الملف السياسي

هوة شاسعة .. وفجوة زمنية كبيرة

10 أبريل 2017
10 أبريل 2017

العزب الطيب الطاهر -

,, إذا كان الانقسام الأوروبي واضحا إزاء العديد من القضايا مثلما تجلى في قمة روما، فإن الانقسامات العربية أكثر اتساعا في مداها وفي تأثيراتها السلبية على مسار النظام الإقليمي العربي ,,

المسافة الزمنية بين انعقاد قمة روما بمشاركة قادة دول الاتحاد الأوروبي، وقمة البحر الميت بحضور القادة العرب لم تتجاوز أربعة أيام، فالأولى التأمت في الخامس والعشرين من مارس الماضي بمناسبة مرور ستين عاما على تأسيس الاتحاد الأوروبي، والثانية عقدت في التاسع والعشرين من الشهر ذاته في إطار دورية مؤسسة القمة العربية وبعد مرور 72 عاما على تأسيس جامعة الدول العربية، وذلك يعني أن الجامعة سبقت الاتحاد الأوروبي في الظهور كمنظمة إقليمية تجسد النظام الإقليمي العربي، غير أن ثمة فارقا بين المنظمتين ليس على الصعيد المؤسسي فحسب، وإنما بالنسبة لما تحقق ويتحقق على أرض الواقع، فالاتحاد الأوروبي بات رقما مهما في المعادلة الدولية سياسيا واقتصاديا وتجاريا، في حين أن جامعة الدول العربية تفتقر إلى التأثير الإقليمي ويكاد ينعدم تأثيرها الدولي، على الرغم من أن عدد دولها الأعضاء يصل إلى 22 دولة، ويقترب سكانها من عدد سكان الاتحاد الأوروبي، تحديدا 370 مليون نسمة وفقا لآخر الإحصائيات.

غير أن ثمة قواسم مشتركة بين المنظمتين، تتمثل في أن كلا منهما تحاول أن تشكل إطارا جامعا مانعا لأعضائها ومصدر حماية لأمنها واستقرارها، وقد نجح الاتحاد الأوروبي في هذه المهمة إلى حد كبير بينما أخفقت الجامعة في أن تنجز الحد الأدنى من هذا الهدف على الرغم من أن المجموعة المكونة من 7 دول عربية، والتي أسستها في 22 مارس من عام 1945 أي بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية بعام أقروا في عام 1951 اتفاقية الدفاع العربي المشترك وإنشاء السوق العربية المشتركة، أي قبل انطلاق التكتل الأوروبي بست سنوات والذي تأسس في الخامس والعشرين من مارس 1957، أي بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بـ12 عاما، متكئا على اتفاقيات ذات أهداف اقتصادية والتي تحولت فيما بعد إلى تجمع ذي صبغة سياسية.

لقد نجحت قمة روما بعد ستين عاما في إعادة بلورة صيغة الاتحاد الأوروبي، وهو ما تجلى في توقيع القادة الأوروبيين الـ27 في القاعة ذاتها التي شهدت توقيع المعاهدة التاريخية في 25 مارس عام 1957 المعاهدة من جديد، في إشارة للتأكيد على تماسك هذا التكتل، إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل أوروبا اليوم هي أوروبا نفسها قبل 60 عاما؟

تجيب شواهد السنوات الأخيرة على جزء كبير من هذا التساؤل، لا سيما أن هذه المناسبة تتزامن مع بدء خروج بريطانيا الرسمي من الاتحاد، بعد نتائج استفتاء في شهر يونيو عام 2016 وإن كان هذا «أخطر» حدث تشهده القارة على مدار السنوات القليلة الماضية، فإن النبرة السياسية للمسؤولين في البلدان الأوروبية لم تكن متناغمة في عدد من القضايا، أبرزها تدفق اللاجئين إلى أراضيه وبدأ الانقسام بهذا الشأن في أوضح صوره، مع توزيع اللاجئين على البلدان الأوروبية، فمنها من استوعب مئات الآلاف مثل ألمانيا، في حين رفضت المجر طلبات اللجوء لكثيرين وعلى وقع الانقسامات وتصاعد مطالب الخروج من الاتحاد، جاءت دعوة رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك لزعماء الدول الأعضاء في الاتحاد على أن يثبتوا أنهم قادة أوروبا قائلا: إن الاتحاد بعد قمة روما يجب أن يكون أكثر من أي وقت اتحاد على المبادئ نفسها مع سياسة خارجية تعكس الوحدة السياسية، وعلى الرغم مما يبدو من تناغم فإن الاتحاد الأوروبي يعاني من عدد من المشكلات التي يتصدرها:

- غياب الهيكلية: وهو ما كان قد أكد عليه كلود يونكر رئيس المفوضية الأوروبية في خطابه يوم 14 سبتمبر 2016 حول حالة الاتحاد من خلال إشارته إلى أن بعض دول الاتحاد الأوروبي غالبا ما تعطي الأولوية لمصالحها الوطنية قائلا: إن المجالات التي نتعاون ونتضامن فيها قليلة.

- الهجرة: يمثل تدفق المهاجرين واللاجئين خاصة عبر السواحل الليبية تهديدا إلى دول أوروبا، السواحل الليبية كانت ولا تزال نقطة انطلاق إلى موجات اللاجئين والمهاجرين تحديدا من أفريقيا إلى أمن دول الاتحاد الأوروبي، في أعقاب غلق مسالك الهجرة أبرزها طريق دول البلقان.

- الأمن: ما زالت دول أوروبا تعيش حالة من القلق من احتمالات وقوع عمليات إرهابية، وسط تسريبات وتقارير استخبارية من احتمالات تنفيذ داعش عمليات انتحارية جديدة في عواصم أوروبية.

رغم الجهود الحثيثة التي تبذلها الدبلوماسية الأوروبية وعلى وجه الخصوص ألمانيا وفرنسا التي تعتبر النواة الرئيسية والمحرك القوي إلى الاتحاد، فما زال الاتحاد الأوروبي منقسما على نفسه بين كتلة غربية وشرقية، خاصة حول موضوع الهجرة وما يحصل الآن في أوروبا هو تفكيك الاتحاد الأوروبي.

- التهديدات بانقسام الاتحاد: تهديدات داخلية بتخلي الدول الأعضاء بالإيفاء بالتزاماتها، وخارجية من قبل روسيا وتركيا وواشنطن.

ما تعانيه دول الاتحاد، هي ليست مشكلة اقتصادية، بقدر الاختلاف في الثقافات وهذا ينعكس في مزاج المواطن في دول أوروبا الشرقية، أكثر من الطبقة السياسية، مع الأخذ في الاعتبار، تاريخ وظروف هذه الدول أبرزها حقبة الاتحاد السوفييتي السابق، والتي تميل إلى اليمين المتطرف والخطاب الشعبوي.

- أدركت الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي، ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا حقيقة عدم ربط مصير الاتحاد بالدول الأعضاء خاصة دول الكتلة الشرقية والتي تتصدرها كل من المجر والتشيكك وسلوفاكيا وبلغاريا ودول أخرى، فما تشهده اجتماعات القمة بين هذه الدول الأربع، ربما لا يتحدد فقط في موضوع وحدة الاتحاد الاقتصادية، بقدر إدراكها حجم التهديدات والمخاطر على أمنها القومي في أعقاب تخلي الولايات المتحدة عن مظلة حمايتها لأوروبا، وبالتالي فإن ما تعمل عليه الدول الأربع، هو العودة إلى المربع الأول من حيث انطلق الاتحاد الأوروبي عام 1992 من مدينة ماسترخت الهولندية، حيث تم التوقيع على معاهدة الاتحاد الأوروبي التي تعرف أيضا باسم معاهدة ماسترخت، وهي المعاهدة المؤسسة للاتحاد الأوروبي، وما بات واضحا في مساعي وزراء خارجية الاتحاد مطلع شهر مارس 2017 لتأسيس أول مقر عسكري عام للاتحاد الأوروبي.

أما قمة البحر الميت فقد سعت إلى تحقيق قدر من التوافق بين الدول الأعضاء على جملة من المسائل أولها التصدي للإرهاب وهو تحدٍ مشترك مع الاتحاد الأوروبي الذي بات يضع هذه المسألة في صدارة أولوياته وفي هذه المسألة بالذات فإن الأمر يستوجب تفعيل التعاون المشترك بين المنظومتين العربية والأوربية ما شكل بندا مهما في الاجتماع المشترك لوزراء خارجية الجانبين في ديسمبر من العام الماضي بمقر جامعة الدول العربية بالقاهرة وأولت القمة العربية اهتماما واضحا بقضية اللاجئين والمهاجرين ولكن من المنظور العربي الذي يدعو المجتمع الدولي وفي المقدمة منه دول الاتحاد الأوروبي لتوفير الرعاية لهم، لا سيما أن هناك ما يزيد عن 5 ملايين مهاجر عربي في الأراضي الأوروبية وغيرها من بقاع العالم في ظل تفاقم الأزمات الملتهبة في أربع من دول عربية، وتشكل إطارا مشتركا للجانبين العربي والأوروبي للبحث عن بلورة حلول سياسية.

إن قمة البحر الميت قدمت مقاربات سياسية واقتصادية، تعد من حيث الشكل والصياغة جيدة غير أنها قد تفتقر إلى القابلية للتطبيق على الأقل في المدى المنظور، بينما قرارات قمة روما تتسم بالمسارعة في التطبيق وهي منهجية تميز الاتحاد الأوروبي، فعلى صعيد المثال يسعى الأوروبيون في إطار تطلعهم إلى بناء أوروبا الآمنة إلى تشكيل ما يشبه القوة الأوروبية المشتركة ، بمنأى عن حلف الناتو الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، في حين أن القادة العرب عجزوا عن بلورة مقترح أقروه في قمتهم العادية السادسة والعشرين، التي عقدت بمنتجع شرم الشيخ بمصر مارس 2015 بإطلاق قوة عربية مشتركة، بعد أن نجح رؤساء أركان الجيوش العربية عقب اجتماعين مهمين في غضون ثلاثة أشهر في صياغة مشروع بروتوكولها، ولم يكن متبقيا سوى التوقيع عليه من قبل وزراء الخارجية والدفاع العرب في اجتماع لمجلس الدفاع العربي، والذي تأجل فجأة بدون إبداء الأٍسباب وبالطبع لم يكن هذا المشروع مطروحا على جدول قمة البحر الميت. وإذا كان الانقسام الأوروبي واضحا إزاء العديد من القضايا مثلما تجلى في قمة روما، فإن الانقسامات العربية أكثر اتساعا في مداها وفي تأثيراتها السلبية على مسار النظام الإقليمي العربي، الذي يدفع ثمنها نتيجة عدم قدرة مؤسسة القمة العربية،على حسم إشكالية إصلاح هيكلية جامعة الدول العربية، وتعديل ميثاقها المقر في عام 1944 وما زال ساريا حتى هذه اللحظة، وذلك على الرغم من التقارير العديدة التي قدمتها الأمانة العامة للقادة العرب منذ قمة بغداد في عام 2012 وحتى قمة البحر الميت، وهوما جعل أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية يقدم ما يمكن وصفه بالصرخة للقادة ووزراء الخارجية العرب في القمة الأخيرة، لتوفير البيئة الحاضنة لتفعيل دور الجامعة ورفع منسوب فعاليتها، في قيادة قاطرة العمل العربي المشترك، والتي تنطلق بالضرورة من الإصلاحات الجاهزة، بيد أنها في حاجة إلى قرار القادة وهو ما لم يحدث حتى الآن.