أفكار وآراء

ترامب.. عودة إلى السياسة الخارجية التقليدية

24 أبريل 2017
24 أبريل 2017

ديفيد إجنيشس -

واشنطن بوست -

ترجمة قاسم مكي -

كانت سياسة إدارة ترامب الخارجية خلال أول ثلاثة أشهر لها في الحكم مشهد من رسائل متناقضة واستدارات في المواقف تصيب الناظر إليه بالدوار. ولكن أثناء الاختبارات الحاسمة التي جرت أوائل الشهر الجاري، اتخذ الرئيس ترامب قرارات جيدة بشأن سوريا وروسيا والصين، دافعا بذلك بعض الشيء إدارته التائهة نحو المبادئ الأساسية للسياسة التقليدية للولايات المتحدة في الخارج.

وذكر أحد كبار المسؤولين أن قرار ضرب القاعدة الجوية السورية كان عامل بناء للثقة في «بيت أبيض» يفتقر إلى الخبرة ومنفلت أحيانا. لم يكن ترامب متأكدا، حين شن الهجوم، من أن مواطنا روسيا لن يقتل فيه أو أن حادثة لم تكن في الحسبان لن تقع. لقد تميز الخيار العسكري الذي اتخذه بفضيلتين. فهو كان سريعا بحيث فاجأ الروس الذين لم يتوقعوا مثل هذا الرد الفوري. كما كان موزونا إذ بعث برسالة محددة بدقة، ولم يكن تدخلا عسكريا مفتوحا. لقد اشتهر عن ترامب أنه يحب الفوز وربما يمكنه الادعاء بأنه انتصر بعد أسابيع من الانتكاسات الفوضوية التي تعرض لها. وكنتيجة لذلك فقد عززت عملية سوريا التي قوبلت عموما بالاستحسان في الداخل والخارج من نفوذ الفريق الأساسي الذي يتولى شؤون سياسته الخارجية بطرائق قد تغير من التوازن السياسي للبيت الأبيض في ظل إدارته.

لقد أجمع كبار المسؤولين الجمهوريين والديمقراطيين السابقين الذين تحدثت إليهم على أن مستشار الأمن القومي مكماستر أدار عملية تنسيق محكمة بين الجهات الحكومية المعنية وأن وزير الدفاع جيم ماتيس قدَّم للرئيس خيارات واضحة ويسهل التعامل معها. كما ابتعد ترامب عموما عن استخدام تويتر مما شجع أعضاء فريقه على إنجاز المهمة بدلا عن التشويش عليهم. ربما أن أوضح المستفيدين هو وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي وجد أخيرا صوته بعد بداية بطيئة ومرهقة. فمن الجلي أن تيلرسون كسب ثقة ترامب وعقد تحالفا مع من يحرك الأمور خلف الكواليس في البيت الأبيض وهو جاريد كوشنر، مستشار ترامب وزوج ابنته. أما ستيف بانون فقد «قلبوا له ظهر المجن» وهو الذي حاول أن يكون المخطط الأساسي لترامب ولكنه وصم الآن من بعض المقربين لترامب بأنه شخصية مثيرة للخلاف وتسعى للترويج لنفسها. وقالوا إن أيامه صارت معدودة. وما بدا أنه أغضب ترامب ومقربيه محاولة بانون وهو«الشخص الذي التحق بهم قبل 72 يوما من الانتخابات» أن تكون له اليد الطولي، حسبما ذكر أحد معاونيه والذي أضاف قائلا «الناس ضجروا من ألاعيبه.» كما مال ترامب نحو الصين مبتعدا عن روسيا في لعبة ثلاثية البلدان لعبتها هذه الإدارة على نحو مماثل جدا لما سبق أن فعله هنري كيسنجر وزير الخارجية الأسبق وأستاذ كوشنر الآن، كما يبدو.

تجيء هذه المراجعة في السياسة الخارجية عكسا لما بدا أن ترامب يفضله في أثناء الحملة الانتخابية حين كان يهاجم الصين ويتودد إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في كل فرصة ممكنة. ولكنها مسار أكثر معقولية واستدامة. يقول توم دونيلون، مستشار الأمن القومي للرئيس السابق باراك أوباما، إنه يساند بشدة الضربة في سوريا. ولكنه ينوه بأنه فيما يخص «روسيا والصين وسوريا كان هنالك ما يشبه أن يكون تغيرات فجائية وعنيفة تقريبا في السياسات.» لقد كانت المناورة الأشد صعوبة في أوائل الشهر الجاري هي قصف سوريا، وفي نفس الوقت الاجتماع بالرئيس الصيني شي جينبينج. وما حدث أن ترامب تحول 180 درجة في سياسته نحو الصين.

فبعد تحديه لمرتكزات العلاقة (بين البلدين) قبل توليه الحكم عاد الآن إلى لغة التعاون الكيسنجرية. ويقول المسئولون أن هدف القمة كان أن يتعرف «الرجلان الكبيران»، كما يصفان نفسيهما ، كل منهما على الآخر. لقد أنفقا ما يقرب من 4 ساعات في حوار مباشر شرحا فيه الكيفية التي ينظران بها إلى قضايا مثل كوريا الشمالية والتجارة الدولية. وتحدث البيت الأبيض عن المحادثة التي جرت بين الرئيسين والتي أطرى فيها ترامب الرئيس الصيني على نحو ينطوي على قدح حين قال «لقد تحاورنا لفترة طويلة. وحتى الآن لم أحصل على شيء(منه). لم أحصل على أي شىء إطلاقا.»

لقد حير أسلوب ترامب العفوي والذي لايمكن التنبؤ به الصينيين الذين يحبون التخطيط لكل جزئية. ولكن المسؤولين يقولون أن رضا الصينيين بشكل عام (عن المحادثات) عكسه خلو بيان أصدروه عقب القمة من النقد. ومن جهة أخرى، تولى تيلرسون نقل رسالة ترامب إلى موسكو في زيارته لها مؤخرا. وأبلغ كبار المسؤولين الروس بأن تحالفهم مع الرئيس السوري بشار الأسد خاسر وأن الولايات المتحدة ستعمل مع موسكو على ترتيب انتقال سياسي لاستبدال الأسد بشخصية أخرى مقبولة لروسيا. ويشرح أحد المسؤولين ذلك بقوله «نريد منهم أن يختاروا. فنحن يمكننا أن نعمل معا أو ضد بعضنا البعض.»

ويشعر فريق ترامب أن الولايات المتحدة، بعد الغارة الجوية الأخيرة في سوريا عقب استخدامها الأسلحة الكيماوية، استعادت المبادرة الاستراتيجية من بوتين. ويقول أحد كبار المسؤولين إن الروس في وضع دفاعي بعد أن فاجأهم ترامب. إن التصدي لبوتين هدف معقول وإن يكن مستبعدا بالنسبة لترامب. ويقول وزير الدفاع السابق بوب جيتس هناك وجاهة في جعل روسيا تفقد توازنها سياسيا. ولكنه يحذر من أن ذلك ينطوي على مخاطرة بالغة بالنظر لعدم إمكان التنبؤ بما يمكن أن تفعله عسكريا حين تكون قواتها طرف مباشر (في الصراع.)