أفكار وآراء

دور المجتمع والقطاع الخاص في تعزيز السلامة المرورية

13 مايو 2017
13 مايو 2017

عبدالله بن محمد  المسن -

المهم أن تتوحد المواقف بروح العمل الجماعي والتعاون لتحقيق التكامل بين جميع أفراد المجتمع وجميع فئاته وحتى تصبح أي شعارات نرفعها عملا محسوسا وجهدا واضحا يمكن تأصيله كقاعدة عامة وسلوك دائم يحقق سلامة المشاة ويثبت بالفعل المادي المؤثر أنها مسؤولية الجميع.

أكدت شرطة عمان السلطانية مؤخرا انخفاض عدد حوادث السير في السلطنة بنسبة 51 % خلال السنوات الأربع الممتدة من عام 2012 الى عام 2016، وهي نتيجة تدعو للاعتزاز والسعادة لنجاح جهود شرطة عمان السلطانية، التي تبذل جهودا مقدرة وملموسة للحد من حوادث السير على شبكة الطرق الحديثة في السلطنة والتي تعد الثانية على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

ويتوفر للإدارة العامة لشرطة المرور بشرطة عمان السلطانية الكادر اللازم من أفراد شرطة المرور المؤهلين علميا وعمليا، وفق احدث العلوم والتدريبات الشرطية للقيام بجميع المهام المرورية العملية اليومية والتي تشمل الإشراف بواسطة الدوريات السيارة على جميع الطرق بالسلطنة والدوريات الثابتة على المرافق الحيوية والأماكن المزدحمة كالأسواق والمناطق التجارية وغيرها ورصد المخلفات واتخاذ الإجراءات القانونية بشأن المخالفين وتوجيههم الى الاستخدام السليم ومساعدة المشاة الى الأسلوب الصحيح لعبور الطرق وتوفير شبكة اتصالات سريعة لمواجهة الحوادث التي تحدث على الطرق واتخاذ الخطوات العاجلة لإنقاذ المصابين وإخلاء موقع الحادث وإعادة حركة السير الى طبيعتها وغيرها من المهام التي يتطلبها انتظام الحركة المرورية وتوفير السلامة الوقائية لمستخدمي الطريق، كما تعنى الإدارة العامة للمرور بجانب التوعية والإرشاد المروري بتوفير مواد التوعية والإعلام والكتيبات والنشرات وإلقاء المحاضرات بمواقع النشاط الاجتماعي كالأندية والجمعيات فضلا عن العناية بتوعية طلاب المدارس والمعاهد وشباب الجامعات وتنظيم المسابقات الفنية والأدبية التي تستهدف ترسيخ الوعى والسلوكيات المرورية النموذجية.

غير انه لايمكن أن نغفل دور أفراد المجتمع في دعم الجهود التي تقوم بها شرطة عمان السلطانية وتفعيلها لأنهم يمثلون الضمانة الحقيقية لانتظام الحركة المرورية وسلامتها من خلال تحملهم المسؤولية مع رجال الشرطة في التزامهم بقواعد السير وقواعد السلامة على الطرق للسائقين والمشاة وكل مستخدمي الطريق.

والسلطنة بحمد الله وصلت إلى درجة عالية من انضباط الحركة المرورية بها التي تعبر عما يتميز به المجتمع العماني من تعاون وتكافل يعود الى مكونات الشخصية العمانية التي تميزت عبر تاريخها وتراثها بحب النظام والتفاني في العطاء من أجل المجموع والتزاما بقيم ديننا الحنيف وأصالة الأخلاق العربية العمانية.ولكن تظل هناك قلة من الذين تستهويهم السياقة بسرعة كبيرة وتغريهم الطرق الممهدة بالسباق المجنون والتجاوز الأرعن وهذه القلة هي المسؤولة عن حوادث الدهس والتدهور التي تشهدها طرق السلطنة، وهي الحمدالله قلة محدودة بحاجة الى توعية ورقابة وصرامة في توقيع الجزاء حتى لا يسيئوا الى الصورة الحضارية الرائعة للحركة المرورية بالسلطنة والتي هي حديث القريب والبعيد، الزائر والقيم.

ان دور المجتمع بجميع فئاته وقطاعاته الاجتماعية والاقتصادية في تأمين السلامة المرورية وتأكيد انتظام الحركة المرورية وحماية أرواح المشاة، هو دور شديد الأهمية وحتى تتمكن من تحقيق السلامة العامة للمرور والحد من الحوادث الضرورة والمصلحة العامة المشتركة فلابد من تعاون جميع فئات المجتمع .

بدءا من الأفراد الذين ينبغي أن يكونوا متعاونين وعلى درجة عالية من الوعى بمصالحهم، فهم القادرين على تحقيق التنمية والتقدم لبلادهم.

كما أن للأسرة دورا مهما في تعليم أبنائها منذ الصغر كيف يستعملون الطريق العام وكيف يعبرون من الأماكن المخصصة للمشاة، والحرص على منعهم من اللهو واللعب في الطريق العام، ومهمة الأب يكون القدوة والمثل لأبنائه سواء كان يصطحبهم في سيارته او يسير علىقدميه في احترام علامات السير وكافة القواعد المرورية وإطاعة تعليمات رجل شرطة المرور، وعلى الأم أيضا مسؤولية أن تلقن أولادها كيفية احترام قواعد المرور قبل خروجهم للشارع وتنمية الوازع الديني والأخلاقي لديهم باحترام ومساعدة الآخرين.

كما للمدرسة دور مهم ومؤثر في عملية الإرشاد والوعي وتعتبر ركيزة مهمة لنشر الوعي المروري لأفراد المجتمع في هذه السن المبكرة، حيث يمكن من خلال المعلم الموهوب تحويل القواعد والقوانين المرورية الى مادة تربوية تجتذب الأطفال والشباب في مراحل التعليم المختلفة وترسيخ القيم والعادات السليمة لديهم تجاه الطريق واستخدامه حتى يتحول الى خلق وسلوك يسهم في تكوين شخصية الأجيال القادمة وإعدادهم الإعداد السليم لتولي مسؤولية حماية انفسهم وأروح غيرهم دون رقيب عليهم سوى قناعتهم الذاتية.

وكذلك مؤسسات النشاط الاجتماعي كالأندية والجمعيات ومراكز تنمية الأسرة ورعاية الطفولة وجمعيات المرأة العمانية وتنمية المجتمعات المحلية والكشافة والمرشدات وغيرها باعتبارها مراكز حيوية لها دور في بث الوعي المروري وتنمية قدرات أفراد المجتمع على الالتزام بالقواعد السليمة للمرور سواء لسائق المركبة او عابر الطريق.

وهذه المؤسسات مطالبة بالتنسيق مع شرطة المرور في استثمار إمكانياتها وتفعيل دورها وجعل رسالة الوعي المروري جزءا لا يتجزأ من مسؤولياتها وواجبها تجاه المجتمع وتجاه تحقيق السلامة المرورية لأفراده وبخاصة المشاة.

من جانب آخر هناك قطاعات أخرى في المجتمع يمكن تفعيل دورها في هذا المجال ومنها دور القطاع الخاص التجاري والصناعي والذي يرتبط نشاطه وتقدمه بتحقيق السلامة المرورية. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق الى متى ستظل الدولة هي المسؤولة الوحيدة عن الأنشطة والمشروعات المتصلة بالتنمية وما تتطلبه من تدعيم البنية الأساسية من مرافق عامة وخدمات؟ وأين دور القطاع الخاص وإسهامه في تعزيز إمكانيات الدولة والإسهام الإيجابي في هذا المجال ولنضرب مثالاً بموضوع حديثنا عن تحقيق السلامة للمشاة على الطريق، وكيف نتيح للقطاع الخاص الفرصة للتعاون في حلها ومواجهتها.

على سبيل المثال: هناك طرق عامة مزدوجة تفصل بين اتجاهيها حواجز حديدية تمتد لمسافات طويلة، وصممت بحيث تتيح انسياب الطريق وتوحيد السرعات عليه دون عوائق وكان ذلك مقبولا في السنوات الماضية، ولكن بمضي الوقت والتوسع العمراني على جوانب الطرق في العديد من ولايات السلطنة أوجد مشكلة جديدة لم تكن في حسبان مخططي ومنفذي هذه الطرق العامة، وهي كيفية العبور عبر شطري الطريق لسكان هذه المناطق نظراً لأن الأماكن المخصصة لعبور المشاة محدودة العدد، وإن وجدت فعلى مسافات بعيدة تفصل بينها مئات الأمتار، ولهذا كثر تساقط الضحايا على هذه الطرق أثناء محاولتهم المخاطرة بعبور الطريق، أمام سيل السيارات المندفعة بسرعات كبيرة لا تمكن سائقيها من تفادي العابرين وإن حاولوا تعرضوا هم انفسهم لحوادث التدهور والتي أصبحت مادة متكررة في أخبار الصحف. وليس هناك بديل لحل هذه المشكلة وتحقيق سلامة المشاة من العابرين سوى عمل أنفاق تحت الأرض تربط بين جانبي الطريق أو إنشاء معابر فوق هذه الطرق تحقق سلامة أرواح الناس، وعمل الأنفاق الأرضية عملية باهظة التكاليف على موازنة الدولة، ولا يبقى أمام الجهة المعنية سوى إنشاء المعابر العلوية وهي وسيلة أقل تكلفة يمكن للقطاع الخاص التجاري والصناعي، وما أكثر نشاطه على امتداد طرقنا العامة وبدافع من الغيرة الوطنية والتعاون، أن يشترك في تمويل إنشائها فيحقق سلامة المواطنين ويضمن ألا يقف عبور الطريق عائقا امام وصولهم للمنشآت والمحال التجارية المتواجدة بجانبي الطريق بطريقة آمنة تحفظ أرواحهم .

وهذا المثال الذي نقدمه يمثل نموذجاً لما يمكن أن يسهم به القطاع الخاص من حلول بسيطة وعملية لحل مشكلة عبور المشاة وتأمين حياتهم والمشاركة في تأكيد السلامة المرورية فالمجالات متعددة تشمل إنشاء مواقف السيارات ومظلات انتظار المشاة وغيرها من الخدمات المرورية، المهم أن تتوحد المواقف بروح العمل الجماعي والتعاون لتحقيق التكامل بين جميع أفراد المجتمع وجميع فئاته وحتى تصبح أي شعارات نرفعها عمل محسوس وجهد واضح يمكن تأصيله كقاعدة عامة وسلوك دائم يحقق سلامة المشاة ويثبت بالفعل المادي المؤثر أنها مسؤولية الجميع.