أفكار وآراء

أفعى « داعش » ستظل حية لفترة غير قصيرة !!

21 مارس 2017
21 مارس 2017

د. فالح حسن الحمراني -

كاتب من العراق يقيم في موسكو -

[email protected] -

تتوارد الأنباء عن أنشطة تنظيم داعش السرية في المناطق التي اعلن عن تحريرها بالعراق وأنها توسع نفوذها من خلال الخلايا النائمة لأنصارها.    

يشير كل تاريخ الإرهاب الى ان منظماته تتحول كالحرباء من شكل الى آخر، ومن تشكيلة الى اخرى، وان اساليبه تختلف من مرحلة الى اخرى وفق التطورات على الساحتين الدولية والإقليمية، فالإرهاب فكرا وعقيدة من جهة ، ومن جهة اخرى كما تؤكد لنا معطيات استخباراتية متنوعة، وسيلة تلجأ لها بعض القوى لتمرير خططها ومواقفها من هذا المشكل او ذاك.

وليس تنظيم الدولة الاسلامية، او ما يسمى في التعبير الشائع في الشارع العربي والتقطته المنابر الدولية والإعلامية « داعش» ليس استثناءا عن ذلك، وان الحرب معه ستكون طويلة وذات أشكال متعددة.

ولم يتجاوز وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ، الدبلوماسي المشهود له بالنظرة بعيدة المدى الحقيقة عندما قال : ان إلحاق الهزيمة بالجماعة الإرهابية

« داعش» في سوريا والعراق لن يحل مسألة اجتثاث الإرهاب، وان المواجهة العقائدية (الايديولوجية) مع هذه المنظمة وانصارها سوف تستمر. وبرأي «لافروف» ان «داعش» تختلف عن الجماعات الارهابية الاخرى ، كونها اعلنت ان هدفها هو ببساطة ليس فقط إلحاق الضرر بكل من تصنفه «كافرا» سواء كان من الاديان الاخرى او في داخل الاسلام، وانما اقامة دولة. منوها ان «داعش» تعاملت لوقت ما، مع ذلك بفعالية كافية، ونظمت الحياة في بعض المناطق بأساليبها وقواعدها الوحشية.

وعُزِي ازدهار «داعش» لبعض الوقت الى غياب تحالف دولي فاعل وشامل لمحاربته، وتعددية القوى التي تدخل معه في مواجهات في سوريا والعراق مما يسفر عن سقوط المئات من المدنيين وملايين اللاجئين فضلا عن تدمير المدن والقصبات.

ان تحقيق النصر الكامل على تنظيم الدولة الاسلامية - داعش - لن يحل المشاكل التي يعاني منها الجزء الاعظم من الشرق الاوسط. فتنظيم داعش الارهابي ليس بالمشكلة الاساسية، والتي كانت دائما نتاجا لانعدام التوازنات في المجتمعات والحكومات والاغتراب بينهما. والاحتمال الاكثر واقعية ان تنظيم الدولة الاسلامية - داعش - سينشط من جديد ، كجماعة سرية، حينما سيفقد جزءا من المناطق التي يسيطر عليها، ولا سيما بعد سيطرة القوات المناوئة له على الموصل في العراق والرقة في سوريا . وهذا ليس بالجديد.

فداعش والجماعات الارهابية التي نشأت منها نشطت بهذا الاسلوب في العراق بعد اسقاط نظام صدام حسين.

والفاجعة تكمن في ان الوضع الحالي أسوأ بكثير عما كان عليه. وتتوارد الانباء عن انشطة تنظيم داعش السرية في المناطق التي اعلن عن تحريرها بالعراق وانها توسع نفوذها من خلال الخلايا النائمة لأنصارها. وشهدت على ذلك الاعمال الارهابية في كركوك والرطبة وسنجار وحتى في بغداد. وحاول تنظيم « داعش» في سوريا إعادة السيطرة على تدمر وآثارها التاريخية الفريدة من نوعها والحاق المزيد من الضرر فيها.

واضافة لذلك فان مجسات « اخطبوط الارهاب» تمتد اكثر في العالم وتطال اهدافا جديدة، عبر « مواقعه». ان نفوذ « داعش» واسع، بيد انه ليس على نمط واحد، ولديه، كما يتضح من مختلف التقارير الاستخبارية والتحليلية، فروعا او منظمات تابعة في القوقاز وليبيا ونيجيريا (من خلال بوكو حرام) وفي اليمن وافغانستان وبعض الدول العربية. وسيتضح فيما ستحافظ هذه المنظمات المحلية على وجودها، فقط بعد هزيمة داعش في سوريا والعراق.

في غضون ذلك يتأمل المحللون والخبراء فيما اذا سيمكن العودة الى الاوضاع التي كانت قائمة قبل بسط داعش سيطرتها على اجزاء كبيرة من العراق وسوريا؟. وثمة اجماع على ان إلحاق الهزيمة بتنظيم داعش لن يكون عملية تطهير يسود بعدها السلام، وقد تكون تلك الهزيمة عاملا مساعدا اضافيا على تطورات مثيرة للقلق.

والسؤال الذي يطرح نفسه بمشروعية تامة يدور عما اذا ستعود المناطق التي كانت يسيطر عليها التنظيم لسيادة اصحابها الشرعيين اي العراق وسوريا.

وفي هذه الحالة ينبغي التفريق بدقة بين الحالة العراقية والوضع السوري. فالمعروف ان الهجوم على داعش في العراق اصبح ممكنا فقط بعدما بلغت القوى السياسية الشيعية والكرد والسنة نوعا ما من الاجماع الداخلي واتفقت فيما بينها ، على اولوية شن الحرب ضد داعش والتخلص منه ، والاكثر من هذا فمن سيدير هذه المناطق ؟ .

والصورة في سوريا تختلف حيث لم يوجد اتفاق جماعي ، حتى الآن على الاقل ، لكافة القوى السياسية. فالنظام السوري يدفع بكل قواه لمحاربة التشكيلات المسلحة للمعارضة السورية ، التي تهدد وجوده، بينما وضع الحرب مع تنظيم داعش يأتي في المرتبة الثانية.

وتحارب اليوم بشكل جدي ضد داعش ما يعرف بـ « قوى سوريا الديمقراطية» وهي تحالف تترأسه «وحدات الدفاع الذاتي» الكردية ، ويضم ميليشيات كردية وعربية وسريانية وأرمنية وتركمانية تشكلت بإشراف ودعم وتمويل امريكي بما في ذلك بالسلاح.

ان الطريق نحو اجتثاث تنظيم داعش ، و أنشطته الوحشية وتداعيات ما قام به في العراق وسوريا ، ومناطق تواجده خارجهما ، سيكون طويلا وشاقا في نفس الوقت. ويستدعي بالدرجة الاولى اتفاق اللاعبين الاساسيين روسيا وامريكا والعراق وايران والسعودية في مواجهته، وذلك عبر التوصل الى تفاهمات وتنسيق للجهود ووضع حد للحرب الباردة بينهم، والتخلي عن الأهداف الخاصة ببسط النفوذ وسعي بعضهم لتفتيت الشرق الاوسط لتسهيل هيمنته على دوله. فضلا عن ذلك ينبغي القيام بعمل عقائدي واسع لمحاربة الفكر التكفيري والطائفي والعودة الى قيم الاسلام السمحة. وبغيره فان أفعى داعش ستبقى حية لفترة طويلة أخرى.