الملف السياسي

لمـاذا تأخر الحـل فـي لـيبيا؟

13 مارس 2017
13 مارس 2017

عبدالله العليان -

لا تزال القضية الليبية تراوح مكانها، على الرغم من أن هناك العديد من التوافقات قد حصلت في العامين الماضيين، بين العديد من القوى السياسية الليبية في داخل ليبيا وخارجها، ولعل أهمها الاتفاق الذي تم في قصر الصخيرات بالمملكة المغربية في 2015، وبرعاية الأمم المتحدة، وبدعم من العديد من القوى الإقليمية والدولية، وكان التوقع آنذاك أن هذا الاتفاق هو الحل النهائي بين الأطراف الليبية المختلفة على كيفية إقامة نظام سياسي جديد في ليبيا، يجمع كل التيارات والتكتلات السياسية، ومع وصول الحكومة الليبية الجديدة التي تأسست بعد اتفاق الصخيرات، إلى طرابلس برئاسة فايز السراج، وبدعم الأمم المتحدة، وأكثر الأطراف الدولية تأثيرا، فان كل التوقعات باتت أن الأزمة الليبية أصبحت في متناول الحل، خاصة أن حكومة السراج تحظى بقبول كبير من أغلب الأطراف السياسية الليبية، ومن الدول التي تتابع هذه الأزمة، لكن بعض القوى العسكرية الليبية وبعض المليشيات المتطرفة، لا تريد حلا توافقيا، بل تحاول أن تؤزم القضية، بتحركات في بعض المناطق ومنها محاولة السيطرة على منابع النفط، لمحاولة إجهاض الحل التوافقي، وهذا الذي عانت منه حكومة السراج التي تضم أغلب أطياف التيارات السياسية الليبية، وبعد اللقاء الذي تم في السلطنة، وعقد في صلالة، ثم العاصمة مسقط، بين أعضاء الهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور الليبي العام المنصرم، وكان التوقع أن الحل أصبح قريباً بين الأطراف الليبية المختلفة على كيفية إقامة نظام سياسي جديد في ليبيا، كان التفاؤل كبيراً عند أكثر المراقبين، لكن للأسف أن الخلافات السياسية المستمرة ساهمت في تردي الأوضاع، وهذا ما ساهم في تدهور الأزمة، كما أن ظهور داعش هو نتيجة من نتائج الخلافات والتوترات السياسية بين الفرقاء الليبيين منذ سنوات، والإشكالية أن هناك تدخلات دولية وعربية في الشأن الليبي، وهذا التدخل من كل طرف من الأطراف، إن كل طرف يهمه النظام الجديد الذي يحكم ليبيا، أن يكون متوافقاً معه فكرياً وسياسيا، وكل طرف يتحرك وفق المصلحة الخاصة التي يراها تتناسب مع أيديولوجيته الفكرية، لكن على حساب هذا البلد واستقراره ووحدة أراضيه، حيث ان بعض المهتمين بالشأن الليبي يتخوفون من تقسيم البلد الكبير والغني، إلى كانتونات إدارية وسياسية، إذا استمر الصراع والانقسام السياسي، وقد تتحول إلى صراعات وحروب داخلية، وتسهم في الهدم وليس في البناء، وهذا هو الخطر الذي يتخوف منه البعض، إن لم يتفق الجميع على رؤية واحدة، ويتوافقوا على الحل السياسي الذي يجعل من التداول السلمي للسلطة مساراً جديداً لليبيا. والحقيقة أن مجلس الأمن، أصدر بياناً أعلن فيه تأييده لحكومة الوفاق الوطني بعد إعلانها، باعتبارها الحكومة المعترف بها في ليبيا التي تضم الجميع المطالبين بالحل السلمي.

ولكن لم يكن الحال كذلك، كما يقول/‏‏ محمد محمود السيد مع «فرقاء الداخل، فبالرغم من توقيع 100 نائب من برلمان طبرق على عريضة بالموافقة على حكومة السراج في 23 من فبراير 2016، بيد أن الحكومة فشلت حتى الآن في الحصول على الثقة من جانب برلمان طبرق؛ بسبب العجز عن تحقيق النصاب القانوني لجلسات التصويت على مدى أسابيع. كما أعلنت حكومة الإنقاذ (التي تشكلت في الغرب) برئاسة خليفة الغويل، رفضها لتشكيل حكومة السراج، وبالتالي رفضها تسليم مهام الحكم لها في طرابلس. ومع استمرار الضغوط الدولية والإقليمية على الأطراف الفاعلة الساحة الليبية، وتلويح الاتحاد الأوروبي بورقة العقوبات على كل من يعرقل عمل حكومة الوفاق، بدأت المواقف الداخلية الرافضة لحكومة السراج في التحلحل تدريجياً، وهو ما مكَّن أعضاء الحكومة من البدء في دخول طرابلس، لممارسة مهامهم، في 30 من مارس 2016». والمليشيات، وأيضاً قوات اللواء حفتر، لهما أجندات أخرى مخالفة للكثير من توجهات الحل بعد اتفاق الصخيرات، وتفترق عن حكومة الوفاق، على الرغم من التحرك المصري الكبير، لجمع الفرقاء للحل السلمي، وترتيب اللقاء بين حكومة الوفاق برئاسة السراج، وبين اللواء حفتر، لكن الحل لم يتم حتى الآن، وهناك عقبات عديدة كما يبدو تبرز بين الحين والآخر، ويجمع المراقبون على أن المليشيات وقوى دولية، تساهم في التأزم، فلو أرادت هذه الدول الحل، لكان تأثيرها كبيراً على كل الفرقاء من مدنيين وعسكريين، والقضاء على المليشيات أمر سهل، لكن يبدو أن بعض القوى لها مصالح مختلفة في الأزمة الليبية، ولا شك أن التدخلات الدولية تساهم أحياناً في تعكير الأجواء، لأن البلد يحتاج في الوقت إلى حلول سياسية توحد القوى، ثم تأتي مواجهة التطرف والتكفير، لكن ما دام الخلاف لا يزال قائما، فإن التطرف يقتات على هذه المشكلات والخلافات، ويستفيد من هذه الأجواء السياسية الراهنة. ولا شك أن هناك مشكلات وتحديات قائمة تساهم في عدم إيجاد حل دائم وثابت، من الكثير من القوى داخل وخارج ليبيا، قد لا يدرك الآثار المخاطر الكبيرة لاستمرار الصراع، والذي قد ينذر بتدخلات دولية بشكل أوسع كما أشرنا آنفاً، وربما يجعلها إذا استمر هذا الصراع تحت تأثير الأطراف الدولية بشكل أو بآخر، أو ربما لفرض حل دولي على الليبيين، ولذلك فإن المطلوب من جميع الفرقاء السياسيين الليبيين المخلصين، ان يدركوا المخاطر المحدقة بهذا الصراع الذي دخل عامه الخامس، ومن المهم أن تعرف كل القوى في ليبيا، انه لا منتصر فيهم في هذا الصراع، وان الخاسر هو البلد نفسه ومواطنوه، وان الاتفاق والتوافق، وتقديم مصلحة الوطن الليبي هو ما يجب أن يقدم على كل المصالح الذاتية، وهذا ما يجب على الأطراف الليبية أن تستشعره، بل أن تتحول ليبيا إلى حروب داخلية، بين القوى المختلفة على الحل السلمي، والقبول بالتوافق، الذي يجمع كل الفرقاء.