907543
907543
إشراقات

الخليلي: «الإصلاح الحق» يكون بالرجوع إلى الله.. والأمة الإسلامية بحاجة إلى إصلاح من حيث العقيدة والفكر

23 مارس 2017
23 مارس 2017

كلمة طنانة تستهوي القلوب يمكن أن تستخدم لدعم أي فكر ولبعث أي تصور -

متابعة: سالم بن حمدان الحسيني -

أكد سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة أن كلمة الإصلاح كلمة مطاطة يمكن أن تستخدم في أي اتجاه ولدعم أي فكر، ولبعث أي تصور؛ لأنها ذات نبرة طنانة تستهوي القلوب؛ فلذلك يسخرها كل إنسان لأجل ما يسعى إليه ويهواه وإن أصحاب الأفكار والتوجهات مهما كانت أفكارهم وتوجهاتهم يصفون حركاتهم بالإصلاح .. مشيرا إلى أن الحركات المتعددة التي وجدت في المجتمعات الإسلامية سميت حركات إصلاحية، وكثير منها كان أثره السلبي أكثر من أثره الإيجابي، موضحا أن الإصلاح الحق هو أن يرجع الإنسان إلى الله، وهو الذي أرسله الله سبحانه وتعالى به رسله، وأنزل من أجله كتبه. وأضاف: إن الأمة الإسلامية تراكمت عليها تراكمات عدة عبر القرون الماضية جعلتها تتجه ذات اليمين وذات الشمال، ولا تسلك الخط السوي لذلك فهي بحاجة إلى إصلاح من حيث العقيدة والفكر، ومن حيث السياسة والاجتماع ومن حيث الأخلاق، والاقتصاد ومن حيث التعليم، مشيرا إلى أن التصور التصحيح هو الذي ينبني عليه العمل الصالح وتنبني عليه الأخلاق الفاضلة، ويصدر عنه السلوك المستقيم فالله سبحانه وتعالى عندما أرسل رسله كان كل رسول منهم أول ما يدعو إليه هو التصور الصحيح.

وأوضح قائلا: إن كلمة التوحيد قد يتصورها البعض أنها كلمة بسيطة لا يترتب عليها كبير عناء في هذه الحياة باتباعها وحسب الإنسان أن يقولها ولكن هي في الحقيقة كلمة ينبني عليها تحويل مجرى الحياة جميعا، وهي تعني أن تكون المنهجية في هذه الحياة منهجية خضوع وانقياد لأمر الله وتقضي أن ينقاد الإنسان انقيادا تاما لأن الحكم لله .. ولذلك شقت على قريش أن تقولها، لأنهم أدركوا أنها تحول مجرى الحياة جميعا من وضع إلى وضع آخر، من حيث التصور ومن حيث الأخلاق ومن حيث التعامل، ومن حيث السياسة .. أدركوا أنها ستنزل المتكبرين من عليائهم، وسترفع المستضعفين من حضيضهم حتى تجعلهم جميعا على قدم المساواة .. ذلك ما جاء في محاضرة سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة في محاضرة له بجامعة نزوى تحت عنوان «الإصلاح» .. فإلى الجزء الأول من هذه المحاضرة:

 

الحركات المتعددة في المجتمعات الإسلامية .. أثرها السلبي أكثر من أثرها الإيجابي -

حديثنا في هذه الأمسية حديث مهم جدا لأنه يتعلق بجانبين جانب الإصلاح وجانب الشكر وكل منهما مهم إذ الإنسان مطالب بأن يصلح ويُصلح، وأن يتقي الفساد بجميع أنواعه، كما أنه مطالب أن يشكر كل نعمة أنعم بها الله سبحانه وتعالى عليه، مع أنه ليس بموف شكر أي نعمة مهما دقت، وإن استوفى طاقاته جميعا وسخرها من أجل هذا الشكر إذ الإنسان يسبح في خضم النعم ولو أنه استطاع أن يحوّل خلايا جسمه جميعا إلى ألسنة شاكرة واستطاع أن يستقطب الكائنات بأسرها فأسعفته بذراته وكانت جميعا ألسنة شاكرة وأخذت تسبح بحمد الله جميع عمره لما استطاع بذلك أن يوفي شكر أقل نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى فكيف بجلائل النعم.

وأضاف: ولا ريب أن كلمة الإصلاح ذات نبرة طنانة تستهوي القلوب فلذلك يسخرها كل إنسان لأجل ما يسعى إليه ويهواه، فالناس جميعا يحاولون أن يبدوا أنهم مصلحون في كل ما يدعون إليه وفي كل ما يعملونه وفي كل نهج ينهجونه في هذه الحياة، والله سبحانه وتعالى بين هذه الطبيعة في حياة البشر فحينما تحدث عن المنافقين قال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ) ثم رد عليه بقوله: (أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ) فهؤلاء المنافقون الذين كانوا أكثر الناس فسادا ولذلك جاءت إحدى عشرة آية في القرآن الكريم في فواتح سورة البقرة تعريهم، بينما ذكر المشركون أو الكفار الصرحاء في آيتين فقط، وهذا إنما يعود إلى ما هم عليه من الفساد العظيم ولكن مع ذلك كانوا يدعون الإصلاح، ويزعمون أنهم مصلحون، ومن هنا نرى أن جميع أصحاب الأفكار وجميع أصحاب التوجهات مهما كانت أفكارهم ومهما كانت توجهاتهم يصفون هذه الأفكار ويصفون هذه التوجهات بالإصلاح.

وبين سماحته قائلا: نحن إذا جئنا إلى كثير مما دخل على ديانات البشر من تطورات نجد أن أصحاب هذه التطورات يقولون إنها تطورات إصلاحية وإنهم يريدون بذلك الإصلاح، فعندما تحول النصارى أو طائفة منهم من الطريقة الكاثوليكية إلى الطريقة البروتستانتية التي دعا إليها لوثر سموا هذا بالإصلاح وقالوا إنهم مصلحون ولا ريب أنهم خففوا نوعا ما مما كان في الكاثوليكية إذ الكاثوليكية كانت أشد تعقيدا فلعلهم خففوا بعض هذه التعقيدات، ولكن بطبيعة الحال هناك إصلاح جاء من عند الله سبحانه وتعالى إلا أنهم عميت أبصارهم عن النظر إلى هذا الإصلاح، وقبل نحو ثلث قرن من الآن ظهر أحد نصارى العرب بوصية وكان كثيرا ما ينصف الإسلام، ويتحدث عن نبي الإسلام على أنه كان على صدق، وأنه كان يدعو إلى حق، وأن معجزته معجزة باهرة وقد قارب اتباع الحق غير أنه انحرف وادعى أنه يحاول أن يصلح بذلك، وهو المعروف بالشاعر القروي سليم الخوري فعندما بلغ من الكبر عتيا ووصل تسعين عاما كتب وصية وكان مما ذكره في وصيته هذه ما يأتي: «لقد أثبتت المصادر التاريخية أن يسوع المسيح عليه السلام كان يعبد الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد» واستمر على ذلك أتباعه إلى نهاية القرن الثالث عندما تنصّر قسطنطين عاهل الروم فأدخل في النصرانية بدعة التثليث ومالأه على ذلك بعض الأساقفة وعلى رأسهم مكارلوس الذي لقّب نفسه أرثوذكس - أي مستقيم الرأي – وعارضه آخرون وعلى رأسهم آريوس وعقدت بينهما مجامع للحوار فاز فيها آريوس بالحجة القاطعة والحق اليقين، ولكن السلطة التي هي مصدر البلاء وضعت ثقلها في الميزان فأسكتت صوت الحق، وظل الحق يتململ في قيده منتظرا آريوسا جديدا، ثم قال: وكم أتمنى وأنا الأرثوذكسي المولد أن يكون هذا الآريوس بطريركيا بطلا ينفي عن ديننا وصمة ألصقها به غرباء غربيون، وكثيرا ما كان الغرب مصدر بلائنا الديني والسياسي معا، ثم قال: «وإيمانا مني بصدق نبوة نبينا العربي وإعجابا مني بمعجزته القرآن أردت أن أكون قدوة لإخواني أدباء النصرانية فأدخل في دين الله، لكنني رأيت إصلاح ديننا الأول خيرا من الانتقال عنه إلى دين جديد، وكخطوة أولى في هذا السبيل أعلن عن عزوفي عن أرثوذكسية مكارلوسية إلى أرثوذكسية آريوسية.. إلى آخر ما جاء في وصيته». ولا ريب أنه بمقاومته عقيدة التثليث ومحاولة رد الناس إلى عقيدة التوحيد إنما يخفف ما في تلك العقيدة من الضلال غير أنه لا يكفي ذلك وهو يصدف ويبتعد عن اتباع الحق الذي يؤمن به ويعترف به أنه من عند الله سبحانه وتعالى، أي يؤمن إيمان التصديق ولا يؤمن إيمان الاتباع، فهو مصدق بأن القرآن معجزة ومصدق بنبوة النبي العربي محمد عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة والسلام، ولكنه مع ذلك انحرف عن هذا الاتباع، وذكر أن ذلك إصلاح للدين الذي كان عليه.

وأضاف: وكذلك عندما قامت الثورات الشيوعية التي أتت على الأخضر واليابس والتهمت الطارف والتليد بنارها الجهنمية الحمراء وانتهكت حرمة الإنسان، حيث قتل الإنسان وديست حرماته، وديست كرامته وصار كالآلة الصماء حسب موازينهم، كانوا يقولون إن هذا إصلاح، وإن هذه الثورات هي ثورات إصلاح، وهكذا وجدت أيضا في المجتمعات الإسلامية حركات متعددة سميت حركات إصلاحية وكثير من هذه الحركات كان بطبيعة الحال أثره السلبي أكثر من اثره الإيجابي وعندما قامت ثورة أتاتورك في تركيا سميت هذه الثورة بالثورة الإصلاحية، وقالوا إنهم أصلحوا بهذا المجتمع التركي وهم صدوا عن الله تعالى وعن كتابه وعن دينه حتى وصل الأمر أن يحرّم على المرأة المسلمة أن تلبس الخمار، وكانوا يزعمون أن هذا إصلاح، فإذن كلمة الإصلاح كلمة مطاطة يمكن أن تستخدم في أي اتجاه ولدعم أي فكر، ولبعث أي تصور، لأن من شأن الناس أن يدعوا الإصلاح.

وأشار سماحته إلى أن الإصلاح الحق هو أن يرجع الإنسان إلى الله، وأن يحاول إرجاع البشرية إلى الله، هذا هو الإصلاح الذي أرسله الله سبحانه وتعالى به رسله، وأنزل من أجله كتبه، وقد حكى الله سبحانه وتعالى محاورات أولئك المرسلين مع أقوامهم، حكى مما حكاه عنه أنهم قالوا: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) وحكى عن شعيب أنه قال: (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)، فشعيب وغيره من المرسلين كلهم كانوا ينادون بالإصلاح، والنبي صلى الله عليه وسلم عندما بعثه الله سبحانه وتعالى على حين فترة من الرسل وانقطاع من الوحي وضلال من العقول وفساد من الأخلاق وانحطاط من القيم إنما دعا إلى الإصلاح.

وأوضح قائلا: أن الأمة الإسلامية ينتابها ما ينتاب غيرها من الأمم من الأمراض المعدية ومن أنواع الطوارئ التي تطرأ عليها فلذلك هي في كل دور أيضا بحاجة إلى الإصلاح، وعلى الأمة أن تبحث عن نهج الإصلاح، فهي بحاجة إلى الإصلاح من حيث العقيدة والفكر، وبحاجة إلى الإصلاح من حيث السياسة والاجتماع وبحاجة إلى الإصلاح من حيث الأخلاق، والاقتصاد وبحاجة إلى الإصلاح من حيث التعليم، بل الأمة كلها بحاجة إلى الإصلاح، ولا ريب أن هذه الأمة تراكمت عليها تراكمات عدة عبر القرون الماضية، هذه التراكمات كانت لها أسباب سياسية فيما تقدم وأسباب أخرى جعلت هذه الأمة تتجه ذات اليمين وذات الشمال، ولا تسلك الخط السوي، فبعدما انطوى عهد الخلافة الراشدة وجاء دور الملك العضوض وتسلط بنو أمية على رقاب هذه الأمة يسومونها سوء العذاب وجدت في الأمة تراكمات عدة لذلك كانت هذه الأمة من ناحية الفكر كانت بحاجة إلى الإصلاح لأن التصور التصحيح هو الذي ينبني عليه العمل الصالح وتنبني عليه الأخلاق الفاضلة، ويصدر عنه السلوك المستقيم ولذلك نحن نرى أن الله سبحانه وتعالى عندما أرسل رسله كان كل رسول من أولئك الرسل إنما يدعو أول ما يدعو إلى التصور الصحيح، كما قال سبحانه وتعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)، ويقول: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)، والله سبحانه وتعالى يحكي عن نوح وعن هود وعن صالح وعن شعيب عليهم السلام أنهم جميعا قالوا لقومهم: (اعبدوا الله ما لكم من إله غيره)، وحكى عن المسيح عليه السلام أنه قال: (وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) ونحن عندما ننظر إلى القاعدة التي تقوم عليها هذه الدعوات دعوات المرسلين نجد أن القاعدة إنما هي التوحيد «لا إله إلا الله» وهذه الكلمة قد يتصورها البسطاء من الناس أنها كلمة بسيطة وأنها لا يترتب عليها كبير عناء في هذه الحياة باتباعها وحسب الإنسان أن يقولها ولكن هي في الحقيقة خلاف ذلك، هي كلمة ينبني عليها تحويل مجرى الحياة جميعا، ولو كانت هذه الكلمة كلمة بسيطة لما شقت على قريش أن تقولها، وإنما شق عليها أن تقولها لأن قريشا كانت أعرف العرب بمضامين الكلام العربي، فقد كانوا ذؤابة العرب وكانوا أفصح من نطق بالضاد، فكانوا مدركين لما يترتب على هذه الكلمة وقد أدركوا أنها تحول مجرى الحياة جميعا من وضع إلى وضع آخر، تحول مجرى الحياة من حيث التصور ومن حيث الأخلاق ومن حيث التعامل، ومن حيث السياسة مع الناس؛ فلذلك شق عليهم أن يقولوها لأنهم أدركوا أنها ستنزل المتكبرين من عليائهم، وسترفع المستضعفين من حضيضهم حتى تجعلهم جميعا على قدم المساواة، لا فرق بين إنسان وإنسان، فلا إله إلا الله وإنما الألوهية لله تعالى وعلى الإنسان ألا يخضع رقبته وألا يحني ظهره ولا يطأطئ رأسه إلا لله سبحانه وتعالى، فلله تعالى تعلو الوجوه ولله تعالى تخر الجباه، ولله سبحانه وتعالى تنقاد القلوب، وبالله تعالى تتعلق النفوس، فهم أدركوا هذا وقد شق عليهم أن يتساووا مع من يرونهم في الحضيض.

وأضاف: ولا ريب أن القرآن الكريم جاء ليترجم هذه الكلمة سواء من حيث العمل أو من حيث الاجتماع أو من حيث الأخلاق أو من حيث العبادة، والله سبحانه وتعالى علمنا أن نقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، أي لا نعبد إلا إياك ولا نستعين إلا إياك، وقد بيّن سبحانه وتعالى أن الإيمان يقتضي الطاعة المطلقة.. (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا)، فالله سبحانه وتعالى جاءنا بمنهج سوي وبين سبحانه وتعالى أن الإيمان يقتضي التفاعل مع كل جزئية من الجزئيات التي تترجمه حتى يصبح هذا الإيمان حيا في حياة الناس، وأنتم ترون في الكتاب العزيز كيف وصف المؤمنون الذين هم مؤمنون حقا.. (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ)، ويقول سبحانه وتعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ، الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) والله سبحانه وتعالى أيضا بيّن صفات المؤمنين عندما ذكر أنه اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة، وصف هؤلاء المؤمنين بما وصفهم به، إذ يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآَمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) فقد ذكر تسع صفات وكل صفة منها كما يقول المناطقة: هي جامعة مانعة. وحسبكم ما ابتدئ بذكره من هذه الصفات، «التائبون» والتوبة تعني أن يتوب الإنسان من كل خطيئة، وما ذكر أيضا في خاتمتها «والحافظون لحدود الله» فهذه هي صفات المؤمنين وبهذه جاءت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لتبين أن هذا هو الإيمان. وأوضح سماحته قائلا: إن «لا إله إلا الله» تقضي أن ينقاد الإنسان انقيادا تاما لأن الحكم لله.. (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ)، وفيما يتعلق بالناحية الاجتماعية أيضا يبين الله سبحانه وتعالى لنا أنه ليس بينه وبين أحد من خلقه نسب وليس بينه وبين أحد من خلقه سبب إلا التقوى، فلا تفاضل بين الناس بالأنساب والأحساب إنما الناس سواسية بين يدي الله تعالى، فالله سبحانه وتعالى يقول: (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، فالناس يتفاضلون بالتقوى لا بالأحساب والأنساب ولا بالمناصب والأموال ولا بأي شيء مما زين للناس في هذه الحياة الدنيا، وهذا يعني أن تكون المنهجية في هذه الحياة منهجية خضوع وانقياد لأمر الله.