقف رسمية من النخبة السياسية العربية على وثيقة حركة حماس الأخيرة التي تشكل إطار تحركها المستقبلي وتصوراتها للتعاطي مع مسارات القضية الفلسطينية ,,  

ربما الملاحظة أو التعليق الوحيد صدر من وزارة الخارجية المصرية على لسان المتحدث الرسمي باسمها - السفير أحمد أبو زيد - الذي نفى أن تشهد المرحلة الراهنة أي تقارب سياسي مع الحركة، وإن كانت الاتصالات ذات الطابع الأمني معها ستتواصل حسب تأكيده، غير أن هذا لا يؤشر الى قطيعة مصرية كاملة مع حماس، والتي شهدت الأشهر المنصرمة القليلة الماضية بعضا من التطور الملموس، وهو ما تجلى في زيارات قام بها مسؤولون كبار في قيادة الحركة الى القاهرة من أبرزهم اسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي الجديد للحركة وقت أن كان نائبا لرئيس المكتب السياسي السابق خالد مشعل، وموسى أبو مرزوق الذي يتولى المنصب ذاته، فضلا عن استضافة مصر للعديد من الشخصيات السياسية والإعلامية من قطاع غزة، جلهم ينتمون الى حماس .

ويمكن النظر الى وثيقة حماس الأخيرة بحسبانها تنطوي على تجديد لخطابها السياسي على نحو يتلاءم مع المرحلة السياسية التي تمر بها المنطقة العربية. بل ومنطقة الشرق الاوسط، والتي باتت تستوجب إحداث تغييرات في بنيتها الفكرية والأيدولوجية بما يدفعها الى التواؤم مع المتغيرات المتسارعة، ولا يجردها من موقع التأثير فيها والانخراط في سياقاتها المتعددة لاسيما السياسية في ظل غياب التوازن العسكري مع الآخر الذي يحتل الأرض ويغتصب الحقوق ويمتلك آلة عسكرية بالغة التطور ومدعوما بإسناد من أكبر دولة في المعمورة وهي الولايات المتحدة ضمن تحالفها الاستراتيجي مع الدولة العبرية والتزامها بحماية أمنها ووجودها وجعلها أكثر تفوقا على جيرانها من الناحية العسكرية والاستراتيجية.

وكان لافتا تأكيد خالد مشعل خلال الإعلان عن الوثيقة بالعاصمة القطرية - الدوحة - التي يتخذها مقرا له منذ سنوات في الأول من مايو الجاري على أن بلورة مضمونها تمت بالتوافق والتراضي بين قواعد الحركة وبالتوافق والتراضي أيضًا مع الأطراف الدولية والإسلامية، حيث ان عملية تعديل ميثاق«حماس» الذي أعلن في عام 1988 بعد تأسيسه بعام استغرقت نحو أربعة أعوام تخلّلتها نقاشات وحوارات وآراء شهدت قدرا من التوافق والتباين أيضا بين قواعد الحركة وأُطرها القيادية، ومن الواضح أنّ أفكارًا رئيسة في الوثيقة قد نوقشت مرارًا مع أطرافٍ عربية وإسلامية ودولية، بل وربما جاءت التسريبات السابقة لبنود مهمة فيها بمثابة بالونات اختبارٍ لمعرفة صداها ورصد ردود الفعل بشأنها، كما تم التمهيد لها بتصريحاتٍ مختلفة لعدد من كبار المسؤولين في الحركة تناولت القضايا الخلافية فيها مثل دولة في حدود 1967،أوعلاقة «حماس» بجماعة الإخوان المسلمين، بحيث بدت هذه التعديلات انعكاسًا لواقع كُرّس سابقًا في سياسات الحركة منذ انخراطها في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني.

ويؤشر الكشف عن توافق وتراضٍ في الداخل ومع الخارج الى أنّ ثمّة آراء تؤيّد هذه التعديلات الجوهرية،بل وربما تدفع باتجاه أوسع مدىً فيها، وثمّة آراء أخرى تعارضها وتتمسّك قدر استطاعتها بموروثها القديم، وجاءت المحصلة توافقاً وتراضياً يحمل حلًا أو بالأحرى تفسيرًا وتأويلًا لكلا الموقفين يمكّن كلا منهما من الاستمرار بنهجه وتطوير اتجاهه فيه.

وبعيدا عن تفاصيل الوثيقة فإن ثمة نقطتين فيها هما اللتان تشهدان حالة من الشد والجذب بشأنهما، أولاهما: التأكيد على أن«حماس» حركة تحرّر وطني فلسطيني ذات مرجعية إسلامية، وهو ما يعني تجاهلا إن لم يكن قطيعة مع ما ورد في ميثاقها السابق بأنّها جناح من أجنحة جماعة «الإخوان المسلمين وهي بذلك تحاول أن تتجنب سلبيات تلك العلاقة في ظلّ الظروف الإقليمية السائدة على المشروع الوطني، والتي أضرت بعلاقاتها مع أطراف عربية، كانت مصر في مقدمتها والتي شهدت العلاقات معها خلال السنوات الست الأخيرة قدرا كبيرا من التوتر في ظل ورود أسماء لعناصر تنتمي للحركة في عمليات إرهابية وقعت سواء في سيناء أوغيرها من بر مصر ووصل الأمر في بعض المراحل الى صدور حكم قضائي باعتبار حماس حركة إرهابية في مصر، وإن كان قد تم نقض هذا الحكم والتراجع عنه بعد ذلك، وينطوي هذا التراجع عن الارتباط بجماعة «الإخوان المسلمين» على رسالة للغرب مؤداها أن حماس تتحول في هذه المرحلة الى حركة سياسية أكثر من كونها تياراً إسلامياً، رغم تأكيدها في المادة الأولى من الوثيقة الجديدة على أن«مرجعيتها الإسلام» فضلا عن تمييزها نفسها بوضوح عن بعض التيارات المتشددة المرفوضة مجتمعياً والمحاربة دولياً من خلال تأكيدها على طبيعتها« الإسلامية الوسطية» وإن كان « خالد مشعل» قد أكد في مؤتمره الصحفي الذي أعقب الإعلان عن الوثيقة الحديثة على جذور حركته الفكرية، وأن التطور الجديد لا يعني التنصل من الجماعة في أزمتها الراهنة في المنطقة.

أما النقطة الثانية التي تضمنتها الوثيقة والتي قد تحظى بقدر كبير من الارتياح لدى أغلبية الأوساط العربية، وإن كانت قد شهدت تشكيكا من بعض الأطراف فضلا عن الرفض من أطراف أخرى سواء في الداخل أوفي الإقليم، فهي القبول بدولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967، وهو تطور حقيقي في موقف وأيدلوجية الحركة التي ظلت رافضة على مدى العقود الأربعة الماضية لمثل هذا التوجه، والذي أضحى عنوان الموقف الرسمي للنظام الإقليمي العربي الذي كان يعبر عنه باستمرار في بيانات القمم العربية بالذات منذ قمة بيروت 2002 والتي تمت فيها الموافقة على المبادرة العربية للسلام والتي تقوم على القبول بالتطبيع الكامل مع الدولة العربية، مقابل انسحابها الكامل من الأراضي العربية التي احتلت في عام 1967 وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ويعكس هذا التطور في موقف حماس تحولا نوعيا يتجلى في قبول إقامة الدولة على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة،ما يتسق مع المشروع الوطني الفلسطيني المتوافق عليه في هذه المرحلة، والذي يقبل بمبدأ حل الدولتين، أمّا ما جاء من تعبيرات مرتبطة بهذا البند في الوثيقة والتي تؤكد الاستمرار بالتمسّك بالثوابت، فهو يعبّر عن حالة التراضي بين الآراء المختلفة، لكنّه لا يعكس بأي حال سياسةً عمليةً غير التي تضمنتها هذه الفقرة، حول هذا الموضوع ، وإن كانت بعض الدوائر ترى أن اللحاق بقطار هذا الموقف التوافقي ، قد جاء متأخرا بعد تعرض مشروع حل الدولتين لحالة التباس ، في ظل مواقف بنيامين نتانياهو رئيس وزراء الدولة العبرية الرافضة له من الأساس ، وهو موقف حظي بتأييد واضح من قبل الرئيس الأمريكي الجديد ، وإن كان - أي دونالد ترامب - يتطلع لإحداث اختراق يتمثل في إبرام ما وصفه بصفقة القرن لحل القضية الفلسطينية، والذي ربما يكشف عن توجهاته بشأنها خلال جولته المرتقبة في المنطقة قبل نهاية مايو الحالي، والذي سيزور خلالها اسرائيل، ثم يعقد في الرياض قمتين إحداهما مع قادة مجلس التعاون الخليجي، والثانية مع مجموعة كبيرة من قادة الدول العربية والاسلامية ستكون القضية الفلسطينية على رأس جدول أعمالهما، الى جانب مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار الإقليمي في المنطقة والتعاون الاقتصادي .

ولاشك أن الوثيقة،رغم ما يبدو فيها من وضوح في بعض مضامينها وبنودها، تبدو في حاجة الى المزيد من التوضيح للدوائر العربية،وهو ما ستسعى إليه القيادة الجديدة لحماس التي تبوأها اسماعيل هنية بعد فوزه برئاسة مكتبها السياسي خلفا لخالد مشعل خلال المرحلة المقبلة من القيام بزيارات للعواصم العربية المهمة، ستكون القاهرة في صدارتها أو إرسال مبعوثين للعواصم الأخرى سواء عربية أوإسلامية أو حتى في مناطق أخرى.

وطبقا لهنية نفسه، فإن حماس ستجري بالتأكيد اتصالات ولقاءات، وستكون منفتحة أمام أية إيضاحات أو استفسارات ومناقشات حول الوثيقة، بما يعزز سياسة واستراتيجية الانفتاح على الجميع، وتتوقع قيادات حماس إنّ الوثيقة الجديدة «ستفتح الباب لتكون الحركة مقبولة عربياً ودولياً، ولرفع منسوب تحسن العلاقة مع مصر والدول العربية بل ودول الغرب.

على أي حال فإن وثيقة «حماس»الجديدة التي تم الإعلان عنها تحت عنوان (وثيقة المبادئ والسياسات العامة) تمثل بشكل أو بآخر مؤشرا على نضوج سياسي يحافظ على الثوابت ومحاولة لتبني لغة جديدة في مخاطبة الإقليم والعالم .