أفكار وآراء

الرعب النووي يسيطر على العالم

24 أبريل 2017
24 أبريل 2017

إميل أمين  -

كاتب مصري -

[email protected] -

هل بات العالم يعيش بالفعل مخاوف جدية من حدوث صدام نووي بين القوى العظمى التي تمتلك قدرًا كبيرًا من الرؤوس النووية والكفيلة بإبادة العالم عدة مرات لا مرة واحدة؟

الشاهد أنه في أعقاب نهاية الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي، ومع أوائل تسعينات القرن المنصرم، خيل للناظر للمشهد الدولي أن شبح المواجهات النووية قد تراجع بعيدًا جدًا عن العالم، بل إن الأمريكيين ساعدوا الروس في تفكيك بعض من أسلحتهم النووية، وفي المقابل خفضت واشنطن أيضًا من عدد الرؤوس النووية التي تمتلكها، مما أعطى انطباعًا بأن الحرب النووية قد أصبحت حديثًا من الماضي... ما الذي جرى إذن في الأعوام الأخيرة وجعل الرعب النووي يسيطر على العالم من جديد؟

هناك في واقع الحال مفارقة غريبة، فقد اعتقد المراقبون لمشهد العلاقات الأمريكية - الروسية، أنه سيتحسن بصورة كبيرة جدا غداة وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، وذلك بسبب رؤيته الإيجابية للزعيم الروسي فلاديمير بوتين واعتباره قائدًا متميزًا.

غير أن الأمور سارت على نحو مغاير للتوقعات، وكانت الضربة الأمريكية الأخيرة لسوريا، مدعاة للحديث عن احتمالات الصدام، وأحيت من جديد المخاوف المهلكة للزرع والضرع.

في الأيام القليلة الماضية تحدث ويليام بيري وزير الدفاع الأمريكي في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون لشبكة CNN الإخبارية الأمريكية، وقد كان حديثه مقلقًا للقاصي و للداني... ما الذي قاله «بيري»؟

الثابت أنه اعتبر أن احتمال وقوع كارثة نووية عالمية هو أكثر الآن من أي وقت مضى، بل إن محفزات الصراع النووي حول العالم، تتجاوز فترة الحرب الباردة بين الكتلتين الشرقية والغربية، وأيضا أزمة الصواريخ الكوبية.

يؤكد بيري على أن الأسلحة النووية حول العالم اليوم تتجاوز خمسة عشر ألفًا من الرؤوس المحمولة جوًا وبحرًا وصاروخيًا وأنها تكفي كما أسلفنا لتدمير الكوكب بأكمله.

هل كانت عملية إطلاق الصواريخ الأمريكية من قطع بحرية عسكرية أمريكية على مطار الشعيرات إيذانا بالخطر الأمريكي الوارد حدوثه في أي لحظة؟

يخبرنا «بروس بلاير» ضابط إطلاق الصواريخ السابق في الجيش الأمريكي، بأن دونالد ترامب هو الوحيد الذي بإمكانه أن يقرر وبصورة منفردة إطلاق آلاف الأسلحة النووية خلال دقائق وعبر مكالمة هاتفية بسيطة.. هل لهذا قدم العلماء مؤخرًا ساعة القيامة الرمزية؟

الحديث عن تلك الساعة جرت به المقادير بعد الحرب العالمية الثانية، ويؤشر إما لاقتراب أو لابتعاد العالم من المواجهة النووية، فقد جاءت أوقات كما في الأزمة الكوبية في ستينات القرن الماضي اقتربت فيها عقارب الساعة من لحظة الخطر، وفي مرات أخرى كما في نهاية زمن الاتحاد السوفييتي السابق تراجعت عقارب الساعة عن ساعة الصفر.

مؤخرًا تحرك عقرب الساعة المعروف بساعة القيامة إلى ما نحو 2.5 دقيقة قبل منتصف الليل، مما يعني أن العالم أصبح أقرب بكثير إلى حافة وقوع كارثة نووية مما كان في عام 1953 بعد أن اختبرت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي القنابل الهيدروجينية، وتقول نشرة علماء الذرة، التي اخترعت هذه الساعة في عام 1947 إن الرئيس ترامب هو السبب الرئيسي لهذا التطور المثير للقلق.

هل ترامب هو سبب للقلق النووي؟

في أحد تصريحاته المثيرة للخوف في شهر ديسمبر الماضي قال الرئيس المنتخب وقتها «ليكن سباق أسلحة»، ويبدو أن الجانب الروسي، تحسب جيدًا لهذه الدعوة، وعليه فقد بدأ الطرفان في مراجعة أوضاعهما النووية، ما يعني مرحلة جديدة من الصيانة لما هو موجود، ثم ابتكار ما هو غير موجود، وبين الأمرين تضيع ملامح ومعالم السلام العالمي... ما الذي يجري تحديدًا؟

في أواخر شهر فبراير الماضي وفي مقابلة له لوكالة رويترز أشار الرئيس ترامب إلى أن الولايات المتحدة «تراجعت من حيث قدرات الأسلحة النووية»، وتعهد بأن تكون بلاده هي الأكثر تفوقًا، الأمر الذي دعا «ستيفن شوارتر» خبير الأسلحة النووية المستقل للتساؤل...» ترامب يقول إننا لا يمكن أن نتخلف في مجال القوة النووية... نتخلف عن من وكيف؟.

وأضاف: «ليس واضحًا لي ولا لكثير من زملائي» ما يتحدث عنه الرئيس عندما يتعهد بتوسيع قدرة الولايات المتحدة فيما يتعلق بالأسلحة النووية.. هل ترامب محق بشأن ترسانة بلاده النووية أم أنه مخطئ؟

أحد أهم التقارير التي نرتكز إليها في البحث عن جواب للسؤال المتقدم هو ذاك الذي قدمته مجلة «الفورين بوليسي»، الأمريكية الشهيرة، والتي أشارت إلى حقيقة مثيرة لقلق الأمريكيين، وهي أن البنية التحتية الداعمة لقيام الأسلحة النووية الأمريكية قد بدأت فعليًا في الانهيار لدرجة تثير الانتباه.

والمعروف أن تلك البنية قد تم بناؤها بما في ذلك المعامل والهيئات المنتجة لها ومناطق تخزينها منذ ستة عقود، ومن المعروف أن الأبنية القديمة تحتاج إلى تطوير مستمر وعناية جذريه للتأكد من سلامة موظفي الحكومة العاملين فيها، وتأمينا لسلامة الأسلحة نفسها، وهو ما لا يحدث.

الفورين بوليسي تكاد تنشر الذعر بين الأمريكيين بسبب أحوال الترسانة النووية لأمريكا، فقد لوحظ أن مشاكل الصيانة المتعلقة بالأسلحة النووية تثير الحيطة، فمن الممكن أن تمثل خطرًا كبيرًا قد يؤدي إلى حدوث أزمات تتعلق بتسرب نووي أو غيره، وربما كانت هذه التحذيرات وراء ضخ الحكومة الأمريكية مبالغ ستصل إلى تريليوني دولار، لتحديث مخزون الأسلحة النووية الأمريكية على مدار الثلاثين عامًا المقبلة.

هل يقتصر التصعيد النووي على الجانب الأمريكي فقط أم أن الأمر ينسحب كذلك على الجانب الروسي؟

في اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع مسؤولي المجمع الصناعي العسكري في بلاده، وكبار ضباط الجيش والأسطول البحري الروسي، أشار بوتين إلى أن قوات الردع النووية الاستراتيجية ستبقى حجر الزاوية في الإمكانيات الدفاعية لروسيا، ولهذا رأى أن الأسلحة الحديثة لا بد، وأن تشكل 60% من عتاد الجيش والأسطول بحلول عام 2020، وقسم منها يشمل بالدرجة الأولى الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المعروفة باسم «سرمات - 90»، والقادرة على حمل رأس قابلة للانشطار وزنها 10 أطنان والوصول إلى أي نقطة في العالم بأسرع وقت.

والمعروف أن روسيا قد كشفت مؤخرًا عن سلاح أطلق عليه سلاح الحرب العالمية الثالثة، وهو القطار النووي الذي سيدخل الخدمة ما بين عامي 2018، 2020، حيث يخشى الغرب أن يقوم هذا السلاح بالضربة الأولى والتي ستكون بداية الحرب العالمية الثالثة .. ما هي ملامح هذا المشروع؟

يعد مشروع «بارجوزين» هاجسًا للمخابرات الغربية، حيث لا يمكن التمييز بين عربة القطار النووي وعربة القطار العادي، لا سيما وأن روسيا قامت ببناء «القطارات النووية»، المزودة بصواريخ باليستية عابرة للقارات برؤوس نووية في نهاية الحرب الباردة، وسيتم استرجاع هذه المنظومة ولكن بشكل جديد، بزيادة مدى فعاليتها، وكذلك بإضافة تكنولوجيا التخفي، حيث تطور روسيا «القطارات النووية» القادرة على السير 2400 كيلومتر في اليوم، والتي بإمكانها حمل ترسانة نووية من الصواريخ، والقطارات النووية، ستشبه إلى حد كبير قطارات الركاب أو البضائع، والتمييز بينها سيكون مستحيلا.

وكل قطار نووي من مشروع «بارجوزين» سيكون مزودًا بستة صواريخ باليستية عابرة للقارات من طراز «أر إس - 24 باريس» برؤوس نووية، تبلغ قوتها 250 كيلوطنا، ومداها يصل إلى 10900 كيلومتر.

وبالإضافة إلى هذا، كما تقول صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» الروسية، فإن روسيا تجهز ملاجئ تحت الأرض وفي محطات القطارات تحسبا لقصف نووي ضد موسكو، حيث تمتلك موسكو شبكة مترو أنفاق رهيبة وعجيبة، قد يظن البعض أنها مجرد وسيلة للمواصلات فقط، ولكن في حقيقة الأمر هي خندق كبير للحماية من الضربات النووية والجوية... هل يدرك الروس أن الأمريكيين لن يتنازلوا عن فكرة توجيه الضربة النووية الأولى؟

ربما يكون ذلك صحيحًا، والنوايا الأمريكية هنا، واضحة وقد أعلن عنها وزير الدفاع الأمريكي السابق في إدارة باراك أوباما، أي «أشتون كارتر»، وذلك في نهاية سبتمبر الماضي، لدى تفقده موقعا عسكريا للأبحاث النووية، إذ أشار إلى أن الولايات المتحدة ترفض التخلي عن خيار توجيه الضربة النووية الأولى في حالة نشوب نزاع، وأضاف إن «عدم التخلي عن خيار المبادرة إلى استخدام السلاح النووي يشكل عماد سياستنا منذ أمد بعيد، ويندرج في إطار خططنا المستقبلية.

والمعروف أنه كانت شائعات قد سرت في واشنطن في تلك الفترة، أفادت بأن الرئيس الأمريكي وقتها «باراك أوباما»، يعتزم الالتزام علنا بأنه لن تكون بلاده أول من يبادر إلى استخدام السلاح الذري في حالة اندلاع نزاع... هل القوة النووية الأمريكية أفعل من نظيرتها الروسية؟

الشاهد أن عدد الرؤوس النووية عند روسيا يزيد بنحو مائتي رأس نووية عما هو موجود لدى الأمريكيين، لكن المفارقة والميزة التي تتمتع بها واشنطن، لا تعتمد على عدد الرؤوس النووية التي يمكن نشرها مقارنة بما يمكن أن تنشره روسيا، وإنما على أنظمة الإطلاق الأكثر تقدمًا.

كما أن الولايات المتحدة تحتفظ بأسطول منيع من الغواصات المجهزة لحمل أسلحة نووية تحت المحيطين الأطلسي والهادي، ولا سبيل لرصدها، وعلى النقيض من الغواصات الروسية المحملة بصواريخ والمعرضة لحوادث نادرًا ما تجري «دوريات ردع»، بعيدًا عن أحواضها.

والشاهد أنه إذا كان قرار إطلاق الصواريخ النووية الروسية يقع في أيدي بوتين، فإن هناك جدلًا الآن في الداخل الأمريكي حول إطلاق يد ترامب في مسألة التصرف بحرية في هذه الصواريخ، دون الرجوع للكونجرس.

ولعل الخوف من اندفاع ترامب هو ما دفع السيناتور «إدوارد ماركي» من ولاية ماساتشوستس، والممثل «تيبدليو» من كاليفورنيا، اللذين ينتميان إلى الحزب الديمقراطي، أن يقترحا تشريعًا ليمنعا أي رئيس من إطلاق الضربة الأولى من السلاح النووي، من دون إعلان الحرب من الكونجرس، إلا أن مشروع القانون هذا لن يقوض قدرة الرئيس ترامب على الرد على أي هجوم نووي، بناء على السلطة الممنوحة إليه، هذه السلطة التي كان يتمتع بها الرؤساء كافة والتي يجب أن يتمتعوا بها، وقد نال مشروع القانون هذا دعم المناصرين لمكافحة الأسلحة الرائدين بما فيهم وزير الدفاع السابق وليام بيري.

السؤال الآن قبل الانصراف: «هل هناك ميادين أو ساحات مواجهة مرشحة بالفعل؛ لأن تكون منطلقًا لمواجهات نووية قادمة؟ واقع الحال السؤال يحتمل أكثر من جواب، فهناك جرح كبير، وأن شئت الدقة قل جراح في الشرق الأوسط، وما جرى في سوريا لا يقطع أحد بأن تكراره لن يقود لمواجهات لا يعرف أحد مداها أو منتهاها بين روسيا وأمريكا.

هناك الداخل الأوروبي، حيث الدرع الصاروخية الأمريكية تجد رفضًا روسيًا، ويمكن أن تضحى أوروبا موقعًا وموضعًا لمواجهة نووية. هناك كذلك بحر الصين الجنوبي، وهو منطقة صراع مرجحة لمواجهة نووية صينية - روسية في مقابل أمريكا. الخلاصة.. العالم على صفيح ساخن نووي ولا يعلم أحد إلى أين يمضي المشهد لذا يسود الرعب العالم من التهديدات النووية.