الملف السياسي

.. الفعل الفلسطيني والعربي المطلوب

27 فبراير 2017
27 فبراير 2017

العزب الطيب الطاهر -

,, تبدو الخيارات الفلسطينية والعربية محدودة أمام سياسة فرض الأمر الواقع،التي توظفها سلطات الاحتلال بكفاءة عالية منذ الإعلان نكبة 1948 وحتى اليوم ,,  

لا يمكن النظر إلى قانون «شرعنة» الاستيطان الذي يمنح البؤر الاستيطانية المقامة على أملاك الفلسطينيين الخاصة بأثر رجعي ويبيح للمستوطنين اليهود الشروع بالاستيلاء على أراضي الضفة الغربية والقدس المحتلة دون مساءلة وعقاب، والذي كشف النقاب مؤخرا عن شبكة طرق وأنفاق وسكك حديدية تربط المستعمرات اليهودية بتل أبيب، إلا من زاوية كونه واحدا من أخطر القوانين التي أصدرها برلمان الدولة القائمة باحتلال فلسطين - اسرائيل - المسمى بالكنيست، فمنذ الإعلان عن تأسيسها ، وفق منهجية القوة في الخامس عشر من مايو 1948,وبالطبع قبل ذلك بسنوات، وهي تمارس كل ألوان القهر والقمع، لفرض واقعها الاحتلالي ومشروعها الاستيطاني الاستعماري، وتكمن خطورة هذا القانون - وفق رؤية أحمد أبو الغيط الأمين العام للجامعة العربية - في أنه يعكس النوايا الحقيقية لحكومة إسرائيل، ويُجسِّد موقفها المُعادي للسلام والخارج عن القانون، بحسبانه يشكل غطاء لسِرقة الأراضي والاستيلاء على الممتلكات الخاصة للفلسطينيين، فضلا عن كونه يُعد حلقةً في سلسلة متواصلة من السياسات الإسرائيلية التي ترمي إلى تدمير أية إمكانية لتطبيق حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المُستقلة، كما أنه لم يراع مطلقا موقف الإرادة الدولية الجماعية التي عبرت عن موقفها الرافض لهذه السياسات، سواء من خلال القرار 2334 الصادر عن مجلس الأمن والذي يُدين الاستيطان الإسرائيلي ويؤكد أنه عقبة في طريق السلام، أو عبر مؤتمر باريس الذي عُقد الشهر الماضي، والذي أشار بيانه الختامي إلى عدم الاعتراف بأية تغييرات تُجريها إسرائيل على الأرض استباقاً للتسوية النهائية والتفافاً عليها.

وحظي القانون بأعلى مراحل الغضب الجماعي لرؤساء المجالس والبرلمانات العربية، في مؤتمرهم الثاني الذي عقد بالجامعة العربية في الحادي عشر من فبراير الجاري، وهو ما تجلى في الوثيقة الختامية التي أصدروها موجهة للقادة العرب، في قمتهم الثامنة والعشرين التي ستحتضنها العاصمة الأردنية - عمان - في التاسع والعشرين من شهر مارس المقبل، والتي طالبت الاتحادات والجمعيات البرلمانية الإقليمية والدولية، وعلى رأسها الاتحاد البرلماني الدولي بتعليق عضوية الكنيست الإسرائيلية في أجهزتها ومؤسساتها ، على أساس أن إقرار هذا القانون، وغيره من القوانين العنصرية من قبل الكنيست، يمثل انتهاكا صارخا للقانون الدولي وللمواثيق وللمبادئ والاهداف، التي قامت من أجل تحقيقها تلك الاتحادات البرلمانية مجددة الإدانة للقانون الذي يشرعن سرقة الأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات الاستعمارية .

ووفقا لما يقوله مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي لكاتب هذه السطور، فإنه ليس هناك أقل من تجميد عضوية الكنيست في الاتحاد البرلماني الدولي ردا على إصداره هذا القانون، والذي ينطوي على مخالفة صريحة لقرارات الشرعية الدولية، والتي كان آخرها قرار مجلس الأمن رقم 2334 والذي نص على إدانة الاستيطان ووقفه، لاسيما أن الكيان الاسرائيلي اعتاد إصدار مثل القوانين المخالفة لميثاق الأمم المتحدة دون أن يجد من يكبحه، ثم - كما يضيف - فإن التوجه للاتحاد البرلماني الدولي أمر متاح بأيدي العرب، على الرغم من أن ميزان القوى قد لا يكون في صالحهم، غير أن تحقيق نصر سياسي أمر بالغ الأهمية ولكنه يتطلب توحيد الجهود وحشد الطاقات، دون أن يتم الانتقاص من دور أي دولة عربية للقيام بواجبها الشرعي في هذا الشأن، وهو يرى أن ثمة إمكانية تمرير هذه الخطوة من قبل الدول العربية والإسلامية، والتي تصل عضويتها في الاتحاد البرلماني الدولى إلى 57 دولة، خاصة أنه لا يوجد في نظامه حق النقض -الفيتو- من قبل أي طرف، وحسب منظوره فإن إنجاز هذا المقترح ممكن خاصة أن مجلس الأمة الكويتي انتهى من دراسة الجانب القانوني بشأن كيفية تطبيقه .

والمؤكد أن حكومة نتانياهو استغلت - والكلام لجمال الشوبكي سفير دولة فلسطين بالقاهرة ومندوبها الدائم لدى الجامعة العربية ، في لقاء مع مجموعة من الصحفيين بالقاهرة - حالة التوتر السياسي بالمنطقة العربية والمرحلة الانتقالية الأمريكية بعد وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، لتمرير قانون شرعنة الاستيطان اليهودي على الأراضي الفلسطينية، عبر تصويت الكنيست وتعمد الحزب اليميني المتطرف الذي يقوده نتانياهو، على انتهاج سياسة تطبيق الأمر الواقع على الفلسطينيين عبر مصادرة أراضيهم وبيوتهم وتحويلها إلى مستوطنات اسرائيلية، على نحو يخالف كافة المواثيق والشرائع الدولية .

ويضيف: إن فلسطين تتفهم أن الدول العربية أصيبت ببلاء سرطان الإرهاب، وأن إسرائيل تنتهز انشغال الدول العربية، وتخطي حدود المنطق من خلال توسيع الاستيطان، وتعتاش على دعم ومال اللوبي الصهيوني، فضلا عن تفوقها عسكريا في المنطقة، وحسب قناعته فإن المحاولات الاسرائيلية في سرقة والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، تعد انتهاكات دولية جسيمة تدمر فرص حل الدولتين، وأن اسرائيل تعاني من ازدواجية في تطبيق القانون على ذات الأرض فأحدهم يصادرها لصالح المستوطنين والآخر يقتلعها من الفلسطينيين، مؤكدا أن هذا التخبط لا يلاقي إجماعا في داخل اسرائيل حتى أن القانون في الكنيست تم التصويت عليه بأغلبية صغيرة لأن إسرائيل بدأت تستشعر خطورة العزلة الدولية التي تلقاها في المحافل الأوروبية وحول العالم جراء سياساتها التعسفية.

ولاشك - حسب الشوبكي فإن ثمة ضرورة تحقيق الإجماع الدولي على التصدي للتحركات الاسرائيلية ولكن قبل ذلك فإن السلطة الفلسطينية لن تصمت هذه المرة وستطرق كافة الأبواب من أجل ايقاف السرطان المتفشي على الأراضي الفلسطينية، لمواجهة هذه الخطوات الاستباقية من دولة الاحتلال، واستغلالها للوضع العربي الراهن والإدارة الأمريكية الجديدة، والتي تمثل مقدمة لضم مزيد من الأراضي الفلسطينية، وتمرير الاستيلاء على أراضي القدس المحتلة و»معاليه أدوميم «كخطوة تمهيدية للاعتراف بالقدس عاصمة لهم، وهو ما يخالف المواثيق والاتفاقات الدولية . وأمام هذه المعطيات الخطيرة , تبدو الخيارات الفلسطينية والعربية محدودة أمام سياسة فرض الأمر الواقع، التي توظفها سلطات الاحتلال بكفاءة عالية منذ الإعلان نكبة 1948 وحتى اليوم، في مقابل انتهاج الجانب العربي والفلسطيني سياسة اللجوء إلى القانون الدولي والشرعية الدولية، والتي لا يعيرها الاحتلال أي اهتمام بدليل صدور العشرات من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك قرار حل الدولتين، دون أن تقدم أى حكومة اسرائيلية على تطبيق واحد منها، استنادا إلى منهجية القوة العسكرية المفرطة، التي تمثل عنوان مشروعها للوجود في المنطقة، بداية من نكبة 1948 مروروا بعدوان 1956 ثم عدوان 1967 وفي حرب 1973، ثم اعتداءاتها وحروبها المتكررة على الفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو قطاع غزة والتي ما زالت متواصلة، بالإضافة إلى الإسناد الأمريكي الواضح للغاية، وهو إسناد ليس مرهونا بإدارة معينة فكل الإدارات تتشارك في هدف حماية أمن إسرائيل، وتوفير أقصى الجاهزية لشن حروبها على العرب والفلسطينيين، وكان آخر تجليات ذلك صفقة الأسلحة التي قدمتها إدارة باراك أوباما قبل رحيلها بأشهر بـ 38 مليار دولار، ثم جاءت إدارة ترامب لتأخذ فيها العلاقات الأمريكية الاسرائيلية، منحى أكثر حيوية ودفئا وانحيازا لمخططات نتانياهو، وهوما بدا واضحا خلال قمته مع الرئيس الأمريكي بواشنطن منتصف الشهر الجاري. بيد أن ذلك لاينبغى أن يشكل عوامل تثبيط أمام تحرك فلسطيني وعربي بقوة، للوقوف أمام المشروع الاستيطاني الاستعماري لإسرائيل، فثمة إمكانية اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لتقديم شكوى ضد حكومة نتانياهو، وسحب الاعتراف بدولة اسرائيل ووقف التنسيق الأمني معها، وهناك من يطرح في هذا السياق خيار تفكيك السلطة الوطنية تدريجيا، وصولا لتسليم كافة مقاليد الضفة وغزة لدولة الاحتلال بما يضعها أمام مسؤولياتها، وهناك من يدعو إلى انتفاضة شعبية شاملة تكون سلمية الطابع بعيدا عن عسكرتها حتى يكون بمقدورها كسب التعاطف الدولي، وهى خيارات صعبة تقوم القيادة الفلسطينية بدراستها في المرحلة الراهنة، ولكن الخطوة الأهم المطلوبة هي تحقيق وحدة وطنية حقيقية وإنهاء ملف الانقسام الذي لم يعد يمتلك أي ذريعة أو مبررات لاستمراره على هذا النحو . والعرب مطالبون بالتحرك إقليميا ودوليا لتقديم الإسناد للفلسطينيين، حتى لا يتركوا بمفردهم في مواجهة عدوانية حكومة نتانياهو، خاصة مع الإدارة الأمريكية الجديدة حتى لا تتمادى في خطوات قد تفضي إلى تداعيات خطيرة على صعيد القضية الفلسطينية، من قبيل منح الضوء الأخضر لإسرائيل في المضي قدما في مشروعها الاستيطاني، وثمة إشارات كانت واضحة بقوة في هذا الاتجاه خلال قمة ترامب - نتانياهو الأخيرة.