abdullah
abdullah
أعمدة

رماد: حَبيسُ العُزلة

19 أبريل 2017
19 أبريل 2017

عبدالله المعمري -

[email protected] -

في المكان متسع للحركة، والنوافذ مفتوحة، وباب المكان على مصراعيه مفتوح أيضًا للخروج من ذلك المكان، والوقت يمر ما بين تسارع في دقائقه وبين بطء شديد فيها، يشبه الأنفاس مع نبضات القلب التي تكبت الروح وتقيدها، في تصارع ما بينها وبين الحياة، لتولد من كل ذلك العزلة التي تحبس صاحبها إلى نهاية ربما لا تكون قريبة.

فهو حينما يكون حبيسًا لتلك العزلة، يكون متحدثًا ولكن بصمت، حديثه مع ذاته، دون أن يدرك من ذلك الحديث أن بصيص للأمل، مما يزيد من حبسه في تلك العزلة، فالكلمات التي يتحدث بها بصمت هي الأخرى أشد فتكًا به من فسحة المكان مع ضيقه في أعماقه، كما وان قراءته لكلمات التفاؤل لا تجدي نفعًا؛ لأن تأثيرها محجوب عن الوصول إلى أعماقه المتعطشة لذلك التفاؤل الذي يبث في روحه الحياة.

أما المكان وعلى الرغم من اتساعه، وإمكانية الحركة فيه، بل وحتى التنقل منه وإليه، في حركة تبث في نفسه الحياة، والقدرة على كسر أي حاجز يصده عن الوصول إلى أي مكان، هو يشبه السجن، يقيده من الحركة مع إمكانية الحركة، ويمنعه من الخروج منه مع إمكانية الخروج، بل ويحجب عنه ضوء الشمس ليجعل منه في ظلام، مع أن النوافذ وستائرها مفتوحة متى ما أراد ذلك.

هكذا يكون حبيس العزلة، يعيش في ضيق أعماقه مع اتساع الكون حوله، ففسحته وحريته مكبوتة، تأسره الروح وتقيده نفسه، ولا أحد يستطيع تخليصه من هذا الحبس سوى ذاته التي لابد لها أن تشعر بالحياة حتى تصبح حرة طليقة، تحلق في أفق الكون الفسيح، وتمنحه حريته بلا قيد، هو وحده من عليه أن يبحث عن تلك الحرية ويفك قيد أسره.

للعزلة إن طالت بصاحبها سجن يضيق منه الصدر، وتنفر منه النفس، تبحث عن من يخلصها، مع أن الخلاص من هذه العزلة مرهون بصاحبها لا بمن هم حوله، لمن يدرك هذه الحقيقة.