المنوعات

الأذن ترى .. والعين تسمع

04 مايو 2017
04 مايو 2017

ماجدة الجندي -

هناك نوعية من الأعمال الفكرية والفنية، أشبه بالصناعة الثقيلة، أو لنقل إنها أقرب إلى الأعمال الاستراتيجية التي لا يفقدها الزمن، قيمتها، بل العكس، كلما عدت إليها، اكتشفت بها ما لم تدركه، لا في إطلالتك الأولى وربما الثانية، نستطيع أن نضع تحت هذا التوصيف روايات وأعمالا فكرية، وكذلك نوعية تنتمي إلى ما يمكن أن نطلق عليه أعمال التثقيف البصري، سواء كانت لوحات أو كتبا شارحة للفن.

كل ما سبق ينطبق علي المشروع الفني الفكري الذي أنجزه شيخ وزراء الثقافة العرب أو أحد كبار من خدموا هذه الثقافة وهو الراحل الكبير «الدكتور ثروت عكاشة»، الذي جعل: «الأذن ترى

والعين تسمع»، وهذه العبارة هي التي كانت عنوانا كبيرا، تتالت تحته إصدارات أرادها الدكتور ثروت عكاشة فتحا لمسام المتلقي العربي باتجاه صنوف الفنون بقوسها الإنساني الواسع، غربا وشرقا. كان حلم الدكتور ثروت عكاشة أن ينقل لنا ما عاشه وتشربه وامتلأت به روحه وفاض به عقله عبر عقود من التحصيل المعرفي المتعمق، من الفن المصري القديم حتى فنون عصر النهضة وفنون الصين وآسيا وتجليات الفن الإسلامي.

أجيالنا العربية الجديدة قد لا تعرف أن دكتور ثروت عكاشة الذي رحل قبل أعوام قريبة، قد ولد عام ١٩٢١ وتخرج في الكلية الحربية عام ١٩٣٩ ثم كلية أركان الحرب عام ١٩٤٨ وكان على رأس سلاح الفرسان وكان من ضباط ٢٣ يوليو لكنه الأبرز في تأسيس ركيزة الثقافة والعمل الثقافي في مصر حيث تولى وزارة الثقافة في مرحلتين (١٩٥٨-١٩٦٣) و(١٩٦٦-١٩٧٠)، لكنه آثر التفرغ لمشروعه الثقافي الحر وإعداد عمله الموسوعي للفنون «الأذن ترى.

والعين تسمع»، مستثمرا تواجده بالخارج كمستشار عسكري في برن ومدريد وباريس ثم سفيرا في روما ليجمع المادة العلمية للموسوعة من المتاحف ومراكز الفنون. أربعون عاما من التحصيل واكتناز الأعمال الفنية ليقدم خمسة وعشرين جزءا أو مجلدا.

25 مجلدا مصورا من الحجم الكبير، حيث الشروحات والمعلومات التي تجعل المتلقي على وعي بكل تفاصيل اللوحة أو الصورة، مدركا موقعا من الفترة الزمنية ومنابع التأثير والظروف الثقافية والاجتماعية وكل ما يتصل زمنيا ومجتمعيا باللوحة، حتى يمكن القول إن نصوصه تستنفر العقل بقدر ما العمل المصور يستنفر الوجدان.

يهتم دكتور عكاشة بشحذ البصيرة لدى متلقيه ليضمن تجاوبا يليق وهذا المحيط المعرفي، منبها إلى أن الوجدان بجناحيه، الروح والإحساس ومعهما العقل هم أدوات اكتشاف التجلي الإنساني.

على سبيل المثال موسوعته عن الفن الإسلامي تحوي أبوابا ستة تتابع جغرافيا وزمنيا ومن أبرز مفاتيحها ذلك التداخل ما بين تأثير التاريخ والموقع الجغرافي .. هناك عدة مدارس فنية ولكل منها خصوصيتها .. في الهند وأرض المغول تغلب الزخارف والإفراط في التذهيب، وفي فارس كانت هناك مدرسة عرفت باسم «نظرة الطائر»، وفي لمح أثر فارسيا ولكن بمضمون تركي .. وعلى الرغم من تعدد الشخصيات أو المدارس الفنية الإسلامية هناك انصهار ما بين الجزء الحضاري والمضمون الإسلامي .. ماذا كانت مصادر إلهام الفنان المسلم وكيف كانت مكانة الفنان نفسه؟، تلك أسئلة أجاب عنها العمل مستعرضا علامات الفن الإسلامي.

يتدرج دكتور عكاشة في تعريفنا بنشأة التصوير الإسلامي، من الأبيض والأسود حتى الألوان، ويشير إلى أن أقدم اللوحات موجودة على الجدران الداخلية لمسجد قبة الصخرة، ويخلط التاريخ والأدب والسياسة، فالقارئ يتعرف على المترجم حنين بن إسحاق في قصر الخليفة عندما يطلعنا على التصاوير العلمية الخاصة بالكتب، ثم يفند رسوم النبات والحيوان، ويفعل نفس الشيء وهو يشرح الشهنامة الفارسية ومقامات الحريري، صاحب المقامات الخمسين التي تغطي صنوفا من الأدب.

33 فصلا ملحقا بكم وفير من كنوز التصوير الإسلامي (حوالي ٤٨٥) لوحة، ملحق بها شروح تكشف كيف نفذت روح الفنان المسلم، وبنوع من الوجد والرؤية الثاقبة إلى الكون وخالقه سبحانه.