أفكار وآراء

الانتخابات البريطانية المبكرة .. و«البريكست»

26 أبريل 2017
26 أبريل 2017

عبدالعزيز محمود -

بموافقة مجلس العموم البريطاني بالأغلبية قبل أسبوع على اقتراح تيريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية بإجراء انتخابات عامة مبكرة في يونيو القادم، فإنه يتم عادة حل المجلس تمهيدا لإجراء الانتخابات في 8 يونيو المقبل لتشكيل البرلمان الـ57 للمملكة المتحدة.

وتأتي هذه الانتخابات قبل موعدها بثلاث سنوات (كان مقررا إجراؤها في 7 مايو 2020)، لكن رئيسة الوزراء البريطانية رأت أنها في حاجة إلى دعم الشعب البريطاني لمفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي الذي يضم 28 دولة حاليا، في ظل جدل تشهده المملكة المتحدة حول «البريكست» وكيفيته وما يمكن أن يترتب عليه من نتائج وآثار بالنسبة لبريطانيا، في الحاضر والمستقبل أيضا.

ويبدو أن رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي أرادت الحصول على تفويض جديد وقوي كذلك من البريطانيين، للحكومة التي ستخوض مفاوضات «البريكست»، نظرًا لأهميتها، وهي عملية لا ينتظر اكتمالها قبل نهاية مارس 2019، وقد تستغرق وقتا أطول، إذا تطلبت الضرورة ذلك.

وقد رحب حزبا العمال، والليبراليين الديمقراطيين، وهما أكبر أحزاب المعارضة البريطانية بإجراء انتخابات مبكرة، وامتنع الحزب القومي الإسكتلندي عن التصويت، واصفا ما يحدث بأنه محاولة من حزب المحافظين لنقل بريطانيا إلى أقصى اليمين على حد قوله.

ووصف نواب في المعارضة الانتخابات بأنها محاولة لقطع الطريق علي عريضة وقعها أكثر من مليونين ونصف المليون شخص لإجراء استفتاء آخر على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، وهي عريضة كان يتعين على مجلس العموم مناقشتها في وقت لاحق.

ويرى البعض أن رئيسة الوزراء ماي تحاول كسب مزيدا من الوقت، قبل الدخول في مفاوضات «البريكست»، وربما مدعومة بنتائج اكبر وأشد قوة برغم أن الاستفتاء الذي أجري في يونيو 2016، والذي شارك فيه 71.8% من إجمالي الناخبين، قد أكد موافقة 51.89% على الخروج ومعارضة 48.11% وهو في النهاية انتصار وفق الأسس الديمقراطية وبهامش ليس كبيرا ولكن ذلك لا يقلل منه، فهذه هي إرادة الناخبين البريطانيين في النهاية.

وتوضح نتيجة الاستفتاء تلك أن غالبية البريطانيين يدعمون «البريكست»، في ظل مخاوف من تدفق المهاجرين واللاجئين، وارتفاع معدلات البطالة، والأهم رغبة في أن تستعيد بريطانيا (سادس اقتصاد عالمي) سيطرتها علي مقدراتها، بدلا من الخضوع لسيطرة دول منطقة اليورو الـ19 الذين يتحكمون في القرار الأوروبي، بشكل أو بآخر، وإن كانت بريطانيا تتمتع بمزايا عدة منحها لها الاتحاد الأوروبي.

كما عكست النتيجة إحساسا بريطانيا بالتفرد، فالمملكة المتحدة قوة نووية ولها نفوذ اقتصادي وسياسي وعسكري عالمي، ويحتل جيشها المركز الخامس دوليا، وهو ما يفسر رفض الانضمام لمنطقة اليورو، أو اعتماد العملة الأوروبية الموحدة، أو الدخول في منطقة «الشنجن» (منطقة الحدود المفتوحة بين دول أوروبا)، كما يفسر مخاوف بريطانيا من موجة الهجرة المتزايدة من أوروبا الشرقية إليها، والتي تزايدت مؤخرا، وهو ما أوجد رغبة في الخروج من الاتحاد لاستعادة استقلاليتها.

ووسط جدل سياسي وشعبي حول «البريكست» أصدرت المحكمة البريطانية العليا قرارا يلزم الحكومة بالحصول على موافقة البرلمان قبل الشروع في مفاوضات الخروج من الاتحاد، ووافق المجلس في فبراير الماضي على مشروع قانون يعطي الحكومة الحق في وضع خطط مفاوضات الخروج تلك.

وفي نهاية مارس الماضي أرسلت الحكومة البريطانية خطابا للمجلس الأوروبي تطالب فيه بتفعيل المادة 50 من معاهدة لشبونة، (وقعها قادة الاتحاد الأوروبي في عام 2007 لتحل محل الدستور الأوروبي)، وكان هذا الخطاب بمثابة إعلان عن أن بريطانيا سوف تغادر الاتحاد بشكل كامل خلال مدة لا تتجاوز عامين من تاريخ هذا الإخطار.

وفي تطور لاحق وافق مجلس العموم البريطاني بالأغلبية على اقتراح رئيسة الوزراء بإجراء انتخابات مبكرة، في وقت يتمتع فيه حزب المحافظين بشعبية كبيرة، مما يعني أن الانتخابات سوف تعزز على الأرجح وضعيته داخل البرلمان، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن حزب المحافظين قد يتمكن من رفع تمثيله في البرلمان من 330 نائبا في المجلس الأخير إلى 375 نائبا تقريبا بعد الانتخابات القادمة، بينما قد ينخفض تمثيل حزب العمال من 229 نائبا إلى 189 نائبا، كما يتوقع أن يتحسن التمثيل البرلماني للحزب القومي الإسكتلندي (الحزب الثالث في مجلس العموم وله 54 نائبا)، والليبراليين الديمقراطيين (الحزب الرابع 9 نواب) وأيضا الحزب الويلزي والاستقلال والخضر.

ويسمح القانون لجميع مواطني المملكة المتحدة التي تضم (إنجلترا واسكتلندا وويلز وأيرلندا الشمالية) الذين تجاوزوا 18 سنة أن يدلوا واصباتهم في الانتخابات، لاختيار أعضاء مجلس العموم الذي يتشكل من 650 عضوا يمثلون 650 دائرة انتخابية، منها 533 دائرة في إنجلترا و59 في اسكتلندا و40 في ويلز و188 في أيرلندا الشمالية.

ويخوض الانتخابات المقبلة سبعة أحزاب رئيسية في بريطانيا العظمى هي المحافظين والعمال والحزب القومي الإسكتلندي والليبراليين الديمقراطيين والحزب الويلزي وحزب الاستقلال وحزب الخضر إلى جانب أحزاب صغرى كالائتلاف الانتخابي للأحزاب الاشتراكية وحزب الاحترام والحزب الوطني البريطاني، بالإضافة إلى المستقلين.

وفي أيرلندا الشمالية يخوض الانتخابات 5 أحزاب رئيسية هي الديمقراطي الاتحادي وشين فين والحزب الديمقراطي الاجتماعي والعمل (الرابع في انتخابات البرلمان الأوروبي عام 2014)، وحزب يونيستر الاتحادي وحزب التحالف.

وتحاول أحزاب المعارضة في الوقت الراهن تشكيل تحالف يضم الخضر والليبراليين الديمقراطيين والعمال والحزب القومي الإسكتلندي للحيلولة دون تشكيل حكومة أغلبية من حزب المحافظين، ووضع شروط أفضل لـ«البريكست»، لكن الاقتراح لا يجد قبولا حتى الآن من حزب العمال، رغم رفضه خطط المحافظين للخروج، ودعوته لعلاقة جديدة مع الاتحاد الأوروبي تقوم على الشراكة بدلا من العضوية.

من جانب آخر يهدد الحزب القومي الإسكتلندي بإجراء استفتاء ثان في اسكتلندا على الاستقلال عن المملكة المتحدة، اعتراضا على الخروج من الاتحاد، لكن تيريزا ماي رئيسة الوزراء تهدد في المقابل باستخدام حق النقض ضد أي استفتاء على الاستقلال، قبل انتهاء مفاوضات الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وهكذا تستعد بريطانيا لإجراء انتخابات مبكرة، سوف تكون «البريكست» هي القضية الأبرز فيها، وسط جدل سياسي وشعبي لن يتوقف، حتى إعلان النتيجة في 9 يونيو المقبل، واختيار الملكة لزعيم الحزب أو الائتلاف الذي يحصل على الأغلبية، ليصبح رئيس الوزراء المقبل.

وتحاول بريطانيا إتمام عملية «البريكست» بشكل منظم وبأقل خسائر ممكنة، وبأفضل طريقة تضمن المكاسب الاقتصادية، وسط توقعات بأن تقتدي بالنموذج السويسري، بالتفاوض مع الاتحاد على اتفاقيات تجارية، أو النموذج النرويجي، بما يضمن انضمامها للمنطقة الاقتصادية الأوروبية، أو بالنموذج التركي، بأن تبرم اتفاقات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي.

وربما تسعى بريطانيا للتفاوض وفق شروط خاصة بها، في ظل خيارات مطروحة من بينها القبول باتفاق انتقالي حتى عام 2022 يسمح باستمرار حرية التنقل وصلاحية السلطات القضائية لمحكمة العدل الأوروبية، وفي المقابل سوف يحاول الاتحاد الأوروبي رفع كُلفة خروج بريطانيا من الاتحاد، حتى لا تفكر دولة أخرى مستقبلا أن تحذو حذوها، وفور انتهاء المفاوضات لن يتم الخروج رسميا حتى توافق الدول الأعضاء الـ27 في الاتحاد على الاتفاق، وأيضا البرلمان البريطاني والمجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي.

إلا أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيفقدها بالطبع كل امتيازات العضوية وأهمها حرية دخول السلع والخدمات دون تعرفة جمركية، وأيضا اتفاقيات التجارة الحرة مع 53 دولة، كما ستقل حصيلة الضرائب وفق تقديرات وزارة الخزانة البريطانية بنحو 36 مليار جنيه استرليني، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 6.6% بحلول عام 2030،

على أن الخروج يمكن أن يدعم حركات الاستقلال بما يهدد بانفصال اسكتلندا، وعودة الخلاف مع إسبانيا حول منطقة جبل طارق، وهو ما بدأ بالفعل مؤخرا، وهو ما تحاول الحكومة البريطانية مدعومة بالقصر الملكي وضع الخطط اللازمة لمواجهته.

على الصعيد الأوروبي سوف يؤدي خروج بريطانيا لفقدان أحلام الفيدرالية الأوروبية والجيش الأوروبي الموحد جاذبيتها، مما يرسخ فكرة هشاشة المشروع السياسي للاتحاد الأوروبي، وقد يدفع دولا أخرى في الاتحاد لتقليد النموذج البريطاني، برغم أن الاتحاد حاول في الأشهر الأخيرة العمل على زيادة تماسكه، والحفاظ على صورته والحيلولة دون اهتزازها بقدر الإمكان، وهو ما حدث على سبيل المثال في قمة روما لدول الاتحاد بمناسبة مرور ستين عاما على اتفاقية روما عام 1957. ومع ذلك فإن الاتحاد الأوروبي مقبل على أيام صعبة، قد تدفعه لإجراء مزيد من الإصلاحات، أو مواجهة مشكلات مختلفة. وفي المملكة المتحدة يبدأ العد التنازلي لانتخابات 8 يونيو المقبل، وسط توقعات بأن يحقق حزب المحافظين أغلبية مريحة، تمكنه من إجراء مفاوضات «البريكست» بقدر اقل من الضغوط، بينما تحاول أحزاب المعارضة تحقيق مكاسب انتخابية تمكنها من فرض شروطها على عملية الخروج من الاتحاد الأوروبي. والكلمة الأخيرة للناخب البريطاني.