إشراقات

الصلاة ... الصلاة تلك هي الوصية

27 أبريل 2017
27 أبريل 2017

فوزي بن يونس بن حديد -

[email protected] -

نعيش هذه الأيام أجواء ذكرى عظيمة على نفوسنا جميعا، ذكرى الإسراء والمعراج التي أرادها الله عز وجل لتكون مخرجا للحالة التي وصل عليها الرسول صلى الله عليه وسلم من شدة الحزن على فقد من كان سنده في الدنيا زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها وعمه أبو طالب اللذان كانا الركن الركين للرسول عليه الصلاة والسلام في أشد أزماته، حيث كانت خديجة الزوج الرضية ذات الطلعة البهية والمرأة الزكية والذكية، استطاعت بفضل الله عز وجل وحبّها للرسول صلى الله عليه وسلم أن تكتب في التاريخ نبضات قلب زوج منحت قلبها للرسول صلى الله عليه وسلم فخدمته بكل ما تملك من قوة، وكانت سببا في سعادته فهي الزوج الوحيدة التي دخلت معه في تجارة، وهي الوحيدة التي أنجبت منه أطفالا، وهي الوحيدة التي شهدت معه بداية نزول الوحي، وهي المؤمنة التقية الورعة الرضية الربانية التي كانت تساند الرسول صلى الله عليه وسلم حينما رأته على تلك الحالة وهي تهدئه وتطمئنه أن الله معه ولن يخذله لما رأت فيه من صدق وإخلاص في تعامله مع الآخرين، فكانت بحق السند الحقيقي له في تلك المرحلة العصيبة.

أما عمه أبو طالب فقد كان المدافع عنه أمام عنجهية وكبرياء كبار قريش الذين يحاولون النيل من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن جسده الشريف ولعل مقولته التاريخية لعمه «والله يا عمّ لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته أبدا أو أهلك دونه» كلمات هزت عمّه وأيقظت فيه الإحساس بأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم حقٌّ من الله، وقتها كان الرد مفحما للمشركين الذين كانوا ينتظرون تحولا وتغيرا في موقف الرسول صلى الله عليه وسلم بعد تدخل عمه وزاد الأمر يقينا حينما عبّر أبو طالب أنه سيقف إلى جانب الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في مثل هذه المواقف التي تسعى للنيل منه وهو موقف مشهود له، وقد عبر عنه النبي عليه الصلاة والسلام حينما قال لعمه قل لا إله الا الله وأنا أضمن لك الجنة.

هذا الحدث المؤلم وهذا الفقد الكبير كان له الأثر العظيم في نفس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فجاءت حادثة الإسراء والمعراج لتغير موازين الحياة في مكة المكرمة، فبين يوم وليلة أصبحت مكة تضجّ بالحديث عن رحلة النبي عليه الصلاة والسلام المكوكية التي نقلته من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي يبعد آلاف الكيلومترات في ليلة واحدة، أمرٌ لا يقبله العقل البشري المحدود، فكيف برجل عادي لا يملك من الأدوات والتقنيات شيئا أن ينتقل بهذه السرعة الهائلة بين المسجدين ويصلي بالأنبياء في القدس الشريف، ويعرج به إلى السماوات العلا ليرى من آيات الكبرى، ووصل إلى سدرة المنتهى، ليتلقى أوامر من ربه عز وجل بإقامة الصلاة وتبليغ ذلك لأمته، ثم يرجع في ليلته إلى بيته قبل مطلع الفجر؟ أمر يدعو لا شك إلى الحيرة والشك، ولكن اليقين بالله العظيم والإيمان بأنه قادر على كل شيء وفي أي وقت شاء ودون إعانة من أحد هو الذي جعل أبا بكر الصديق رضي الله عنه يصدح بالحق ويقول: أصدّقه بخبر يأتيه من السماء، فكيف لا أصدقه بما أتى، قال ذلك حينما هرع إليه كفار قريش وبعض المسلمين الضعفاء لينقلوا له الخبر وما به أتى، من ربه جلّ وعلا.

وبهذه الحادثة تغيّرت ملامح النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وأحدثت في نفسه تحوّلا، فرحة بلقاء عظيم تم في هذه الرحلة الأرضية السماوية حيث لم يكن أحد يحلم بها، وبغض النظر عن تفاصيلها والخلاف الذي حصل في دقائقها، فإننا نؤمن أن الرحلة وقعت، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم انتقل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى وصلى بالأنبياء، ثم عرج به إلى السماوات العلا ورأى من آيات ربه الكبرى، نؤمن بذلك يقينا للآيات التي ذكرت في هذا الشأن في سورتي النجم والإسراء، وما ورد عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديثه الشريفة وما روي عن صحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، كما نؤمن بأن قدرة الله فائقة لا تحدّها حدود ولا تقف في وجهها صدود، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير. ومع ذلك هناك من يشكك في تفاصيل هذه الحادثة من أبناء المسلمين، وهناك من لا يصدق هذه الحادثة من أساسها رغم الآيات البينات والدلائل والقرائن التي تؤيد هذا الحدث العظيم في تاريخ الأمة الإسلامية.

ولا شك أن العبر والدروس التي يستفيد منها أبناء الأمة من هذه الحادثة كثيرة ومتنوعة، وينبغي على المسلمين أن لا يمرّوا عليها مرور الكرام، بل أن يقفوا وقفة تأمل واعتبار، وفي كل مرة يستذكرون عظمة المولى عز وجل، بل يفعلون ذلك كل يوم خمس مرات، حينما يقفون بين يدي الله عز وجل وهم يؤدون هذه الصلوات، التي فرضت في رحلة المعراج شرفا لها وتعظيما لشأنها، فهي الفريضة الأولى التي نالت هذا الشرف العظيم، وهي الفريضة الأولى التي يفتتح بها المسلم حياته في رحلته مع الإسلام وبعد دخوله مرحلة التكليف ونطقه الشهادتين، فهذه الحادثة لا نحتفل بها سنويا، إنما نتذكرها يوميا ونحن نؤديها ونقيمها بركعاتها وشروطها وأركانها وسجداتها وكل حركاتها، لأن الله تبارك وتعالى أراد لهذه الأمة أن تتميّز، وتميّزُها كان بأدائها الصلاة على هذا المنوال، لتتحقق من خلالها المناجاة الحقيقية بين العبد وربه دون واسطة ولا حجاب، لقاء مباشر يختار توقيته الإنسان بنفسه وينهيه بنفسه في أي وقت شاء. فهذه الدقائق المعدودة التي يحبس فيها المسلم نفسه مع الله، إذا أتقن صنعها كانت كفيلة بأن تحول حياته من كآبة إلى سعادة أبدية، وإذا ضيّعها أو نقرها فلن تغير من مسار حياته شيئا. وحينما نتحدث عن الصلاة، إنما نتحدث عن ركن من أركان الإسلام، قال فيه رسولنا الكريم، «إذا صلحت صلح العمل كله وإذا فسدت فسد العمل كله» وقال فيه ربنا العزيز « إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا» وقال «وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» وقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أيضا: «من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعدا» وغيرها من الآيات والمرويات عن الرسول صلى الله عليه وسلم بطرق كثيرة ومتعددة تبين كلها أن الصلاة هي عمود الدين وأساسه، فمن أقامها على الطريقة الصحيحة وقبلها منه المولى كانت له زينة يفتخر بها يوم القيامة ومن أدّاها كيفما أراد وعلى الطريقة السريعة دون خشوع ولا إتقان كانت عليه شاهدة أمام ربه سبحانه وتعالى.

ونستغرب فعلا حينما نرى مصلين يعبثون في صلاتهم، بحركاتهم والتفاتاتهم وانشغالهم بلباسهم أو محتوياتهم أو بهواتفهم على حساب هذه الفريضة، فيأتي للصلاة متأخرا عن وقتها ويتعمد ذلك ويبرّر بضيق الوقت والعمل والشغل، وينقر ما تبقى منها خلف الإمام، ثم ينهي اللقاء مع ربه دون مناجاة ولا دعاء، فهل يعقل أن يصرف نفسه في لقائه مع العبد أو يستقبله دون ترحيب؟ فهو يستحي من العبد أن يفعل ذلك خوفا من أن يتهمه باللامبالاة أو يغضب منه، فكيف لا يستحي مع الخالق العظيم وهو يؤدي هذه الفريضة العظيمة التي فرضت من السماء وفي السماء، كيف لا يناجي ربه في خشوع وأدب؟ كيف لا يجلس بعد التسليم وينهي اللقاء بأدب؟ كيف لا تخشع جوارحه كلها وينتفض خوفا ورهبا من الذي سخر له السماوات والأرض؟ كيف لا يثني ركبه ولا يخضع جبهته خشوعا ورضوخا وخضوعا واستسلاما للواحد القهار؟ ما الذي يشغله عن الله؟ هل المال أم العمل أم الولد؟.

يجب علينا نحن المسلمون أن نتأدب مع الله، وأن نعرف معنى الخشوع الذي يضفي على النفس راحة واطمئنانا، وأن نمنح أنفسنا حق البقاء مع الله وطلب المغفرة والغفران، فالصلاة كانت وصية الرسول صلى الله عليه وسلم الأخيرة وهو على فراش الموت، الصلاة.. الصلاة، إنها الفرض والواجب الذي ينبغي للمسلمين أن يعطوه الأهمية ويمنحوه من الوقت والتركيز ما يهيئهم لمقابلة الخالق عز وجل وهم على أحسن هيئة، وقلوبهم طاهرة نقيّة وأبدانهم نظيفة بهيّة، ونفوسهم مقبلة زكيّة.