ahmed-ok
ahmed-ok
أعمدة

نوافـذ :لن تجر العربة الحصان

31 مارس 2017
31 مارس 2017

أحمد بن سالم الفلاحي -

[email protected] -

يقال: «إن حرية التعبير والتفكير؛ أثمن ما يمتلكه الإنسان»، ولذلك لا يمكن لأي كائن من كان أن يسلب أحدهما للآخر هذا الحق، وهذه الملكية، وهنا أشخص المسألة في حالتها الطبيعية؛ ليس إلا، أما عندما تخرج عن سياقها الطبيعي هذا فهناك تتسع المساحة ويخرج الحكم عن ما أنزل فيه، وحياتنا كلها مرهونة حركتها ما بين سياقاتها الطبيعية فقط، فكل حركاتنا ومشاغلنا، ومناخات راحاتنا، وأيضا شقاواتنا الذاتية، كل هذا محصورة في هذه المسافة المقيدة والتي نمتلك فيها حريتنا المطلقة، أما بخلاف ذلك، فكل شيء مرهون بظروفه.

أتصور أن الصورة آنفة الذكر، يعرفها الجميع، بلا تكلف، لأنها الوضع الطبيعي لحيثيات حياتنا اليومية، ولذلك فهي لا تحتاج إلى إعمال الفكر، أو الجهد الباذل، أو التفاسير الفصيحة، فمن يمتلك حريته، يمتلك لسانه، وتفكيره، ويمكن أن يوظف ذلك كله فيما يعينه له يومه، وغده، ويقينا لن يقتحم أسواره أحد، وصدقوني سينام قرير العين، مرتاح البال، خاليا من تأنيب الضمير، ومن يتجاوز هذه المساحة، فعليه في المقابل أن يتحمل تداعيات تصرفاته في القول والعمل، لأنه خرج عن حدود مملكته، وعقد مع نفسه «الأمارة بالسوء» أن يصطدم بالآخرين من حوله، وهذا ليس من تصرف العقلاء.

اعتاد الناس في كل زمان ومكان، وهو الوضع الطبيعي، أن يجر الحصان العربة، ويوصلها إلى الضفة الأخرى من النهر بخير وسلام، أما عندما يتبادل الحصان مع العربة الموقع، هنا يصاب الكون بالشلل في الحركة، وتتعطل الحياة، وتكثر الأسئلة، ويتهم الناس بعضهم بعضا، يحدث كل ذلك لأن المسألة خرجت عن سياقها الطبيعي، ولأن- كما في هذا المثل- العربة والحصان كلاهما غير عاقلين، والعاقل الوحيد فيهم الإنسان، فالإنسان هو الملام، وهو من يتحمل تبعات الإخفاق التي حصلت من جراء تدخله السافر في هذه العلاقة الطبيعية واجتهاده غير الموفق في إجراء هذا الحراك المتصادم مع الطبيعة، ومع الفهم العام الذي يعرفه الناس، وبهذا يكون الإنسان في كثير من تصرفاته من مثل هذا النوع هو من تتجه إليه سهام الاتهام، وسهام اللوم، وأحكام الإدانة في نهاية القصة.

السؤال: ألا يستطيع الإنسان أن يحل نفسه من هذه المعضلة كلها؟ وألا يمكن أن ينأى بنفسه عن الوقوع في هذه الإخفاقات على امتداد حياته، التي تمتد عشرات السنين، مع ما يصاحب ذلك من خبرات وتجارب ومواقف؟ المنطق يقول: نعم يستطيع، ولكن النفس البشرية المجبولة على الخطأ، تؤكد حوادث الواقع، أنه ليس من اليسير أن يترقى هذا الإنسان من حالته هذه المقرونة بالأخطاء إلى حالة الكائن المعصوم، ولذلك ستظل الأخطاء قائمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وستظل الأحكام تصدر، وستظل المحاكم في حالة انعقاد دائمة بلا توقف، لأن في توقفها ضرر كبير على هذا الإنسان الممتدة إساءته بلا توقف.

يأتي فهم «إن حرية التعبير والتفكير؛ أثمن ما يمتلكه الإنسان» لتسيير الحياة، وليس لعرقلتها، لإحساس الإنسان أن له وجودا، فوجوده يتحقق بهذين العنصرين «التعبير والتفكير» وإلا لما أخرج المجنون من دائرة العقلاء ومن تحمله تبعات ما يصدر عنه من أفعال، كما هو حال كثير من المخلوقات المنزوعة عنها العقل، والمقتصرة حركتها في الحياة على الغريزة فقط، والتي لا تفرق بين الخطأ والصواب، إلا بالقدر الذي تمليه عليها غريزتها، فإن ارتوت الغريزة، اقتربت كثيرا من العقلاء في تصرفاتهم، وإن شحت هذه الغريزة ذهبت لترويها تحت مفهوم «الغاية تبرر الوسيلة».