الملف السياسي

المباحثات بين أولويات الداخل وأجندة الخارج !

06 مارس 2017
06 مارس 2017

د. فالح حسن الحمراني -

كاتب من العراق يقيم في موسكو -

[email protected] -

دخلت روسيا على خط المباحثات السورية في جنيف في اللحظة المناسبة، فتمكنت من التغلب على الأزمة التي كادت تودي باستمراريها. ومارست موسكو على ما يبدو نفوذها على وفد الحكومة الذي وافق على برنامج ممثل الأمم الخاص بالشأن السوري ستيفان دي ميستورا، بما في ذلك على نقل موضوع الإرهاب الذي أصرت على طرحه دمشق الى مباحثات استانا المرتقبة.

إن نتائج مباحثات جنيف فتحت الآفاق لاستمرارية البحث عن التسوية المنشودة والمقبولة. وكشفت كذلك أن الأطراف أضفت المرونة على مواقفها التي لاحت في الماضي بمثابة خطوط حمراء لا يمكن تجاوزها، بما في ذلك قضية مكانة الرئيس بشار الأسد في عملية المرحلة الانتقالية، فضلا عن قبول الجميع في الجلوس حول طاولة واحدة. وبعد أن عارضت لجنة المباحثات العليا (المعروفة بمجموعة الرياض) فكرة تمثيل المعارضة بكل أطيافها في فريق واحد، مثلت المعارضة 3 مجموعات تلقت دعوة لجنيف: مجموعة الرياض، أي اللجنة العليا للمباحثات، ومجموعة موسكو ومجموعة القاهرة، وهي الفصائل التي جاء ذكرها في قرار مجلس الأمن 2254 بشان سوريا. وأكدت هذه الخطوة سعي الأمم المتحدة لتحقيق توحيد خصوم الحكم السوري في وفد واحد وفتح الطريق نحو مباحثات مباشرة مع الوفد الحكومي. ولكن الى جانب عوامل التفاؤل، ثمة حجر عثرة قد يسبب في تباطئها أو يهدد بنسفها. من بينها مؤثرات خارجية تسعى لتحقيق أجندة خاصة.

ومن دلائل النتائج المتفائلة للجولة الأخيرة من مباحثات جنيف نجاح دي ميستورا ولأول مرة في إقناع الأطراف المتورطة بالنزاع السوري والموافقة على جدول أعمال للتفاهم على التسوية، وتبديد المعارضة التي جابهته في بداية الأمر. وسيركز المفاوضون على اتجاهات ثلاثة، تتمحور على تشكيل حكومة ووضع جدول زمني للتحضير للدستور وبالتالي إجراء انتخابات. ومن اجل تفعيل العمل في هذه الاتجاهات تدور أفكار حول تشكيل 3 فرق عمل، بالرغم من انه لم يتم الاتفاق على زمن ظهورها. كما ناقشت الأطراف وجهات النظر بشأن تلك القضايا.

وتجدر الإشارة ضمن هذا السياق الى عرض ممثل الأمم المتحدة على المشاركين في المباحثات تأكيد التزامهم بالمبادئ الأساسية للتسوية السياسية في سوريا. إن هذه الوثيقة التي لا تقتضي التوقيع، وكررت بالأساس مقترحات الممثل الخاص للامين العام للأمم المتحدة في الأزمة السورية (دي ميستورا)، التي أعدها بحصيلة جولة الانتخابات التي جرت في مارس عام 2016. وتتألف الوثيقة أيضا من 12 بندا، التي من بينها تأكيد الالتزام بوحدة سوريا، وقيام دولة على أساس المبادئ الديمقراطية، وصيانة مؤسسات الدولة بما في ذلك الجيش وأجهزة الأمن، وبوجه عام أنها تكرر أصول قرار مجلس الأمن 2254.

ولكن ثمة من يعتقد بوجود أساس للقول بان الأَسس التي تقوم عليها ما زالت هشة، وان هناك عوامل تضبب آفاقها. واذا كان دي ميستورا يحسب أن نبرة المراسم الاحتفائية ستحسب على المباحثات المقبلة، فإن هذه التطلعات غير دقيقة. فثمة شرخ كبير ليس بين النظام وخصومه، المجاميع المعارضة الثلاثة، وإنما بين المعارضة نفسها. ففي 24 فبراير الماضي جرى لقاء بين مجموعة القاهرة واللجنة العليا للمباحثات ( مجموعة الرياض) نوقش خلاله آفاق الاتحاد، ولكنه لم يخرج بنتائج. كما عقدت اللجنة العليا - مجموعة الرياض - اجتماعا مماثلا مع مجموعة موسكو في 2 مارس وخرج بنتائج مماثلة. وتكمن نقطة الخلافات في أن مجموعتي موسكو والقاهرة على استعداد للتعاون فقط على أسس متكافئة، ولا يضعان الحساب بالاندماج في لجنة الانتخابات العليا - مجموعة الرياض - وتبني موقفها وبرامجها، في الوقت نفسه تصر لجنة الانتخابات العليا - مجموعة الرياض - على أن موقفها فقط هو ما يعكس إرادة الشعب السوري.

من جانبها تعتقد الحكومة السورية بعدم إمكانية الحوار مع المعارضة، ما دام أنها لم تشكل وفدا موحدا. وكما قال رئيس الوفد الرسمي ممثل سوريا الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري: إن مثل هذه الخطوة ستعكس استعداد المعارضة للحوار الجدي. وباعتراف دي ميستورا في يوم ختام المباحثات فان العمل عبر وسيط ، ومن سيكون، يبقى الأسلوب الفعال لتحريك المباحثات في جنيف.

ومن جانب آخر أصبحت العملية الإرهابية في حمص بتاريخ 25 فبراير، حجر عثرة إضافية أمام سير المباحثات. حيث إن أطراف المباحثات استغلت الحادث المروع لتبادل الاتهامات بين بعضها البعض، وطرح كل منها جدول أعماله الخاص وأولوياته في المباحثات. واذا كان وفد الحكومة قد أصر على أن تدين وفود المعارضة الهجوم في حمص وبخلافه فإنها ستحتسب على المنظمات الإرهابية، امتنعت اللجنة العليا للمباحثات - مجموعة الرياض - بصورة قاطعة إدانة العملية، ولم تستبعد وقوف أطراف من الحكومة السورية وراءها. وتجددت في الوقت نفسه التهم للحكومة بانتهاك وقف إطلاق النار والتسبب في تدهور الوضع الإنساني واستعمال الأسلحة المحظورة. وأعاد الوضع للأذهان الأجواء التي تشكلت في جولة مباحثات عام 2016 الذي اعقبه قطع للمباحثات استمر 10 أشهر.

إن مستقبل مباحثات التسوية مع ذلك لن يعتمد حصرا على المفاوض السوري، وإرادة الأطراف المتورطة بالنزاع الداخلي، بل وعلى إرادة المؤثرات والقوى الخارجية المتصارعة على بسط النفوذ، والتي تمضي ببطء وبعدم رغبة نحو الوفاق.

إن حدوث انفراج جدي في الوضع يتطلب وضع معادلة تسوية مقبولة لكافة الأطراف المؤثرة، وان هذا يتطلب من كل بلد ضامن للسلام في سوريا بما في ذلك روسيا وإيران أن تقرر مدى التنازلات التي تقدمها لخصومها.

أما مكافحة الإرهاب كما قال دي ميستورا فستكون في سلة أخرى.