935746
935746
المنوعات

التواجد الحضاري العـماني فـي أفـريقيا

23 فبراير 2017
23 فبراير 2017

[gallery size="medium" ids="442233,442231,442229"]

Untitled-1

هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية تفتتح المعرض المتحفي الدائم في قلعة ممباسا -

يعكس تاريخ الوجود العماني في إفريقيا .. وأمجاد الأجداد -

ممباسا: «عمان» افتتحت مساء أمس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية المعرض المتحفي الدائم في قلعة ممباسا بجمهورية كينيا بعد أن استكملت مشروع تطوير وتحسين وترميم الأماكن والشواهد التاريخية والمقتنيات الأثرية والوثائقية في البيت العماني وقاعة المزروعي بالقلعة.

ورعى حفل الافتتاح معالي الدكتور حسن واريو وزير الرياضة والثقافة والفنون الكينية بحضور نجيب بلالا وزير السياحة الكيني، وعدد من أصحاب المعالي والوزراء والسفراء وكبار المسؤولين وعدد من الشخصيات العمانية في ممباسا ولامو وماليندي.

وكان الافتتاح بتمويل وإشراف ومتابعة من هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، وبالتنسيق مع سفارة السلطنة في كينيا، وبالتعاون مع وزارة الرياضة والثقافة والفنون الكينية. وذلك في إطار جهود هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في التعريف بالجوانب الحضارية والتاريخية للعمانيين ودورهم في المنطقة وما خلفه الأجداد من مآثر علمية وأثرية ووثائقية وإيمانا من الهيئة بتثبيت الشواهد والمواقع الأثرية، كما يعد المشروع أحد المعالم الأثرية والمعمارية التي ينتظر أن تقوم بأدوار ثقافية متنوعة، يهدف من خلالها إلى تأكيد التواجد العماني بكينيا إلى جانب تأكيد عمق العلاقات التاريخية بين البلدين وترسيخ القيم العمانية النبيلة بما يعكس تاريخ عمان وتراثها وثقافتها.

وكانت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية قد توصلت إلى صيغة تفاهم مع الجانب الكيني بالتنسيق مع سفارة سلطنة عمان في نيروبي من أجل قيام الهيئة بتنفيذ المشروع وفق المواصفات والتصور الذي تم اعتماده من الجانب الكيني، حيث شمل تحسين وترميم البيت العماني وقاعة المزروعي وقاعة التحف، كما يشمل الجوانب الترميمية والإنشائية للأسقف والجدران والأرضيات والديكور والبلاط وأعمال الجبس والأبواب التاريخية العمانية والنوافذ وصناديق العرض والإنارة وشاشات العرض والتكييف وتصنيع سفينة عمانية تعود لعمليات الإبحار والتواصل التجاري العماني منذ القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لتحاكي السفن العمانية التي تجوب البحار والمحيطات.

وتجسدت أعمال المعرض المتحفي لتكون حكاية للتاريخ العماني من خلال قاعات المعرض الأربع: تتمثل القاعة الأولى في البيت العماني، حيث تتناول الهجرات العمانية للجلندانيين والنباهنة وغيرهم من أبناء القبائل ومراحل التحرير ضد الغزو البرتغالي من خلال الاستجابة العمانية لطلب النجدة من أهالي ممباسا من العمانيين وغيرهم إلى عهد الدولة البوسعيدية، حيث يتناول الحقب الزمنية منذ القرن الأول الميلادي إلى آخر سلاطين زنجبار مدعوما بالوثائق والاتفاقيات والمقتنيات الأثرية والأوسمة والمنتجات التجارية والمحاصيل الزراعية التي أدخلها العمانيون أو تبادلوا السلع المختلفة وقد وصفت الوثائق التاريخية باللغات الثلاث العربية والسواحيلية والإنجليزية.

فيما تتمثل القاعة الثانية بقاعة عمان وتتناول الجانب الحضاري والتاريخي لعمان عبر العصور الزمنية قبل الميلاد إلى عهد مولانا جلالة السلطان مع عرض الوثائق والمخطوطات والمقتنيات من الخناجر والسيوف والملابس والإنتاج الزراعي والتبادل التجاري، وأطلق على القاعة الثالثة عمان الحديثة، وتتناول المعالم التنموية في سلطنة عمان من مشاريع التعليم والصحة والمعالم السياحية وصور عن الجولات السامية لجلالة السلطان المعظم وعن مجلس عمان ودور المرأة في التنمية، كما زودت بشاشات عرض تبث أفلاما عن عمان باللغتين العربية والإنجليزية، وأما قاعة المزروعي فهي تتناول سلسلة تاريخية للولاة من المزارعة وغيرهم ممن تعاقبوا على ممباسا وعرض وثائق تتناول الحياة العامة لمجتمع ممباسا من الصكوك والاتفاقيات والأملاك والبيوع وأعمال الوقف والوصايا والمبادلات التجارية وأعمال البيع والشراء والنشاط التجاري وغيرها للعمانيين وغيرهم في ممباسا وعرض المقتنيات الأثرية من السيوف والخناجر والأعمال الفضية وعرض لوحة متكاملة عن نظام الولاة في عمليات التقاضي بحضور الوالي والقاضي وشخصيات أخرى وفرشت التكيات بقطع ووسائد النسيج العماني. كما يشمل العمل تحسينات وصناديق عرض لمتحف القلعة لمقتنيات الجانب الكيني وأعمال الترجمة لجميع المقتنيات باللغات الثلاث، ويؤكد هذا المشروع عمق العلاقات العمانية مع مجتمع ممباسا وعلى حسن التعامل والصداقة التي تربط سلطنة عمان بجمهورية كينيا.

وقال معالي الدكتور حسن واريو وزير الرياضة والثقافة والفنون الكينية في كلمته خلال حفل الافتتاح: إن الحضارة في ممباسا والمجتمع السواحيلي تربط بين الحضارة الإفريقية والعربية، ولذلك فنحن فخورون أن السلطنة استطاعت تقريب هذه العلاقة، وأضاف واريو: إن المعرض يجسد حقيقة الثقافة العمانية والدور الكبير الذي قام به العمانيون في دول شرق إفريقيا وبالتحديد في ممباسا عندما استجابوا لطلب الأهالي في مساندتهم للتخلص من المحتل البرتغالي، فكان انتصارهم وتحريرهم لممباسا انتصارا للشعب الكيني ولأهالي ممباسا العريقة، كما قال معالي الدكتور إن التاريخ والكتابات شاهد حتى اليوم على ما سطره العمانيون في هذا البلد.

وقال سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية في كلمة الافتتاح: إنه لمن دواعي سرورنا وامتناننا وعظيم تقديرنا لكم جميعا حضوركم هذا الحفل المبارك الذي يجسد معاني المحبة والمودة ورقي التعامل الحضاري لمجتمع ممباسا الذين أسهموا في جعل مدينتهم مدينة حضارية وتاريخية، وأكدوا من خلالها على نمط العيش الذي جمعهم وألف الله بين قلوبهم على التسامح الذي غدا صفة من صفاتهم وخصالهم الحميدة، هكذا صارت الشعوب والأمم تمضي فرادى وجماعات تهاجر من بقاع وأصقاع مختلفة وتحط رحالها من حيث تطمئن نفوسها وتستقر لتتخذ تلك الأماكن أوطانا، وهكذا شهدت الخليقة والخلق مرور أقوام وتأتي أقوام أخرى تهجر أماكن وتتزاحم في بقاع أخرى وتتصاهر وتتعايش وتتواصل وتتصل بالحضارات والثقافات فتكون ثقافة ولغة وعادات وتقاليد تكتسبها بمرور الزمن تتشكل هويتها وكيانها السياسي والاجتماعي والثقافي، فشهدنا هجرات لقبائل من قارات أخرى ومن مدن في القارة نفسها إلى مدن أخرى، هكذا شهدت قارة إفريقيا موجة من الهجرات منذ ما قبل الميلاد فكان التواصل العماني منذ الألف الثالثة قبل الميلاد حركة تجارية وتواصلا عبر البحار والمحيطات في سلسلة من القبائل والجماعات المختلفة فضلا عن هجرات من شتى بقاع القارة الإفريقية إلى مدن الساحل وتواصل هجرات عربية أخرى لتقيم معا إمارات في مدن مختلفة، ومع تعرضهم إلى الغزوات المختلفة كان لهم المقاومة المشتركة للذود عن مدنهم وكياناتهم التي أسسوها معا وتشكل طلب الدعم والمساندة للامتداد العماني في ملاحقة البرتغاليين لتحرير المدن والموانئ من عمان إلى الخليج والمحيط الهندي وصولا إلى تمكين إخوانهم في هذه البقعة الطيبة من التخلص من البرتغاليين وأن يعيدوا لمدينتهم ومجتمعهم كيانها الاجتماعي والثقافي ونظامه وهيكلته الإدارية التنظيمية لتكون ممباسا ولاية على رأس إدارتها والٍ يرعى شؤونهم ويجمع لحمتهم الاجتماعية في إطار من المشاركة الاجتماعية التي أبرزتها الوثائق والأدلة التاريخية حول اختيار الولاة والمعنيين بالنظام الإداري من حيث تنظيم الحياة الاجتماعية والشؤون الدينية والثقافية والاقتصادية وأعمال البر والإحسان. إنه مجتمع نشهد اليوم جانبا من تاريخه الممتد منذ قبل الميلاد للوجود العماني، وفي هذه القلعة الشامخة التي تحكي عبر الزمن مرور أحداث وتاريخ وحضارة منذ تشييدها وصمودها إلى اليوم لتعلن لنا ولكم جميعا أن التاريخ يشكل عبر مسيرته بأحداثه المختلفة سلسلة متواصلة لأي مجتمع لا يمكن فصل حقبة فيه عن الأخرى، وهكذا فإن تاريخنا في سلطنة عمان متواصل بمختلف حقبه وأحداثه وحضارته.

وقال سعادة صالح بن سليمان الحارثي سفير السلطنة في كينيا في كلمة الافتتاح إن إعادة افتتاح البيت العماني وقاعة المزروعي وأجزاء أخرى من قاعات العرض داخل القلعة بعد الانتهاء في فترة قياسية وجيزة من أعمال التأهيل والتطوير وتزويدها بالمقتنيات الأثرية القيمة لفترة التاريخ العُماني وإرثه الحضاري والإنساني النبيل بما يتناسب ومكانة هذه القلعة العريقة كأحد المعالم التاريخية والثقافية والسياحية الهامة في كينيا وكواحدة من أبرز المواقع الأثرية العالمية ليشكل البيت العُماني بمحتواه التاريخي الثري جسر محبة وصداقة بين سلطنة عمان وجمهورية كينيا، وأضاف الحارثي: إن جمهورية كينيا كما هي بلدي سلطنة عمان تزخر بثراء واسع في التاريخ والفنون من خلال مواقعها الأثرية الكثيرة ومتاحفها الكبيرة وفنونها الشعبية المتنوعة.

وقالت أحلام بنت حمود الجهورية باحثة تاريخ بهيئة الوثائق وواحدة من أعضاء فرق العمل الذي أشرف على المشروع: إن هذا المشروع يعد إطلالة حضارية لعمان تحمل الكثير من الأبعاد والدلالات، فهو من جهة يؤكد على الوجود العُماني في ساحل شرق إفريقيا بصفة عامة، وعلى الوجود الحضاري لعمان في كينيا، كما يعزز الروابط الأخوية بين البلدين الشقيقين، ويرسخ للقيم العمانية الأصيلة للإنسان العُماني على اعتبار أنه صاحب رسالة حضارية إنسانية.

وقد استهدف المشروع ثلاثة مواقع رئيسية في القلعة: البيت العُماني وقاعة المزروعي وملحقاتها ومتحف القلعة، فالبيت العُماني يحتوي على ثلاث قاعات تحمل مضامين عديدة، وتتنوع المعروضات فيها ما بين معلومات تاريخية، ووثائق ومخطوطات ومقتنيات أثرية وصور متنوعة نعرض من خلالها الكثير من الحقائق التاريخية عن عمان يتجلى من خلالها الدور الحضاري الإنساني المؤثر للإنسان العُماني عبر التاريخ. كما تشتمل قاعة المزروعي وملحقاتها على الكثير من الحقائق التاريخية والوثائق والصور والمقتنيات الأثرية، ومن خلالها يمكن رؤية جانب من العادات العمانية كالبرزة العمانية التي جسدت من خلال صورة جدارية كبيرة، بالإضافة إلى صور بعض الشخصيات المؤثرة في ممباسا بصفة خاصة وفي الساحل الشرقي لإفريقيا بصفة عامة، بالإضافة إلى صور لبعض المعالم الحضارية لمدينة ممباسا التي يتضح من خلالها الإرث الحضاري الإنساني للعمانيين.

ممباسا تبتسم للعمانيين

ومدينة ممباسا مدينة قديمة وصغيرة وطرازها المعماري قديم وجميل ذو طابع عماني، وتقع حول حصن عتيق يدعى «قلعة اليسوع» التي كان البرتغاليون قد بنوها في نهاية القرن السادس عشر لحماية أنفسهم ضد الهجمات العمانية من البحر، غير أن القلعة سقطت في أيدي العمانيين، وشيد البرتغاليون قلعة ممباسا لتكون قاعدة عسكرية لهم في ممباسا عام 1593، وفي عام 1661 توجه زعماء ممباسا إلى عمان طلبا للدعم العسكري من السلطات العمانية لمساعدتهم في طرد البرتغاليين من ممباسا، حيث جهز الإمام سيف بن سلطان اليعربي القوات العمانية البرية والبحرية لحصار البرتغاليين في قلعة ممباسا عام 1696، وبعد حصار دام عامين وتسعة أشهر حرر العمانيون قلعة ممباسا سنة 1698، بعد ذلك قام والي ممباسا سليمان بن علي المزروعي بطلب الحماية من الكابتن أوين قائد القوات البحرية الملكية البريطانية في محاولة منه للاستقلال عام 1824، ولكن في عام 1826 انسحبت الحماية البريطانية رسميا من ممباسا، وقام السيد سعيد بن سلطان بتوحيد قواته واستعادة سيطرته المطلقة على قلعة ممباسا في عام 1828، وفي الفترة 1895-1958 تم تحويل القلعة إلى سجن، ثم أصبحت بعد استقلال كينيا متحفا قوميا يحكي ويجسد تاريخ المدينة العريق. وفي كل مرة كان العمانيون يسيطرون على القلعة كانوا يغيرون أبوابها ويضعون أبوابا تحمل النقوش والزخارف الإسلامية. كما كانوا يحولون معبدها إلى مسجد. ومنذ بداية القرن العاشر الميلادي أسس العمانيون بجانب ممباسا عددا من المدن والموانئ الصغيرة على المحيط الهندي، خصوصا في كينيا وتنزانيا، بحيث أصبحوا يسيطرون على حركة التجارة في المحيط الهندي آنذاك.

حطام السفينة

في عام 1697م غرقت السفينة الحربية البرتغالية المسماة «سانتو أنطونيو» التي كانت تحمل على متنها 42 مدفعا، بمحاذاة الميناء أسفل قلعة ممباسا، حينما كانت تحاول فك الحصار العُماني على القلعة الذي استمر لفترة تجاوزت العامين، وقد تم التعرف على موقع حطام السفينة في منتصف ستينات القرن العشرين على عمق 18 مترا تحت سطح البحر، واستخرجت بعض بقايا الحطام عام 1970م من قبل مسؤول متحف قلعة مُمباسا الدكتور جيمس كيركمان، وفي عام 1977م قامت دائرة المتاحف الوطنية الكينية ومعهد تكساس لعلوم الآثار البحرية بالتنسيق مع البحرية الكينية والغواصين المحليين بأول مرحلة من المراحل الأربع للبحث عن بقايا حطام السفينة، وبعد تلك المرحلة أصبح فريق البحث على يجتمع بصورة سنوية لمواصلة مهمة البحث الدقيقة وتوثيق بقايا حطام السفينة وحمولتها.

يوجد بالقلعة أو حولها تسعة وخمسون مدفعا، ويعود ستة منها إلى القرن السابع عشر، وثمانية عشر مدفعا إلى القرن الثامن عشر، وثلاثة وخمسون منها إلى مطلع القرن التاسع عشر. أحد هذه المدافع نقش عليه اسم السلطان السيد خليفة بن سعيد (1305-1307هـ/‏‏‏‏ 1888-1890م) سلطان زنجبار، وبعض المدافع فرنسية وأحدها إيطالي (من مدينة البندقية) وأحدها سويدي، وأحدها إنجليزي مصنوع في الهند، بينما باقي المدافع صنعت في الهند. ويرجح أن المدفع الذي يعود للقرن السابع عشر موجود في القلعة خلال فترة الحصار. أما المدفع الذي يعود للقرن الثامن عشر فقد استخدمه المزارعة خلال دفاعهم عن القلعة ضد السلطان سعيد بن سلطان. وبالنسبة للمدفعين المصنوعين من النحاس فقد جاءت بهما السفينة أتش أم أس ليفن وسفينة البرقوطة، وقد تركها الحاكم الإنجليزي الضابط إيميري آر. أن. بعد انسحابهم في عام 1826م، وفيما يخص مدافع القرن الثامن عشر فيرجح أنها تركت في القلعة بعد أن استعادها السلطان السيد سعيد بن سلطان عام 1837م. ويمثل برج البيت العُماني في قلعة ممباسا برج الحماية للبيت ومراقبة المحيط الخارجي للمكان.