ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ :الحياة ليست متاعا مشاعا

14 أبريل 2017
14 أبريل 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يذهب مفهوم الحياة عند كثيرين منا إلى اختزاله على محتواه الخاص جدا، حيث الأسرة، فحياتنا خاصة، «وأنا حر في حياتي» وفق المفهوم الضيق، وبالتالي متى أقنعنا أنفسنا بهذه الصورة انطلقنا من خلالها إلى الزج بأنفسنا إلى كثير من الممارسات وفق مفهوم الـ«مشاع»، والمشاع هنا أن توظف كل متعلقات حياتك بما يتراءى لك وحدك فقط، ويحقق ذاتك، ويرضي غرورك دون وضع اعتبار لمن حولك، فأنت من يحكم، وأنت من ينفذ، وأنت من يقول نعم؛ في الوقت الذي تريده، وأنت من يقول: لا؛ في الوقت الذي تريده أيضا، أنت من يحل، وأنت من يحرم، أنت من يصنف هذا من شيعتي وهذا من عدوي، أنت من يغلق الأبواب ذهابا إلى الراحة والاستجمام، وأنت من يفتح الأبواب على مصراعيها للنشاط والانتشار، أنت من يصدر أوامر التنفيذ، وأنت من يقرر أوامر الكف عن ذلك.

إنها إشكالية إنسانية كبيرة، حيث تكون حياة الغابة، مع أن حياة الغابة؛ كما نشاهد أفلام الحيوانات؛ أن الحياة فيها للأقوى، بمعنى أن هناك فرصة للتمايز، فقد يكون الأقوى اليوم؛ الأضعف غدا، والعكس أيضا، ولكن في مفهوم الـ«مشاع» في حياة كثير من الناس هنا؛ عندنا كبشر يظل القوي قويا، والضعيف ضعيفا، إلى الوقت الذي يرخي فيه المساء سدوله على الكون كله، حيث النهاية المحتومة، وهي الموت، عندها يبدأ تشكل آخر، وهكذا تتواصل هذه الصيرورة، في صورة من التوارث، هذا في حالة أننا اختزلنا فهم الحياة على الحياة الخاصة فقط، مع أن الحياة الخاصة ذاتها – في الواقع - لها قوانينها، وأعرافها، وأحكامها، وليست بهذا الـ«مشاع» الذي ينزله الكثيرون فيها، ويعومونها من حالة عامة لها حقوقها وواجباتها، إلى حالة خاصة تخضع لهذا الفهم الـ«مشاع» حيث التصرف المطلق في كل شيء، تحت ذريعة واحدة فقط، وهي (رب الأسرة) والخطورة أكثر عندما تتنامى هذه الصورة وتتوالد في حالات كثيرة في المجتمع الواحد، فتصبح ظاهرة عامة، فتتطاول عندها إلى الأسرة الكبيرة «المجتمع» وقد تصل إلى المؤسسة الرسمية فتتوغل في مفاصلها المختلفة، تحت ذريعة أخرى ابن الأسرة (الفلانية).

يعاب على المجتمعات التقليدية هذه الديمومة الاجتماعية المختزلة لعمر الوعي؛ والتي لم تستطع التخلص منها حتى هذا العمر المتقدم للحياة المدنية الحديثة، والتي يفترض أنها قائمة على التنظيم وفق القيم الحديثة للحياة المدنية، وهي القيم التي ينتصر فيها القانون، ويكون الخصم والحكم في آن واحد، ولا ثالث له، ولذا يشار إلى نجاح المجتمعات الحديثة التي تخلصت أو تكاد إلى حد ما، في مختلف شؤونها الحياتية، ومنها هذه الثيمة الاجتماعية إلى تبنيها مشروع القانون، واعتمادها كعامل مفصلي في مختلف شؤون حياة الناس، سواء تلك الحياة القائمة على العرف الاجتماعي، أو تلك الحياة الخاضعة وفق قانون المؤسسة الرسمية، لأنه بدون هذا التنظيم المدني لا يمكن أن تلملم هذه التفرعات في النيل من حق هذا، وتجاوز حق ذاك، وستظل الحياة وفق مفهوم الـ«مشاع» ومشكلة هذا المفهوم أنه يظل محصورا أحقيته لدى فئة صغيرة، وتظل متسيدة على المشهد الاجتماعي قرونا من الزمان.

تبقى الحياة مساحة متسعة يجد كل ضال فيها طريقه، ويجد كل مغبون فيها نصيبه، ويجد كل مظلوم فيها حقه، وهذا كله مرهون بأن تكون سيرتها سوية، وفق شرع الله والفطرة، أما إذا انحازت عن هذا المسار فتبقى حالة مشاعة، تتسيد فيها فئة على المشهد الإنساني برمتها، فيؤدي ذلك إلى هلاكها (وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا).