أفكار وآراء

البرنامج النووي الكوري الشمالي .. وخــــيارات ترامـــــــب !!

12 أبريل 2017
12 أبريل 2017

عبد العزيز محمود -

بعد 48 ساعة من ضرب قاعدة الشعيرات الجوية السورية الأسبوع الماضي، والتي وصفت بأنها رسالة إلى كوريا الشمالية، هددت واشنطن بتحرك أحادي الجانب ضد برنامج بيونج يانج النووي، وفي تطور مثير للجدل دفعت بحاملة الطائرات مدعومة بمدمرات تحمل صواريخ موجهة نحو شبه الجزيرة الكورية.

وأصبح السؤال الذي يتردد في كل أنحاء العالم هل تستعد أمريكا لتوجيه ضربات ضد كوريا الشمالية أم تضغط لإجبارها على وقف تجاربها النووية، والقبول بصفقة لتجميد برامجها النووية والصاروخية الباليستية؟

لا أحد يملك إجابة محددة على هذا السؤال، لكن بيونج يانج لم تكترث بتهديدات واشنطن، وأعلن سفيرها في موسكو أنها سوف تضرب بلا رحمة إذا تعرضت لاستفزازات، كما أطلقت صاروخا باليستيا في بحر اليابان خلال القمة الأخيرة للرئيسين الأمريكي والصيني بفلوريدا قبل أيام ، في إشارة إلى أنها لا تنوي التخلي عن طموحاتها النووية.

ويبدو أن الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون يعتقد أن التهديدات الامريكية غير جدية ، ولا يمكن تنفيذها عمليا، فالوضع في شبه الجزيرة الكورية مختلف عن الوضع في سوريا، والأهم من ذلك أن الترسانة النووية والصاروخية الكورية الشمالية هي الضمانة الحقيقية لاستمرار نظامه.

ومن الواضح أن أون لا يريد الدخول في مفاوضات أو القبول بصفقة مع الولايات المتحدة، حتى تعترف ببلاده كقوة نووية، وهو ما قد يساعده على فرض شروطه في أي مفاوضات لاحقة، سواء مع الولايات المتحدة، أو جيرانه كوريا الجنوبية واليابان وتايوان ان امكن ذلك بالطبع .

وفي قمة فلوريدا حاول ترامب إقناع نظيره الصيني شي جين بينج بالضغط على الرئيس الكوري الشمالي، لإقناعه بإبطاء البرنامجين النووي والصاروخي الباليستي، باعتبار الصين هي الحليف الأول لكوريا الشمالية، ومزودها الرئيسي بالغذاء والنفط، لكن الرئيس الصيني لم يتحمس للاقتراح الأمريكي.

وتدرك بكين أن ممارستها لأية ضغوط على النظام الكوري الشمالي قد تؤدي إلى تصدعه، مما يعني ظهور قوة جديدة غير مرغوب فيها ومدعومة أمريكيا في شبه الجزيرة الكورية، وهذا ما يعتبره الصينيون تهديدا لأمنهم القومي.

وفي قمة فلوريد لوح ترامب بصفقة تتضمن إغراءات اقتصادية، قد تمثل دعما للاقتصاد الكوري الشمالي الذي يعاني جراء العقوبات والعزلة الدولية، بشرط أن تقوم بيونج يانج اختياريا بوقف اختبارات الصواريخ وتجميدا لتخصيب اليورانيوم والبلوتونيوم في المواقع النووية.

وتدعو الصفقة إلى عقد معاهدة سلام بين الكوريتين تمهد لتطبيع العلاقات، مقابل وقف التدريبات العسكرية الأمريكية مع كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، والانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من كوريا الجنوبية وفق جدول زمني يتم الاتفاق عليه لاحقا.

الصين من جانبها وعدت بدراسة الاقتراح وعرضه على الجانب الكوري ، ثم كانت المفاجأة حين انتهت القمة الأمريكية الصينية دون صدور بيان أو عقد مؤتمر صحفي مشترك، مما فسر على أنها لم تتوصل إلى نتائج محددة بشأن الملفات المطروحة، ومن بينها البرنامج النووي الكوري الشمالي.

ومن الواضح أن إدارة ترامب شعرت بخيبة أمل، وقررت اللجوء للتصعيد، بالتلويح بالتحرك أحادي الجانب في إشارة لاستبعاد الصين، والدفع بحاملة الطائرات (كارل فينسون) نحو شبه الجزيرة الكورية، بينما أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي الجنرال هيربرت ماكماستر أن كل الخيارات مطروحة بما فيها الخيار العسكري.

هذا التصعيد في الموقف الأمريكي يعكس مخاوف أمريكية حقيقية من التطورات السريعة في الترسانة النووية والصاروخية الباليستية لكوريا الشمالية، وكشفت تقارير استخباراتية أن الكوريين الشماليين سوف يتمكنون خلال فترة تتراوح ما بين عامين إلى أربعة أعوام من امتلاك صواريخ بعيدة المدى برؤوس نووية، تعزز قدرتهم على ضرب الساحل الغربي للولايات المتحدة.

ويبدو أن دبلوماسية الانتظار والترقب التي تبنتها إدارة أوباما طوال ثماني سنوات لم تحقق لأمريكا غير السراب، فبيونج يانج استغلت كل هذا الوقت في تطوير قدراتها النووية والصاروخية الباليستية، وقطعت شوطا طويلا في تطوير محركات الصواريخ ذات الوقود الصلب، بما يسمح بإطلاق سريع للصواريخ، وتصغير الرؤوس النووية بما يسهل حملها إلى أهداف بعيدة المدى.

وهكذا أصبحت بيونج يانج قادرة على ضرب أهداف في كوريا الجنوبية واليابان، وسوف تكون قادرة قريبا على ضرب قاعدة جوام العسكرية الأمريكية في المحيط الهادئ والتي تبعد 2430 كم عن طوكيو، في ظل تجهيزات لاختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات برأس حربي يزن 400 كيلو جرام .

ويستهدف البرنامج الصاروخي الكوري الشمالي تطوير صواريخ متوسطة المدى وأخرى عابرة للقارات لتعزيز قدرتها على الردع والتصدي لأي هجوم (اجرت بيونج يانج 244 تجربة صاروخية في عام 2015)، كما نجحت في إطلاق صواريخ بحر أرض بعيدة المدى باستخدام غواصاتها، وفي مارس الماضي أطلقت أربعة صواريخ قطعت نحو 1000 كيلومتر قبل أن تسقط في بحر اليابان، وهي تطورات دفعت أمريكا لإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع كوريا الجنوبية واليابان لمواجهة خطر إطلاق صواريخ من غواصات كورية شمالية.

ومنذ عام 2001 تمتلك بيونج يانج أسلحة نووية، ومخزونا غير محدد من اليورانيوم والبلوتونيوم المخصب، وأجرت حتى الآن خمس تجارب نووية، وتستعد لاجراء التجربة السادسة، ولم تفلح العقوبات الاقتصادية في وقف نشاطها النووي أو الصاروخي الباليستي.

وهذا ما يثير مخاوف واشنطن وحلفائها في شرق آسيا، فالوقت يمر لصالح بيونج يانج، التي تسابق الزمن لامتلاك صواريخ باليستية تحمل رؤوسا نووية، يمكنها ضرب الساحل الغربي للولايات المتحدة، وهو تهديد لا يمكن لإدارة ترامب أن تتجاهله، لكن الخيارات المطروحة محدودة وحافلة بالمخاطر، وتتلخص فيما يلي:

أولا - توجيه ضربة وقائية تستهدف ترسانة كوريا الشمالية النووية والصاروخية، وهو هجوم قد لا يحقق كل أهدافه، مما يعني أن بيونج يانج سوف تهاجم بالأسلحة التقليدية كوريا الجنوبية، حيث يتمركز 30 ألف جندي أمريكي، مما يهدد بتدمير عاصمتها سيول (2 مليون نسمة)، وتوسيع دائرة الحرب لتشمل دولا أخرى في شرق آسيا.

ثانيا - التهديد بالضربة في حال قيام بيونج يانج بنشر صواريخ بعيدة المدى تشكل تهديدا للأراضي الأمريكية، وهي خطة تعتمد على قدرة الاستخبارات الأمريكية على الرصد والإنذار المبكر، مما يجعلها مسألة خاضعة لكل الاحتمالات.

ثالثا - استهداف مراكز القيادة والسيطرة بما فيها مقر الرئيس كيم جونج أون، بهدف التفاوض مستقبلا مع قيادات أكثر مرونة، يمكنها القبول بصفقة أمريكية، لكن ضربة من هذا النوع سوف تشعل منطقة شرق آسيا، وقد تهدد بمواجهة صينية أمريكية.

رابعا- اعتراف إدارة ترامب بكوريا الشمالية كقوة نووية، وهذا ما يطمح إليه الكوريون الشماليون لفرض شروطهم، وهو ما يعني تغيير قواعد اللعبة، وإجبار أمريكا على انتهاج سياسة دفاعية، تعتمد على نشر مزيد من أنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ قبالة الساحل الغربي الأمريكي، وأيضا في كوريا الجنوبية واليابان وتايوان، لمواجهة أي تهديد محتمل من جانب كوريا الشمالية.

من المرجح انه ستظل كل تلك الخيارات مطروحة، بما فيها قيام واشنطن بتوجيه ضربات جديدة إلى سوريا، لإثارة قلق بيونج يانج ودفعها لاتخاذ موقف أقل تشددا، والتأكيد على أن إدارة ترامب ليست كإدارة أوباما، لكن الخيار العسكري سوف يظل الخيار الأخير والأكثر خطورة بالتأكيد .