أفكار وآراء

مطرقة لأبواب واشنطن

03 مايو 2017
03 مايو 2017

مصباح قطب -

[email protected] -

وسط أجواء مختلفة يقوم وفد من أعضاء غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة بقيادة أنيس اكلمندوس رئيس الغرفة وعمر مهنا رئيس مجلس الأعمال المصري الأمريكي بزيارة واشنطن ومعهم وفد إعلامي مرافق، وذلك فيما يسمى بعثة طرق الأبواب، وهذه هي الزيارة الأربعون للبعثة غير أن المناخ المحيط بها يجعلها الأكثر إثارة وربما أهمية منذ أكثر من ربع قرن. فهناك إدارة أمريكية جديدة وتوجهات لا تزال غير واضحة حيال كل الملفات بما في ذلك تجاه الشرق الأوسط بل وحتى روسيا والصين وتركيا مع اعتقاد واسع في دوائر البحوث هنا بأن المقطوع به أن الإدارة الجديدة واضحة فقط فيما يتعلق بتوجهها القومي ومعاداتها لاتفاقيات التجارة الحرة والعولمة والمهاجرين وان كانت تتحول ببطء إلى منحى اكثر واقعية، وتأتي الزيارة أيضا وسط تفاؤل قوي وحذر في نفس الوقت بالعلاقات الاقتصادية والسياسية والأمنية بين مصر والولايات المتحدة بعد أن بات معلوما للجميع ان التفاهم بين الرئيسين السيسي وترامب شديد، ورغم كل ما قيل في إحدى جلسات الاستماع حول مصر بمجلس الشيوخ منذ عشره أيام سلبيا فإن الجميع هنا تقريبًا يتوقع استمرار المعونة الأمريكية العسكرية لمصر عند مستواها وحدوث خفض في المعونة الاقتصادية لمصر ليس بسبب سياسي ولكن لأن أمريكا قلصت بالعموم ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية ومعها مخصصات برامج المعونة الخارجية لكن يقابل ذلك اهتمام واسع بفرص النمو الاقتصادي والاستثمار في مصر من جانب مجتمع الأعمال الأمريكي، وتتوقع مصادر مطلعة هنا أن تحدث طفرة في مستويات إمداد مصر بما يلزم من معدات دفاعيه لازمة لمواجهة الإرهاب والإرهابيين في سيناء وليبيا، وبالتالي تحقيق مزيد من الاستقرار الأمني ما يترتب عليه تلقائيا من زيادة الاستثمار والنشاط الاقتصادي .وتتم زياره الوفد أيضا وسط ترحيب واسع هنا بزيارة بابا الفاتيكان لمصر وما جرى خلالها حيث تمت في وقت يزداد فيه اهتمام الإدارة والكونجرس بأوضاع المسيحيين في المنطقة وخاصة في سوريا والعراق وغيرها من المناطق التي تشهد عمليات إرهابية أو توترات طائفية أو حروب، ومن المعتاد أن يشارك في أعمال طرق الأبواب ممثلو شركات أمريكية تعمل في مصر لتوضح لمجتمع الأعمال هنا فرص الربح الموجودة في مصر التي تتطور بسرعة بعد إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي لإصلاح الاقتصاد المصري وهو البرنامج الذي ترافق معه القيام بإصلاحات وصفتها الدوائر الأمريكية ذاتها بالشجاعة والجريئة. وضمن جدول زيارات البعثة فإنها تزور كلا من البنك وصندوق النقد الدوليين للتعرف على تقييماتهما لأوضاع الاقتصاد المصري وآفاق تطوره وبالمصادفة فإن وفدا من الصندوق يزور مصر حاليا لمتابعة الالتزام ببرنامج الإصلاح تمهيدًا لصرف الشريحة الثانية من قرض الصندوق البالغ 12 مليار دولار. والغريب انه تم منذ يومين وخلال زيارة البعثة قيام وزارة الخارجية الأمريكية بتحذير مواطنيها بزيارة أوروبا مخافة حدوث عمليات إرهابية هناك وكما نعلم فان الإدارة الأمريكية ذاتها كانت قد أعلنت وبكل وضوح منذ شهر أن مصر بلد آمن للسائحين الأمريكان ولا تعليق فالقارئ يدرك بنفسه قوة المفارقة. وقد تحدث أمريكيون في أكثر من محفل عن صعوبات المعيشة على المصريين في ظل ارتفاعات الأسعار الكبيرة وخاصة بعد تحرير سعر الصرف وانه يتعين بذل جهود أكبر لتعزيز الحماية الاجتماعية حتى يواصل المجتمع تبنيه للإصلاح وتعزيزه دون توترات اجتماعية قد تسبب تراجعًا غير مطلوب. وقد رد على ذلك كل من انيس اكلمندوس وعمر مهنا اللذين يقودان البعثة بان أوضحا أن ارتفاع الأسعار هو نتيجة طبيعية في بداية الإصلاحات وانه وفقا للخبرة الدولية فإن المضي الجاد في الإصلاحات يقود إلى تراجع مستويات الفائدة والتضخم والصرف مع زيادة الصادرات وتقليل الواردات وازدهار الإنتاج المحلي وانخفاص البطالة وأضاف: إن جمهورًا أوسع في مصر يدرك ذلك يوما بعد آخر ومن هنا احتمال المصريين لتبعات الإصلاحات فضلا عن ان القيادة المصرية فضلت المكاشفة والمصارحة طوال الوقت ما زاد من مستويات الثقة المتبادلة والشعور بان ما يجرى سيقود في النهاية إلى تحقيق طموحات المصريين في العيش الكريم. والطريف ان شعورنا نحن أعضاء الوفد الإعلامي المصاحب بأثر الإصلاح في مصر كان مباشرا، فقد جرت

العادة ان نستغل الفترات البينية في البرنامج المزدحمة باللقاءات لزياره المتاجر الكبيرة لشراء بعض الهدايا ودونما أي اتفاق بيننا فإن مشترياتنا قد قلت الى حد كبير مقارنة بالأعوام السابقة ذلك أن كلا منا كان يترجم سعر أي سلعة أوتوماتيكيا إلى جنيهات مصرية في ضوء تحرير سعر الصرف قبل أن يقرر الشراء او عدم الشراء، وفي مرات متعددة فإن القرار كان أن المنتج المصري أفضل. لا يقتصر عمل البعثة على المقابلات فقط، فالفريق الإداري الممتاز للغرفة الأمريكية بالقاهرة يقوم بعمل ضخم لإنجاح الزيارة حيث يعد فيديوهات ونشرات وبيانات مدققة عن الاقتصاد المصري كليا وقطاعيا لتقديمها للأمريكيين فضلًا عن إبراز نجوم مصر في الفن والرياضة والفكر والطب والعلم الذين حققوا مراكز دولية في العام الأخير بما يوضح قوة مصر الناعمة بشكل مباشر وراق. وتنتهى الزيارة عاده بلقاء يشارك فيه كل من أنيس اكلمندوس وعمر مهنا مع الوفد الصحفي المرافق لعرض أهم ما خلصت إليه اللقاءات وأهم نتائج الزيارة والدروس المستفادة. ويبقى أن أشير إلى أن الاشتراك في البعثة هو قرار شخصي وعلى نفقة صاحبه وان ميثاق البعثة غير المكتوب ينص على انه يمتنع على العضو الخوض في أي عمل خاص خلال وقت عمل البعثة. وأخيرا فإنه إذا كان قد قيل سياسيًا إن ثمة دليلًا على أن صفقة للقرن قد يتم إبرامها قريبًا فيما يخص المنطقة والولايات المتحدة الأمريكية فإن ما لا يقل أثرًا أن تحولًا كبيرًا في العلاقات الاقتصادية بين مصر والعالم العربي عموما وبين أمريكا بصدد أن يحدث. هناك ما يشبه الإجماع على أن مصر ستنطلق والخلاف هو فقط حول المدى الزمني الذي ستستعيد فيه دورها الخلاق في قيادة المنطقة اقتصاديا وثقافيا وسياسيا، بول سالم مثلا يقول إن المدى طويل ويلزمه إصرار مستمر، وجهاد الخازن يرى أن هي إلا سنوات قلائل ويتحقق ذلك.