sharifa
sharifa
أعمدة

وتر : لم يبق غير الأقنعة

05 أبريل 2017
05 أبريل 2017

شريفة بنت علي التوبية -

أمام الأقنعة التي تصادفني كل يوم آمنت بأن كثير من الوجوه سقطت ولم يبق إلا الأقنعة، تلك الأقنعة التي فصلّها المجتمع ليكون من يرتديها صورته البهية أو كذبته الرائعة، فنألف القناع وننكر ما خلفه، يكتب الكاتب فنصدق ما يكتب ونؤمن به ونراه عظيماً بقدر قيمة الكلمة التي يكتبها، يمثل الممثل دوره على خشبة المسرح فنعيش معه الدور ونصدقه ونظنه بطلاً، يعدنا الساسة فنصدق وعودهم ونظن أن الله بعثهم لإنقاذنا، يخطب فينا رجال الدين فنصدقهم ونظن أنهم يمهدون لنا الطريق إلى الجنة، ويرتدي البعض الدين ثوبا وقناعاً فنصدقهم، تبتسم لنا المضيفة فنصدقها، يرحب بنا النادل حينما ندخل المطعم أو المقهى فنصدقه، تأخذنا القصيدة إلى حكاية قيس وليلى فنصدقها، تأخذنا الأغنيات إلى الحلم المشتهى الذي كان أو الذي لم يكن فنصدقها، يضللنا الأدب في دروب الحكايات فنتوه عن واقعنا فنصدقه ونرفض العودة إلى حيث كنا، يخون الناقد رسالته فيصبح مطبلاً ومصفقاً ومباركاً للغث فينزل بمستوى النقد إلى حيث تشاء مصلحة العلاقة ونصدقه، يعرض لنا الإعلام الصور التي يشاء فنصدقه والأخبار التي يصوغها بعناية تامة وبما يناسب اتجاهاته السياسية والفكرية ونصدقه، يضحك العالم من فرط جهلنا فنظنه يضحك معنا فنضحك ونصدقه، ننشغل بأنفسنا فننسى قضيتنا الحقيقية، ويقتل أحدنا الآخر لأنهم أخبرونا أن العدو مندس بيننا فنصدقهم، ونجهل كم نحن ضحايا الغفلة وضحايا التصديق لكل شيء، نحن الواقعون بين السندان والمطرقة، المعلّقون بين الوهم والحقيقة، المشتتون في كل بقاع الدنيا وكل زوايا الفكرة المتناقضة.

تكاثرت الأقنعة بزمن كل ما فيه أقنعة، حتى غطت على وجه الحقيقة كاملاً، وحينما نصادف الحقيقة يوماً في محطة عابرة ننكرها ونشهق من فرط الدهشة، ونبحث عن قناع نختفي خلفه حتى يباركنا المجتمع، فنحن في مجتمعات مقنعة، وكل من فيها يرتدي القناع الذي يناسب دوره ومكانته، فما أصعب أن تسير فيها بلا قناع، وما أصعب أن تكون شفافاً مقروءاً، ما أصعب أن تكون حقيقياً، وما أصعب أن تكون عارياً من الزيف، فأنت مجنون إن فعلت، وستدخل معركة خاسرة أمام أبطال وهميين يعيشون وهْم بطولة ووهْم حياة ويباركهم المجتمع ويمجدهم ويصفق لهم رغم موتهم، فينتصر الوهم فينا، وتنتصر الكذبة، وينتصر القناع، ونسقط وتسقط وجوهنا، ونصدق ببلاهة عمياء كل ما نرى وكل ما يقال، فنحن في زمن مقنّع رغم انفتاحه، زمن هجرته الحقيقة رغم وجودها، ولم يبق فيه غير الأقنعة.