randa-s
randa-s
أعمدة

عطر: لماذا أنا؟

01 مارس 2017
01 مارس 2017

رندة صادق -

[email protected] -

معظمنا لا يعلم لماذا تحدث له الأشياء، لا يدرك كيف يتحكم بآلية التفاصيل، معظمنا تائه بين ما يجب أن يكون وما يحدث فعلا من حوله؟ الصورة ناقصة والعالم أوسع من وعينا الحقيقي: ما هو ضرورة وحقيقي لنا هو باطل وغير مجدي للآخرين؟ حتى الألوان والأذواق حتى الحب والغرام حتى الكره والموت والأحقاد، القبح ليس واحد في مفاهيمنا دوامة وجودية تبحث عن معنى الوجود، عن معنى الألم، لماذا نهزم وننكسر؟ لماذا نفقد من نحب؟ لماذا يصيبنا المرض والبلاء؟ هذه الأمور ليست تخيلات كاتب، هذه أسئلة تدور وتدور في عقولنا، تصدمنا لأن لا منطق لها لا تتبع أي علم من علوم الطبيعة عشوائية وانتقائية وغيبية.

اليوم بتنا نسمع سؤالا شديد الانتشار تفوق عند البعض على ثقافته الدينية التي تبدأ بالحمد الله وتنتهي بالحمد لله، بتنا نسمع سؤالا محقا وملتبسا ولكنه مخيف النتائج هو” لماذا أنا؟ سمعت هذا السؤال من أشخاص كثر، تقاطعت معهم، وحتما لا جواب له خاصة حين طفل يعاني السرطان يسأل أمه: لماذا أنا؟ وتقف الأم عاجزة عن الرد لأنها علمته أن الأطفال أحباب الله، فكيف يصيبهم الله عز وجل باللوكيميا (سرطان الدم ). لماذا أنا؟ سؤال يسأله الجميع، سمعته وقرأته في عيون فقراء يشحذون، ومرضى ينهارون على مداخل المستشفيات، رأيته في عيون امرأة جاءتني تطلب المساعدة، وبعد ان قضيت لها حاجتها وجدتها تبكي وقالت لي بعفويتها:”حين أنظر اليكِ أتحسر على نفسي.” طبعا هي لم تمتلك الحكمة في ابتلاع وجعها وغصتها.

جميعنا مررنا بمواقف جعلتنا نسأل هذا السؤال، لكننا جميعا دون استثناء لا نجاهر بقلقنا ولا بإلحاح السؤال في داخلنا؟ ولكن هل حقا أملك أو يملك أي أحد آخر جوابا منطقيا وفعليا على هذا السؤال؟ لو اتبعنا العقل لضللنا، فالعقل غالبا لا يقيس الأمور بمعايير العاطفة وسيقودنا الى أماكن تتعارض مع مفاهيم الدين التي تستحسن البلاء وتعتبره طهورا من الذنوب واختبارا من الله لقوة صبر البشر وإيمانهم، فمن صفات المؤمن الاستسلام إلى قضاء الله وقدره، وفي حقيقة الأمر هذا امر مريح ويخفف كثيرا من حدة هذا السؤال البسيط في صياغته العميق في غايته.

أما القلب فهو النابض الذي يعصره ألم ما يحدث، فيتخبط بحزنه ويغص ويختنق بعجزه،ويعاني من غشاوة فلا ضوء يتسرب الى جدرانه، ولا أمل في أن يهدأ لكنه يدرك من خلال قوة إحساسه، أن النفس قلقة متعبة خائفة حائرة ومتسائلة. لعل كل هذا له علاقة بضبابية معرفتنا عن النفس البشرية وكيف تتفاعل مع الأحداث ومع محيطها؟ فالنفس بحسب القرآن الكريم ثلاثة أنواع: وهي النفس المطمئنة التي رضيت بما لحق بها من مصائب، الشاكرة دائما لله، الثابتة على فعل الخير، وهي النفس التي يحبها الله تعالى وهي التي تنال القبول بين الناس ويرتاح اليها الجميع وهي التي تمكنت من تفعيل سر الله الذي وضعه في الإنسان أي”الروح”.

أما النفس اللوامة فهي النفس التي لا تمل من مداومة حساب صاحبها على ما فعله من مصائب وجرائم وغيرها، فتستطيع إرشاد صاحبها إلى الطريق القويم بعد ضلاله وبعده عنه. وأخيرا النفس الأمارة بالسوء فهي النفس الرديئة التي لا تهتم بالأخلاقي أو المنهي وهي التي توقع صاحبها في الرذائل والمصائب والبعد عن الله سبحانه وتعالى، ولعل الإجابة عن هذا السؤال تكون عند النفس المطمئنة، فهي التي ادركت سر الله وسلمت أمرها ومصيرها لله عز وجل.