المنوعات

هل تحولت مجتمعاتنا إلى مصدر للإرهاب؟

06 أبريل 2017
06 أبريل 2017

خالد غزال -

صدر مؤخرا تقرير «القمة الحكومية العالمية» تقرير ليس من المبالغة وصفه بأنه مرعب ومخيف، سواء في وصفه لواقع مجتمعاتنا العربية أم في النتائج المترتبة عن هذه الأرقام، سابقا وراهنا ومستقبلا.

لعل أهم النتائج التي يمكن اختصارها هنا أنه من غير المستغرب أن تنتج مجتمعاتنا العربية إرهابا محليا وعالميا. فظاهرة صعود المنظمات الإرهابية، سواء أكان اسمها «داعش» أم «جبهة النصرة» أم غيرها، وهي واحدة في منطلقاتها وأهدافها، هي محصلة جملة عوامل في مجتمعاتنا العربية، يفسرها هذا التقرير. يمكن تقسيم التقرير إلى محاور عدة يكشف كل واحد منها هول الواقع العربي.

يتناول المحور الأول موضوع الفقر، حيث يشير التقرير إلى أن 30 مليونا يعيشون تحت خط الفقر، وأن ثمة 8% زيادة في معدلات الفقر في العامين الأخيرين. قد تكون الأرقام المشار إليها أقل من واقع الفقر الحاصل، وخصوصا أن تقارير صادرة عن منظمات دولية أشارت سابقا إلى حجم أكبر. مهما يكن، الأرقام تشير إلى واقع خطير، فالفقر هو أحد أهم العوامل التي يغرف منها الإرهاب، وهو بطبيعته جاذب للإرهاب. والفقر عنصر معيق للتنمية البشرية على جميع مستوياتها، وهو يشكل حاجة للأنظمة الاستبدادية لأن الفقراء هم وقودها وسندها ضد أي حركات تغييرية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تحتل المجتمعات العربية هذا الموقع المفارق في ميدان الفقر، فيما تملك ثروات مالية وموارد ضخمة؟ الجواب يكمن في طبيعة أغلب السلطات وكيفية توظيفها للموارد العربية، وهو توظيف لا يصيب التنمية وتطوير المجتمع سوى بالنذر اليسير منه؛ كما أنه كاشف لفشل مشاريع التنمية العربية في الإجمال. تكفي الإشارة إلى أن الرساميل العربية قد خسرت مبلغ 2500 مليار دولار في الأزمة المالية العالمية في العام 2008 (وهو رقم أورده رئيس جمعية المصارف اللبنانية جوزف طربيه)، وهو مبلغ يكفي ربعه لتطوير المجتمعات العربية وتنميتها وإنهاء ظاهرة الفقر فيها بشكل شبه كامل.

يتناول المحور الثاني موضوع التعليم وطبيعته في العالم العربي، ليشير إلى أن 57 مليون عربي لا يعرفون القراءة والكتابة، وأن 13.5 مليون طفل لم يلتحقوا بالمدرسة هذا العام. كانت تقارير سابقة قد أشارت إلى أن العالم العربي يضم أعلى نسبة من الأمية في العالم، وذلك على الرغم من أن بلدانا فقيرة في العالم تفتقر إلى الإمكانات المالية استطاعت أن تخفف إلى حد بعيد من حجم الأمية. كيف يمكن لمجتمعات أن تتطور وتتقدم، وهي مكبلة بهذا الحجم من الأميين. لا يقتصر الأمر على عدد غير المتعلمين، بل يطاول مناهج التعليم وطرقه القائمة على التلقين والحفظ غيبا، وهي أساليب موروثة منذ قرون، ولم تعد تتناسب مع حاجات العصر.

أين العالم العربي من إنتاج المعرفة والفساد واللجوء؟

المحور الثالث يتصل بموقع العالم العربي في إنتاج المعرفة. يشير التقرير إلى أن إنتاج الكتب في العالم العربي كله لا يتعدى العشرين ألف كتاب في السنة، وهو رقم أقل مما تنتجه دولة متوسطة الحجم والتطور مثل رومانيا. أما في ميدان براءات الاختراع فإن العالم العربي الذي يصل تعداد سكانه إلى 410 ملايين شخص لديه حتى الآن 2900 براءة اختراع فقط، فيما دولة كوريا الجنوبية التي لا يتجاوز سكانها خمسين مليون نسمة لديها 20200 براءة اختراع. يؤشر الرقم العربي إلى الموقع المريع الذي يقيم فيه العالم العربي، فبراءات الاختراع هي محصلة مدى انخراط المجتمع في الثورة التكنولوجية والعلمية وكل منتجات العولمة والحداثة. لا يستغربن أحد هذا التخلف عندما ندرك حجم الموازنات التي ترصدها البلدان العربية لمراكز الأبحاث، وهي مبالغ زهيدة جدا. كما أن إنتاج المعرفة يصطدم بحال السلطات السياسية التي تعيق الحرية في البحث، وتمنع صدوره إذا لم يكن متوافقا مع توجهاتها السياسية، أو تضع الأبحاث على الرفوف ولا تجري الإفادة منها. لذا ليس مستغربا أن نجد الكثرة من العلماء والباحثين العرب يهاجرون إلى بلاد الغرب، حيث يتاح لهم إظهار قدراتهم العلمية غير القليلة، قياسا على مجتمعات أخرى.

المحور الرابع يتصل بحال الفساد في العالم العربي، حيث يشير التقرير إلى أن تكلفة الفساد فيه تصل إلى تريليون دولار، وإلى أن خمس دول عربية هي في قائمة العشر دول الأكثر فسادا في العالم.

إن جميع الأرقام التي جرت الإشارة إليها هي عوامل جاذبة للفساد والزبائنية والرشوة على جميع المستويات. هذا الفساد المستشري يبدأ من القمة ليصل إلى أدنى المستويات؛ فهل تصنف الظاهرة في خانة الاستغراب؟ الجواب هو بالطبع لا، في مجتمعات عربية تفتقر إلى الديمقراطية في أنظمتها السياسية وفي ممارسة نخبها، وتفتقد إلى المراقبة والمحاسبة والشفافية، وتقوم على الولاءات الجهوية والطائفية، وحيث تشهد دولها مزيدا من التفكك والانهيار، ويصبح الفساد أحد الممرات لتسيير أمور المواطن والشبكات الاقتصادية المختلفة.

المحور الخامس الذي يتناوله التقرير يشير إلى نتائج الحروب التي تعصف بدول العالم العربي، وخصوصا في السنوات الأخيرة. ففي ميدان اللجوء في العالم، يشكل العرب نسبة 75% من اللاجئين، وفي مجال الوفيات الناجمة عن الحروب في العالم، يشكل العرب 68%. وبين العام 2011 والعام 2017، تم تشريد 14 مليون عربي. وخلال الأعوام الستة الأخيرة، وصلت الخسائر البشرية إلى مليون ونصف المليون قتيل. أما تكلفة البنى التحتية التي دمرتها الحروب العربية – العربية، الداخلية منها والبينية، فتصل قيمتها المالية إلى حوالى 460 مليار دولار، كما أن خسائر الناتج المحلي العربي وصلت في الفترة الزمنية نفسها إلى حوالى 300 مليار دولار. لا شك أن هذه الأرقام صادمة، وأن أخطر ما فيها هو مسارها الانحداري الذي ينبئ بخط سير المجتمعات العربية التي قد تصل إلى وقت تفتقد فيه إلى الحد الأدنى من ضرورات العيش، بعدما تكون قد استنفدت ثرواتها وأبادتها في الحروب الأهلية السائدة في بعض البلدان، والمرشحة لدخولها بلدانا أخرى كما تدل كل المؤشرات.

بين الإرهاب المحلي والعالمي

نصل إلى المحور الأخير، وهو المتصل بموقع الإرهاب العربي من الإرهاب العالمي؛ حيث يشير التقرير إلى أن حجم الإرهاب العربي يشكل 45% من الهجمات الإرهابية عالميا، فيما لا يشكل سكان العالم العربي أكثر من 5% من سكان العالم. ليس غريبا أن يكون الإرهاب العربي محصلة ونتاجا للتخلف العربي الذي أشارت إليه أرقام التقرير في مختلف محاوره. نحن هنا أمام نتائج كانت مقدماتها كلها تؤشر إليها. بصرف النظر عن الاتهامات التي يطلقها الغرب على العالم العربي في كونه ملاذا للإرهاب ومنتجا له، وهي اتهامات، إذا كانت تحمل شيئا من الحقيقة، إلا أن أهدافها السياسية ليست غائبة، وخصوصا أن السياسات الغربية تشارك التخلف العربي في إنتاج هذا الإرهاب. فالغرب الذي زرع إسرائيل في العالم العربي، أسس لهذا الإرهاب الذي برعت إسرائيل في ممارسته على الشعوب العربية. والغرب الذي مارس نهب الثروات العربية على امتداد عقود، مسؤول أيضا عن تصعيد هذا الإرهاب ونشره.

يبقى أخيرا القول: إن إسباغ أيديولوجيا دينية على هذا الإرهاب لوصم الدين الإسلامي به وتحميله المسؤولية عن الإرهاب، تدحضه مجمل الأرقام التي حملها التقرير، من دون أن ينفي أن التنظيمات المتطرفة، ومعها بعض الأنظمة، تقدم المادة اللازمة لربط الإرهاب بالإسلام، من خلال توظيفها الدين في خدمة أهدافها وممارساتها.

*كاتب من لبنان

بالتعاون مع مؤسسة الفكر العربي