أفكار وآراء

ترجمات :محمود عباس يعتبر أفضل شريك سلام لإسرائيل

14 مارس 2017
14 مارس 2017

إلهانان ميلر - نيويورك تايمز -

ترجمة : أحمد شافعي -

غالبًا ما يعمد القادة السياسيون إلى الانتقائية في المعلومات التي يشركون الرأي العام فيها. وهو ما يعني بالنسبة لبنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل أن يخفي الموقف الحقيقي لرئيس السلطة الفلسطيني محمود عباس بشأن «يهودية دولة» إسرائيل بوصفها.

فيما كان واقفًا بجوار الرئيس ترامب في مؤتمر صحفي عقد في واشنطن في الخامس عشر من فبراير الماضي حدَّد رئيس الوزراء نتانياهو شرطين لازمين لتحقيق السلام مع الفلسطينيين: في ظل أي اتفاقية لا بد أن تحافظ إسرائيل على السيطرة الأمنية الكاملة على غرب نهر الأردن، ولا بد أن يعترف الفلسطينيون بيهودية دولة إسرائيل. ولكن الرئيس عباس اعترف بالفعل بطبيعة إسرائيل اليهودية هذه، قبل أكثر من عقدين من الزمن.

ففي حوار مع صحيفة الشرق الأوسط التي تصدر من لندن سنة 1994، ذهب الرئيس عباس إلى أن الحضور اليهودي في فلسطين كان يختلف اختلافًا أساسيًا عنه في أي مستعمرة غربية. وفي مناقضة لرؤية العرب لليهود بوصفهم جماعة دينية صرفة لا جماعة قومية أيضًا، اعترف الرئيس عباس بأن ما دفع اليهود إلى الهجرة إلى إسرائيل كان مزيجًا من المطامح الدينية والقومية.

وقال إنه «بسبب أمور عديدة، أمكنهم أن يقيموا دولة يهودية في فلسطين، كان أغلب سكانها من مواليد الدولة. وهذه حقيقة أليمة يرفض الكثيرون أن يتفهموها».

لغة الرئيس عباس المشحونة التي تكلم فيها عن «الكفاح القومي» تخفي حقيقة مدهشة، هي أنه الزعيم العربي الوحيد الذي اعترف علنا بطبيعة إسرائيل اليهودية بما يقرُّ ضمنيا بحقها القومي وسط مناخ سياسي عدائي يشبِّه بصفة عامة اليهود الإسرائيليين بالغزاة الصليبيين.

والرئيس عباس يواجه اليوم تحديات سياسية جسيمة. فقد انتهى استطلاع للرأي إلى أن ثلثي المشاركين فيه يريدونه أن يستقيل من منصبه، بما يسجل ارتفاعا من نسبة 61% قبل ثلاثة أشهر. فضلاً عن أن منتقديه العرب يتهمونه باتهامات مختلفة بصفة شبه يومية. وبرغم هذا، فقد أعيد نشر ذلك الحوار البارز في كتيب صدر سنة 2011 في رام الله ورفع على موقع الرئاسة على الإنترنت، ولم يتنصل منه «عباس» قط.

قد يقول البعض: إن الرئيس عباس يقبل بيهودية إسرائيل كأمر واقع فقط وليس باعتبارها حقًا تاريخيًا. ولكن أي فارق يمثله هذا في ما يتعلق بغرض تحقيق السلام؟

ولا أساس لمخاوف اليمين الإسرائيلي من أن يستعمل الفلسطينيون عدم الاعتراف بيهودية الدولة ليغرقوا إسرائيل بمهاجرين فلسطينيين يغيِّرون التوازن الديموغرافي. وليس ذلك فقط لأن أمن إسرائيل قائم على استمرارها في السيطرة على حدودها، بل لأن الرئيس عباس أيضًا يستبعد هذه الاستراتيجية بوضوح. ففي حوار سنة 2012 مع التلفزيون الإسرائيلي، نبذ الرئيس عباس عودة اللاجئين الفلسطينيين غير المحدود، ونسلهم، بمن فيهم هو نفسه.

فقال عن بلدته الأصلية صفد التي رحل عنها وهو في الثالثة عشرة من عمره أثناء حرب 1948 إن «حقي هو أن أراها لا أن أعيش فيها». ولما سئل إن كان يعتبر صفد جزءًا من فلسطين رد الرئيس عباس بقوله إن فلسطين بالنسبة له هي الأراضي الواقعة خارج حدود 1967 ومن ضمنها القدس الشرقية «الآن وإلى الأبد».

ولما كان ذلك كله كذلك، لماذا يرفض الرئيس عباس الآن أن يكرر اعترافه بيهودية دولة إسرائيل؟

أولاً، لم يطلب أحد من مصر أو الأردن ـ وهم البلدان العربيان الوحيدان اللذان وقعا اتفاقية سلام مع إسرائيل ـ بذلك. ومطالبة الرئيس عباس بذلك الآن ـ وهو من أضعف زعماء المنطقة وأقلهم شعبية ـ أمر لا مبرر له وليس فيه من الإنصاف شيء. فشخصية إسرائيل القومية مسألة تخصها، ولا تتطلب إقرارًا فلسطينيًا.

وهناك سبب أسوأ غالبًا ما يشير إليه الرئيس عباس، وهو أنه في ظل مناخ إسرائيل السياسي الراهن، قد يكون في الاعتراف بيهودية إسرائيل انتقاص من الوضع المدني لمواطني إسرائيل العرب الذين يرون أنفسهم إلى حد كبير فلسطينيي الهوية. لقد مرّر البرلمان الإسرائيلي في يوليو تشريعا يمكِّن أغلبية النواب بطرد زميل لهم بناء على تحريض على العنف أو الإرهاب. وقد حذَّر اتحاد الحقوق المدنية من أن هذا التشريع قد يستعمل في إخراس النواب العرب أو إبعادهم.

وفي حملة 2015 الانتخابية اقترح وزير الدفاع أفيجدور ليبرمان إعادة تعيين حدود إسرائيل بما يقصي البلدات العربية، ودفع إلى دمجها مستقبلا في دولة فلسطينية. ولا يزال يلح على هذه الفكرة.

فقال لبرنامج «واجه الصحافة» أخيرًا: «إنني أريد أن أنفصل عن الفلسطينيين المقيمين هنا داخل حدود 1967».

ومضى يقول: «لو أنكم فلسطينيين، اذهبوا إلى أبي مازن وكونوا مواطنين في السلطة الفلسطينية، وليدفع لكم إعانات البطالة والتأمين الصحي وإجازة الأمومة». في هذا المناخ العدائي، تصبح المخاوف بشأن مستقبل الإسرائيليين العرب الذين يختارون عدم الانتقال إلى «فلسطين» مشروعة.

وفي المقابل، يجدر بنا أن نلاحظ أن الرئيس عباس لا يدعم دولة فلسطينية لا يمكن أن يعيش فيها يهود، خلافا لمزاعم رئيس الوزراء نتانياهو. ففي مقترح السلام الذي تم التوصل إليه سنة 1995 بمشاركة السياسي الإسرائيلي يوسي بيلين (ونشر قبل أيام من اغتيال رئيس الوزراء إسحاق رابين، ومن ثم لم يكتب له التطور قط) وضع الرئيس عباس ملامح مقترحات لاستيعاب مواطنين يهود في دولة فلسطينية: سيكون مسموحا لليهود بالبقاء في مجتمعات مفتوحة للفلسطينيين، خلافا لحال المستوطنات الحالية، بوصفهم مواطنين فلسطينيين، أو يكون بوسعهم إن شاءوا مقيمين غرباء محتفظين بمواطنتهم الإسرائيلية.

ومرة أخرى، فإن القبول باليهود كمواطنين ليس بالأمر الجديد على الرئيس عباس. ففي عام 1977 انتقد العالم العربي لانقلابه على مواطنيه اليهود في أعقاب تأسيس إسرائيل سنة 1948، مرغما إياهم على الهجرة إلى إسرائيل. قال «إن تعامل الأنظمة العربية مع المواطنين اليهود مؤسف ومؤلم» ولا يمكن أن يوصف إلا باعتباره داعيا للحرج حسبما قال في كتابه «الصهيوينة: البداية والنهاية».

بوسع رئيس الوزراء نتانياهو أن يستمر في استعمال الاعتراف بـ«يهودية الدولة» لعرقلة المحادثات بما يمكّنه من مهاجمة خصم ضعيف. وبوسعه أيضًا أن يؤكد على مواقف الرئيس عباس المعلنة ويستعيد للجانبين النية الطيبة ويمكِّن المجتمع الدولي من تحسين جهود السلام. وهذا هو الخيار السياسي الذي ينبغي على رئيس وزراء إسرائيل أن يقوم به.

كاتب المقال صحفي مقيم في القدس وباحث زميل لمنتدى الفكر الإقليمي.