أفكار وآراء

تحفظات إسرائيلية على توجهات ترامب «2-2»

04 أبريل 2017
04 أبريل 2017

د.صلاح أبونار -

طرحنا في المقالة الأولى استنادًا على استبيانات رأي عام إسرائيلية، أن ترامب لم يكن الخيار المفضل خلال شهور المنافسة الانتخابية داخل المجال العام الإسرائيلي، بل خيار التحالف الحاكم بقواعده اليمينية والوسطية. ولم تشهد أسابيع ما بعد الانتخابات ما يمكن الجزم بكونه انقلابا في هذا الصدد. وهو ما يعني وجود تيار واسع أو أوسع لديه تحفظاته على نمط توجهات ترامب المعلنة، تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي.

وفي المقال التالي نتناول عناصر الرؤية السياسية التي يتبناها هذا التيار.

لن تفيدنا استطلاعات الرأي العام. وسنجد مبتغانا في النصوص التحليلية، المنشورة داخل مواقع مراكز الأبحاث الإسرائيلية. ويوفر الموقع الإنجليزي لمركز بيجن- السادات للدراسات الاستراتيجية، نماذج جيدة للتناول التحليلي. سنكتفي منها بأربعة مقالات، نشرتها سلسلة منظورات فيما بين ديسمبر وفبراير، وكتبها: ياكوف اميدرور وايتان جيلبوا وافريم انبار وإيران ليرمان.

يلاحظ هذا الاتجاه ابتداء أن الحفاوة الإسرائيلية بترامب، لا يمكن عزلها في مساحة منها عن توترات علاقات خلال عهد أوباما. بدأ أوباما عهده بصرف النظر عن تعهدات سلفه لإسرائيل، في خطاب 14 أبريل 2004 إلى شارون. وأنهاه بقرار مجلس الأمن في 23 ديسمبر الماضي، وخلال فترة حكمه عقد الاتفاق النووي الإيراني الذي تعتبره إسرائيل كارثة. وفي 28 ديسمبر 2016، أعلن كيري للمرة الأولى الموافقة على أن تصبح القدس عاصمة لدولتين. وكان لذلك تأثيره السلبي الواسع على قطاع من الإسرائيليين.

وتلك الملاحظة صحيحة. ففي استبيان للرأي العام الإسرائيلي في أعقاب قرار ديسمبر، طرح سؤال حول طبيعة التوجه الأمريكي تجاه إسرائيل. فنعته 57% أنه توجه يتسم بالعدائية، و22% انه يتسم بالصداقة. وردًا على سؤال حول قرار ديسمبر، قال 53% انه ينطلق أساسًا من العداء لإسرائيل، و28% بانطلاقه أساسًا من مبادئ القانون الدولي.

ثم يضيفون انه بالتالي ليس من الغريب أن يشعر قطاع إسرائيلي بالسعادة لنهاية ولايته، أوباما ، والحماسة لترامب وخطابه المناصر لإسرائيل، دونما التدقيق في موضوعية سياساته وقدرتها على النفاذ في واقع معقد.

وداخل الكتابات الممثلة لهذا الاتجاه، يمكننا رصد ثلاثة أنماط من المشاكل ، ترى أن إسرائيل ستواجهها في سياق تعاملها المتحمس مع توجهات ترامب المعلنة تجاه المنطقة، تلك التي لا تزال عند مستوى المواقف العامة.

يظهر النمط الأول على مستوى علاقات إسرائيل الوثيقة بالداخل الأمريكي، وداخله يمكننا تمييز ثلاث مشاكل. أولها تنبع من نزعة ترامب اليمينية القومية المتطرفة، التي ستدفعه لانتهاج سياسات صدامية متصاعدة مع الإسلام كثقافة وكدين، ستلحق أضرارًا بإسرائيل المتحالفة مع ترامب المتحمسة له. ذلك أنها تعيش في محيط إسلامي، فثلث سكانها مسلمون، وشركاؤها الأساسيون في السلام مصر والأردن، ذوو هويات إسلامية راسخة. وبالتالي ثمة مخاطرة، تهدد أمن إسرائيل وسياساتها وبعدها الأخلاقي، إذا سمحت لنفسها بالانسياق وراء اتجاه صراع الحضارات الذي ينتهجه ترامب.

وثانيها ستنبع من إدارته للسياسة الخارجية. فهو يعمل أحيانًا، ليس فقط وفقًا لتصورات واسعة لسلطاته الدستورية، بل أيضًا وفقا لرأيه الشخصي والدائرة المحيطة به. ولهذا يتجاهل الاستشارة المنظمة المعهودة، بالمسؤولين وقادة الكونجرس. وفي سابقة لا مثيل لها غير عضوية لجنة كبار المسؤولين، المختصة بفحص قضايا الأمن القومي، قبل عرضها على مجلس الأمن القومي. وتلك ليست محض مشكلة أمريكية داخلية، فهي مؤشر على مدى الثقة التي ينبغي وضعها في عقلانية صنع القرار، كما انه سيضعف المرتكزات المؤسسية التي اعتادت إسرائيل أن تجد فيها الدعم والتأييد، وهو أمر لا يتسق مع المصالح الإسرائيلية على المدى الطويل.

وثالثها ستنبع من حالة الاستقطاب الاجتماعي والسياسي التي يقود ترامب أمريكا إليها. هذا الاستقطاب والغضب اللذان يثيرهما داخل أمريكا والغرب، سيجعل أمريكا تواجه صعوبات في الدفاع عن مبادئها التقليدية، ومن ضمنها الالتزام بأمن ورفاهية إسرائيل. ويضيف هذا النقد أن هؤلاء الذين يرون الديمقراطيين في الولايات المتحدة وأحزاب يسار الوسط في أوروبا «قضايا خاسرة»، ممهدين الطريق أمام توحد كامل مع ترامب واليمين الأمريكي، يعفون انفسهم من مهمة سياسية مهمة، هي الحفاظ على التوازن السياسي داخل أمريكا، إذا أراد الإسرائيليون تجنب الظهور أمام الأمريكيين والغربيين في صورة الأعداء.

ويظهر النمط الثاني من المشاكل في إعلان ترامب اعتزامه نقل السفارة الأمريكية إلى القدس. يلاحظ هذا النقد ابتداء من أن ما من انتخابات رئاسية أمريكية خلال العقود الأخيرة، إلا وأعلن أحد المرشحين اعتزامه نقل السفارة. والمرجح أن ترامب سيواجه صعوبات هائلة، ستمنعه من مواصلة الطريق. لماذا؟ يترك هذا النقد جانبًا رد الفعل الإسلامي المؤكد، إذا قدر للقرار التنفيذ. مكتفيا بالإشارة إلى عاصفة الاعتراضات، التي ستلحق أضرارًا جذرية بعلاقاتها بالعالم الإسلامي، وتتولد من رحمها موجة عنف منظم. ومن ثم ينتقل لتحليل المعارضة الدولية المتوقعة. حتى الآن لا تزال دول كثيرة، متمسكة بقرار الأمم المتحدة لعام 1947، الخاص بتقسيم فلسطين. وينص هذا القرار على تدويل القدس تحت سيطرة الأمم المتحدة. والعلة أنها لا تريد للمدينة المقدسة، أن تصبح تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. فالعالم الغربي لديه تراثه الديني في المدينة، ومن ثم دوافعه لتأييد الموقف العربي. وهو ما يفسر مساحة من الرفض الدولي، للاعتراف بالقدس مقرًا لعاصمة إسرائيل، وحالة التردد بشأن نقل السفارات الأوروبية إليها، خلال السنوات من إعلان إسرائيل حتى حرب 1967، وقبل إعلان الفلسطينيين مطالبهم تجاهها. والخلاصة إذا كان للقدس رمزية كبيرة لدى إسرائيل، لدرجة القول انه لا صهيونية بلا قدس، فلها ذات درجة الرمزية لدى العالمين الإسلامي والمسيحي.

ويأتي في النهاية نمط ثالث من المشاكل يتصل بالصعوبات التي سيواجهها ترامب عند تنفيذ رؤيته للمسألة الفلسطينية. أعلن ترامب أنه سوف: لن يعارض التوسع الاستيطاني، وسينقل السفارة الأمريكية للقدس، ولن يتمسك بحل الدولتين، ولن يضغط على الطرفين للتفاوض من أجل السلام. وهذه التوجهات التي يظهر فيها طابع التحيز لإسرائيل، والتي حظيت بترحيب حار من جانب التحالف الإسرائيلي الحاكم، ستواجه في رأي هذا الفريق مشاكل حادة. يلاحظ -أولاً- أن هذه التوجهات تعني تقليص الدور الأمريكي في إدارة الصراع، بينما يتراجع هذا الدور في المنطقة نتيجة لسياسات أوباما، ويتغلغل الدور الروسي، وتتوسع قواعد النفوذ الإيراني، وتتسع قواعد الإرهاب الأصولي. وكل ذلك يعني ضرورة تنشيط الدور الأمريكي في المنطقة. وهنا يظهر تناقض حاد بين الاتجاهين. فالانسحاب من القضية الفلسطينية، يناقض تعظيم الدور الأمريكي في إدارة أزمات المنطقة. فالانسحاب يضعف النفوذ الأمريكي وتحالفاته، بينما التعظيم يتطلب عكس ذلك تماما. ثم يرصد -ثانيا- أن استئناف بناء المستوطنات، سيصيب حتما عملية السلام في مقتل. وإذا كان التحالف الحاكم بقواعده سوف يبتهجون لذلك، هناك قوى أخرى تسعى أساسًا نحو السلام، وتريد الابتعاد عن أي تغلغل طبيعي في الأوساط الفلسطينية. فليس هناك إجماع على السياسات الاستيطانية، بهذا المعنى والمدى الذي يتطلع إليه التحالف الحاكم، وهو ما يعني تعميق حالة انقسام إسرائيلي موجودة بالفعل.

ويشير -ثالثا- إلى أن هذا التوجه وإن استطاع مواصلة الاستيطان بلا قيود، وشل عملية السلام كما يحلم التحالف الحاكم، لا يمكنه الهروب من مشكلة المستقبل المدني - السياسي للفلسطينيين. أي إذا افترضنا أن إسرائيل ستنعم بفضل ترامب بحرية إطلاق يدها في الأراضي المحتلة، ستواجه مسؤولية السياسات الواجب انتهاجها. وقد تجد نفسها حرة لكنها الحرية المنطوية على مخاطرات جسيمة. وعندما تشرع في التقدم على دقات الطبول اليمينية، متوهمة انتصارها، قد تقودها مسيرتها المنتصرة الوهمية إلى مأزق الدولة ثنائية القومية.