شرفات

«الشرح».. فن الانشراح وليالي السمر السعيد

17 أبريل 2017
17 أبريل 2017

الباحث: جمعة بن خميس الشيدي -

كلمة «شرح» كمصطلح، مأخوذة من الانشراح وهو طيب النفس وغاية سرورها وفرحها، ولذلك أطلق مصطلح «الشرح» على هذا النمط الموسيقي الجميل لكونه يُدخل البهجة والسرور والانشراح في نفوس الحاضرين فما بالك بالممارسين، ولأن أهل محافظة ظفار يقيمون هذا النمط في مناسباتهم الاجتماعية السعيدة والسارة وأهمها الأعراس التي يُؤدى فيها نوع من الغناء والنصوص الشعرية الخاصة بالعريس.

وبصفة عامة، يأتي مصطلح الشرح كنمط موسيقي في عدد من الأنواع بحسب المكان الذي يُقام نوع ذلك الشرح فيه، وهذه الأنواع من الشروح تختلف في أنغامها الغنائية وفي طريقة أدائها الحركي، وتختلف أيضا في سياقات نصوصها الشعرية وفي مناسبات إقامتها، وفي بعض تفاصيلها الفنية، هذه الشروح مثل: «شرح صور» و «شرح قريات» و «شرح الوادي» الذي سيتم الحديث حوله لاحقا، أمّا «شرح ظفار» فيختلف عنها في عدد من العناصر الفنية والأدائية.

أولا: شرح ظفار

في محافظة ظفار يطلقون على الشرح مصطلح (صوت) فيقولون: «صوت شرح» مثل: «صوت برعة» و«صوت سيلام» وغيرها من الأصوات الموسيقية التي تؤدى في هذا الجزء من السلطنة، وعلى أدائه يقولون «لعب الشرح» وعلى ممارسيه «لاعبو الشرح». تؤديه فرق محترفة معروفة في محافظة ظفار، مثل «فرقة بن توفيق» في صلالة، و«فرقة حديد بن شمسة» في مرباط.

يؤدى لعب الشرح في ظفار في أدوار، ينتهي دور ليبدأ آخر وهكذا، ويتألف الدور الواحد من جزئين هما: «القصبة» و«القبّوس»، والأداء يختلف قليلا في كلا الجزأين بحيث يمكنك التعرّف أو ملاحظة النقلة في الأداء بين القصبة والقبّوس. وبالإمكان مقارنة ذلك فيما يحدث على وجه التقريب بين هذا النمط الموسيقي التقليدي العُماني وبين النمط الموسيقي المعروف بـ «الصوت الخليجي» المنتشر في بلدان الخليج والجزيرة العربية من حيث التقسيم الموسيقي (قصبة وقبّوس) ويختلف عنه في العديد من العناصر الموسيقية والأدائية الأخرى.فالقصبة هي بداية أداء صوت الشرح، حيث يكون بداية الأداء هو العزف على آلة القصبة (آلة نفخ تشبه الناي) منفردة حتى يستقيم النغم الموسيقي للنص الشعري تماما ثم تبدأ معها بعد ذلك بقية الآلات الموسيقية الأخرى في العزف وكذلك الغناء والأداء الحركي. ويستمر ذلك حتى يستوفى غناء النص الشعري في هذا الجزء كاملا ليبدأ الجزء الثاني من الشرح.

يبدأ (القبّوس) بداية مفاجئة يتغير مع بدايته نغم الغناء والإيقاع ليصبح أسرع مما كان عليه في القصبة، كما يتغير السياق في النص الشعري الذي يُغنّى فيه كذلك، ويمكن أيضا ملاحظة بعض التغيير في الأداء الحركي فيصبح سريعا مع إضافة حركات أدائية أخرى في هذا الجزء. ويمكن مقارنة القبّوس في شرح ظفار بما يُعرف باسم «القفلة» في نهاية بعض الأنماط في أماكن أخرى أو «الكسرة» كما في بعض الأنماط الأخرى مع الأخذ في الاعتبار مواضع الاختلاف بين هذه وتلك.

الأداء الحركي في الشرح يسمّى «لعب»، وهو أداء جميل، يؤديه لاعبان اثنان في كل دور، ومن العادة أن يضع كل من اللاعبَين وشاحا طويلا على كتفه يمسك بأحد بطرفيه بيده اليسرى ويرفعه أمامه بينما يتدلى طرفه الآخر وراءه، ويتميز اللعب بالتناسق في أداء اللاعبَين وتجانس حركاتهما، فيتقدمان ويرجعان معا ويدوران ويقفزان معا ولا يختلفان في أداء أدق تفاصيل اللعب، وكأنك تشاهد رجلا واحداً. و اللعب في الشرح له أصول متوارثة يحرص كلا اللاعبَين على مراعاتها وتنفيذ أدق تفاصيلها، منها أن يكون اللاعبان حافيا القدمين، كما هو الحال في العديد من الأنماط الموسيقية، إضافة إلى حرص كلا منهما بعدم تقدمه على اللاعب الآخر أو تأخره عنه، ولذلك برز منهم لاعبون محترفون ومعروفون أتقنوا فنونه وأبدعوا فيها نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر لاعب الشرح المعروف (باجزرة) وغيره.

والآلات الموسيقية المستخدمة في الشرح تتكون من:

- طبل «المهجر»، هو أكبر طبول هذا النمط حجما ويُضرب بكف اليدين على كلتا رقمتيه.

- الكاسر، ويضرب بالكف على وجهيه.

ـ المرواس، عددها اثنان في العادة، يمسكه ضاربه بيده اليسرى ويرفعه عاليا ويضربه بطرف أصابع اليد اليمنى.

- القصبة، آلة نفخ شبيهة بآلة الناي المعروفة، وتشترك قصبتان في بعض الأحيان.

- الدف، الصغير ذو الخراخيش.

أما النصوص الشعرية التي تغنى فيه فهي تتألف من مقطعين كل مقطع يتألف هو الآخر من عدد من الأبيات ذات الشطرة الواحدة، حيث يكون المقطع الأول للغناء في «القصبة» أما المقطع الثاني فهو للغناء في «القبّوس». هذا نموذج لنصوصه المغناة فيه:

- القصبة:

هوّه يشفع لنا يوم الملامه

شفيع الخلق في يوم العذابه

محلا السيف يوم جرّه وخبّه

سلب شاجع وردّ لّه زهابه

سيدي عبدالرحمن له حظ واقف

كريم الكف زايد على اصحابه

ـ القبّوس:

سال دمعي على خدّي ونقّع ثيابي

ويلي من الموت لي جاني وقطّع نصابي

جاء المغسل يغسلني جاء واعتنى لي

كفنوني بخلق شاش والغزل شامي

واحملوني على العيدان وكل بحاذي

دخلوني المسجد وفتّحت بابي

ثانيا: شرح الوادي

سُمّي شرح الوادي نسبة إلى ولاية وادي بني خالد في محافظة شمال الشرقية التي هي أصل نشأته، كما يتردّد على ألسنة الكثيرين من مُمارسيه، فهذه الولاية تُعتبر معقلاً للعديد من الأنماط والألوان الموسيقية التقليدية. غير أن ذلك لا يعني أن مُمارسته تقتصر على هذه الولاية فقط، ولكنه يُمارس في الولايات الأخرى من نفس المنطقة، مثل: جعلان بني بوحسن، القابل، بديّة، الكامل والوافي بالإضافة إلى الوادي الذي نشأ فيه، ومنه انتقل إلى بقية الولايات الأخرى في المنطقة.

هذا النمط كما تدل عليه تسميته نمطٌ شَرِحٌ ونشطٌ وبهيج، وهو قريب إلى النفوس ويشرح القلوب ومحبوبٌ من الجميع، يُشاركون في أدائه دون تردّد. وهو من أنماط الموسيقى التقليدية المختلطة، يُؤدى من قبل الجنسين بكل فئاتهم العمريّة، كل في دوره.

يُؤدّى الشرح في مُناسباتٍ عديدةٍ ترتبط جلّها بعادات وتقاليد المجتمع وموروثه الثقافي، فالأعراس واحتفالات الزواج هي من أهم مناسبات إقامة هذا النمط، ويكاد لا يخلو أي عرس من شرح في تلك المنطقة، ويُقام كذلك بمناسبة الاحتفال بتنظيف صبي يريد والده أن يحتفي به في هذه المناسبة، كما يُقام في أيّام الأعياد، ويُقيمونه أيضاً بقصد السمر والترويح في بعض الأوقات وخاصة في الماضي.

يجتمع المُشاركون في شرح الوادي وينقسمون إلى صفين، صفٌ من الرجال وقوفاً يُقابله وجهاً لوجه ويُوازيه صفٌ آخر من النساء، ويبدأ أحد الشعراء بتلقين مطلع نص الشلة غناءً فيتلقّفها الصفان ويبدآن بالغناء الذي يُصاحبه تصفيقٌ حرٌ من مجموعة الرجال، ومع غنائهم تبدأ آلتي الإيقاع من طبلي الرحماني والكاسر في العمل، يقوم بالضرب عليهما رجلان. وتلعب النساء أثناء الغناء، فتخرج اثنتان أو أكثر لتلعب في الساحة بين الصفين، ثم تعود إلى مكانها في الصف عندما تستوفي لعبها لتخرج غيرها ممّن تحس منهنّ برغبة في اللعب، وفي هذه الأثناء يتم الطّرح (النقوط)، وهو طرح النقود على رؤوس اللاعبات تشجيعاً لهنّ وإعجاباً واستحساناً بأدائهن.

في نهاية غناء المقصب (شلة) الغناء يكسرون على آخر شطرة من النص الشعري، فيتم ترديد تلك الشطرة عدداً من المرّات، يُعرف ذلك عندهم باسم (الكسرة) حيث يميل الإيقاع ومعه النغم فيها إلى السرعة والنشاط، تستطيع أن تشعر بذلك التغيير الذي طرأ على الأداء، وفي هذه الأثناء يقوم الجميع بأداء (التدويرة)، يدورون فيها في نفس مكان الأداء ثم يتوقّفون فتنتهي الشلة، لتبدأ أخرى بعد أخذ راحة قصيرة.

هذا مقصب (شلة) من شعر الشرح:

ـ حصن اليريز ييسـيّسوه يبـنونه

ويدوعه صندل أمّا الحرير دعـونه

- خيلة سعيدي مجيّده ومرصوغـه

والجيد معنا ولاّ الخطام نْصوغـه

- يا أمّـي عجـبني حْبيـّبي في الـرّمسـة

والسيف العماني وخـنـيره بو خمسه