أفكار وآراء

محدودية فرص المقاربة السياسية في سوريا وغياب الفاعلية العربية

12 مارس 2017
12 مارس 2017

العزب الطيب الطاهر -

,, لا يبدو أن ثمة مجالا بات متاحا لمقاربة سياسية حقيقية لإنهاء حالة سفك الدماء السائدة بضراوة في سوريا منذ مارس 2011 أي ما يقترب من ست سنوات ,,

تلك هي النتيجة التي يمكن بلورتها عبر متابعة وقائع جنيف 4 ، التي انطلقت قبل نحو أسبوعين دون أن يحدث خلالها اختراق حقيقي لمحددات العملية التفاوضية بين ممثلي الحكم في سوريا و ممثلي المعارضة، برعاية استيفان دي ميستورا المبعوث الخاص للأمم المتحدة ، والذي عبر مع بداية هذه الجولة الجديدة عن عدم تفاؤله بإمكانية تحقيق نتائج تقود الى خطوات عملية تسهم في إنهاء الصراع الدموي، الذي أفضى الى مقتل ما يقرب من نصف مليون شخص وبعض التقارير تشير الى أكثر من 600 ألف شخص، فضلا عن نصف مليون معوق ،ولجوء ونزوح نحو نصف عدد سكان البلاد ، تمهيدا لإدخال البلاد الى خندق الخيارات السياسية .

وعلى الرغم من أن جولة جنيف الرابعة شهدت تفاعلات عديدة، قليلها إيجابي وكثيرها اتسم بجوانب سلبية إلا أن مختلف الأطراف بدت أكثر تصلبا في التمسك بمواقفها السابقة، والتي تنطوي على حواجز جوهرية تحول دون المقاربة السياسية، بل إنه تم إعادة ما جرى غير مرة في الجولات الثلاث و التي منيت جميعها بفشل، وإن حققت تحولا وحيدا يتمثل في قبول الطرفين : النظام الحاكم والمعارضة الجلوس على طاولة التفاوض، وحتى وإن كان بصورة غير مباشرة في معظم الأحوال، وظلت المعضلة الرئيسية كامنة في اصرار ممثلي النظام على طرح قضايا ومفردات ، تعطى الأولوية لما يطلق عليه بمحاربة الإرهاب في حين تتمسك المعارضة بضرورة مناقشة الانتقال السياسي وهو ما يرفضه النظام حتى لا يكون مصير الرئيس بشار الأسد مطروحا للمساومات في ظل قناعته بضرورة بقائه حتى العام 2022 ، موعد إجراء انتخابات رئاسية، وفق تصور النظام بالطبع، وإن كانت بعض التقارير الواردة من جنيف تفيد بأن ممثلي النظام قبلوا على مضض مناقشة عملية الانتقال السياسي، بناء على ضغوط من روسيا التي تقبض على مفاصل المشهد السوري، ليس عسكريا فحسب وإنما سياسيا أيضا، غير أن المشكلة تظل قائمة في ضوء تباين منظور طرفي المعادلة السورية : النظام والمعارضة لمعنى الانتقال السياسي، وأي مرجعية يمكن الاستناد اليها هل هي بيان جنيف 1 الصادر في نهاية يونيو 2012 ،أم قرار مجلس الأمن رقم 2254 وكلاهما لم يطرح إشكالية بشار الأسد ولكنهما ترك الأمر على قدر من الغموض .

ومع ذلك ثمة معطيات أو بالأحرى متغيرات جديدة فرضت حضورها على وقائع جنيف - وفقا لرؤية صافيناز محمد أحمد الباحثة المتخصصة في الشؤون السياسية العربية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية -أولها تمثل في اتجاه مجموعة توافقات إعلان موسكو، المعنية بالهدنة التي تم تدشينها بين النظام والمعارضة أواخر العام الماضي، وتضم روسيا وتركيا وإيران، إلى تهميش الهيئة العليا للمفاوضات عبر فتح مسار جديد للتفاوض مع ممثلي المعارضة المسلحة، ما مثل تحولًا نوعيًّا في توجهات تلك القوى وتحديدًا روسيا، بعد قناعة بأن الفصائل المسلحة هي المتحكم الحقيقي في مسار الأزمة على أرض الواقع، وأن بإمكانها فرض واقع جديد سواء بالتهدئة وقبول وقف إطلاق النار أو باستمرار التصعيد والمواجهة. ويشير ذلك إلى احتمال أن تكون توجهات الدول المعنية بالأزمة، وتحديدًا روسيا وتركيا، جادة بشأن التسوية، لاسيما وأن هناك بعض المستجدات التي قد تدفع نحو هذا التصور، أبرزها رغبة روسيا في الخروج التدريجي من سوريا وترجمة مكاسبها العسكرية في معركة الشمال السوري بحلب إلى واقع سياسي عبر العودة إلى مسار التفاوض من جديد بما يضمن مصالحها وخريطة نفوذها الجديدة في سوريا.

ويكمن ثانى هذه المتغيرات في التقارب التركي مع روسيا رغم اختلاف موقفيهما الاستراتيجي من الأزمة. وقد دفع هذا التقارب نحو استعادة مسار التسوية؛ على أن تمارس كل منهما الضغوط على طرفي الصراع؛ تركيا بالنسبة للمعارضة، وروسيا بالنسبة لنظام الأسد بما يدفع الطرفين إلى تقديم تنازلات كفيلة بتسوية الصراع، مع ملاحظة أن نتائج معركة حلب وتداعياتها ، تفرض على معادلة الصراع والتسوية أن تكون المعارضة هي الطرف المُطَالَب بتقديم تنازلات جادة ترجمة لمستجدات توازنات القوى بينها وبين النظام لصالح الأخير، ولكن - والكلام لكاتب هذه السطور- فإن المعارضة لم تشأ أن تقدم التنازلات المطلوبة من قبل النظام بحسبانها هزمت أمامه، بل أظهرت على العكس من ذلك حرصا أكبر على مطالبها ومشروعها للتغيير السياسي في سوريا مع إظهار قدر من المرونة المدروسة، على نحو يقفز على الرقم الذي يمثله بشار الأسد، والذي بات يشعر بقوة أكبر بعد استعادة حلب من المعارضة .

أما المتغير الثالث، فيتعلق برغبة الدول الأوروبية في احتواء تداعيات الأزمة السورية على القارة الأوروبية، والتي كان من أبرزها طوفان الهجرة البشرية إلى أراضيها، والضربات الأمنية التي يقوم بها تنظيم «داعش» داخل مجتمعاتها، يضاف إلى ذلك تولي إدارة أمريكية جديدة الحكم تناصب إيران العداء، وهي - أي ايران - أكبر داعم إقليمي لنظام الأسد، ما قد يترتب عليه تغيرًا في سياسة واشنطن تجاه الملف السوري بصورة تختلف عن سياسة الإدارة السابقة ، الأمر الذي تتخوف منه إيران حيث تترقب صفقة كبرى من تفاهمات روسية - أمريكية بشأن سوريا، قد تقلص من مساحة النفوذ السياسي والعسكري لها هناك، كما تتخوف من توجه تركي - عربي برعاية أمريكية، لتطويق التمدد الإيراني عبر التنسيق التركي السعودي، الذي تُرجم في زيارة الرئيس رجب أردوغان للرياض مؤخرًا، وهكذا تصبح اولويات إيران الحفاظ على مجموعة من الضمانات الأمنية والسياسية، التي تكفل لها تأمين التواصل بين سوريا ولبنان، حيث قواعد حزب الله في منطقة الحدود اللبنانية السورية وتحديدًا في القلمون، مع قدر من الاعتراف بحضورها السياسي، عند صياغة النظام السياسي السوري الجديد عبر التسوية الدولية والإقليمية المحتملة.

وثمة حقيقة واضحة مؤداها أن المعارضة تواجه في المرحلة الراهنة معضلة محدودية البدائل المتاحة أمامها ,في ضوء الخسائر العسكرية التي تكبدتها في مواجهة النظام وحلفائه الدوليين والإقليميين، والتحول في موقف تركيا التي مثلت بوابة التمويل والإمداد والتدريب لعناصر المعارضة السورية، وهو ما دفعها الى إجراء عملية تقييم مسيرتها وتقليل حجم الخسائر عبر استيعاب جيد لمتغيرات العلاقة بين القوى المعنية بالصراع، ورصد التباينات أو التقاطعات في خريطة مصالح تلك القوى،على نحو يمكنها من تعويض حالة عدم التوازن بينها وبين النظام نتيجة انتصاراته الميدانية الأخيرة.

تبقى الإشارة الى بعد شديد السلبية، يكمن في غياب النظام الإقليمي العربي عن التأثير على مجريات» جنيف 4 « ومن قبل مباحثات «استانا 1» و«استانا 2» والتي لم يشارك فيها أي طرف عربي سوى الأردن في «استانة 1» وضمن المشاورات ذات الطابع الفني حول تثبيت وقف إطلاق النار، ولكن دون أن يكون ثمة حضور ملموس للنظام العربي والذي نأى بنفسه منذ العام الثاني للأزمة السورية عندما حولت الجامعة العربية ملفها الى مجلس الأمن والمجموعة الدولية التي اتخذت أكثر من مسمى : مجموعة أصدقاء سوريا ومجموعة الدعم لسوريا، والتي توصلت الى جملة من المحددات تجسدت في خارطة طريق حظيت بالشرعية الدولية، من خلال إصدار مجلس الأمن لقراره رقم 2254 فى نهاية ديسمبر 2015 ، بعد سلسلة من الاجتماعات في فيينا وميونيخ وجنيف، بيد أن كل هذه الجهود لم تثمر بدروها الى أي اختراق سياسي، وهو ما فسّره كاتب هذه السطور غير مرة بغياب الإرادة الدولية الحقيقية لإنجاز المقاربة السياسية، ومع ذلك ظلت الأزمة السورية تناقش على مستويات عديدة، بداية من المندوبين الدائمين لدى الجامعة العربية، مرورا بوزراء الخارجية وصولا الى مؤسسة القمة العربية، والتي تؤكد جميعا على رفض الخيار العسكري والتمسك بالخيار السياسي، بيد أن كل ذلك لم يكن سوى محاولة للبقاء في المشهد من دون أي تأثير، لأن الممسكين بالأزمة هم من خارج النظام الإقليمي العربي ، وباتوا يتمحورون في الثلاثي روسيا وتركيا وإيران، بينما ما زالت إدارة الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب،تبحث خياراتها ويبدو أنها ستظل في هذه المرحلة لأمد طويل .