927244
927244
مرايا

دهس وغرق وصعق وحريق واختناق - حوادث الأطفال في البيوت قضية مُؤرِّقة

22 فبراير 2017
22 فبراير 2017

تحقيق- نايف بن علي المعمري -

رغم التحذيرات، ورغم التقدم والتطورات التكنولوجية في مجال أمن وسلامة الأطفال المنزلية، إلا أن حوادث الأطفال التي تقع في منازلنا ما زالت قضية تؤرق مجتمعنا، ويبدو أنها في تزايد مستمر، حيث لا يكاد ننسى خبر حادثة طفل لقي مصرعه في حادثة أليمة في بيت من بيوتنا، إلا ونسمع بحادثة أليمة أخرى تقع لطفل آخر، وتتنوع تلك الحوادث والوفيات الناجمة عنها إلى حوادث دهس بالسيارات، وغرق في الأحواض المائية، وصعق كهربائي، وربما يتعرضون إلى حرائق أضرمتها الغازات المنبعثة من اسطوانات الغاز في المطابخ. وتشير إحصائيات شرطة عمان السلطانية عبر موقعها، ووزارة الصحة إلى أن الكثير من الأطفال هم عُرضة لمثل تلك المسببات، وتهيب في كل مرة المواطنين بأخذ الحيطة والحذر من تعرض أبنائهم للوقوع في مثل تلك الحوادث.

ورغم أيماننا العميق بقضاء الله وقدره إلا أن أمن وسلامة الأطفال يجب أن تكون فوق كل اعتبار وتفادي الأخطار المحيطة بهم، هو أمر أوصانا به الله عز وجل ورسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يكون نصب أعيننا، هذا، إلى جانب ما يتعرض إليه الأطفال من حوادث الاختناق في سياراتنا جراء احتباس ثاني أكسيد الكربون وعدم وجود منافذ للتهوية بعد غلقها أو نسيان الطفل نائما في السيارة لفترات طويلة؛ الأمر الذي جعل وزارة التربية والتعليم تستفيق لحوادث نسيان الأطفال في الحافلات المدرسية وخاصة في مراحل التعليم قبل المدرسي.

أخطار متنوعة

وحول الموضوع التقت «مرايا» عددا من أولياء الأمور والمهتمين بأمن وسلامة الأطفال، حيث يؤكد يوسف بن عبدالله بن سعيد اللوغاني من ولاية صحم أن حوادث الأطفال في البيوت أصبحت ظاهرة تؤرق مجتمعنا العماني وهي ظاهرة تتنوع وتتعدد في أسبابها، حيث يقول: بالرغم من الحرص الشديد على سلامة الطفل من قبل الأسرة إلا أن حوادث الأطفال متنوعة ومتعددة في بيئتنا العمانية بشكل خاص، وشخصيا وقفنا على عدة حوادث للأطفال في البيوت وشهدنا الكثير منها، مثل الكسور والحروق وبعض من حالات التسمم، وكذلك غلق الأقفال، وكان أكثرها حالات بلع الأشياء (الأجسام الغريبة) مثل النقود المعدنية وخرز السباح والأجسام الحادة الأخرى.

من جانبه يؤكد أيضا موسى بن عبدالله بن سالم الهميمي بقوله: هناك الكثير من حوادث الأطفال تقع في بيوتنا وهذه القضية أصبحت مؤلمة لمجتمعنا لانتشارها الواسع، وحول أكثر الحوادث التي يتعرض إليها الأطفال في البيوت، يقول موسى: الحوادث تختلف من بيئة الى أخرى ومن بيت إلى آخر، ولكن في الآونة الأخيرة لاحظت ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة انتشار بعض الحوادث، منها: الغرق، وتعرض الأطفال للمس الكهربائي، والجروح نتيجة استخدامهم الآلات الحادة.

ويؤكد رأيهما أيضا حمد الدايري بقوله: تتعدد حوادث الأطفال المؤلمة التي يتعرضون لها في البيوت من مثل؛ السقوط من أماكن مرتفعة كالألعاب الكبيرة أو السلم أو سطح المنزل، أيضا ابتلاع مواد صلبة بغرض أكلها وبالتالي حدوث اختناق بسبب تلك المواد، وشرب مواد التنظيف التي قد تتسبب في تسمم الطفل، وكذلك حوادث الحرق التي يتعرض إليها الأطفال بسبب اللعب بالنار؛ مما يؤدي إلى أخطار جلدية وتشوهات جسمية إن كانت الحروق كبيرة. ويضيف الدايري :حوادث السيارات عند تشغيلها وتحريكها دون الـتأكد من عدم وجود أطفال بجانبيها أو خلفها تعتبر أبرز مسببات حوادث الأطفال المميتة.

أسباب

وحول أسباب حوادث الأطفال في البيوت يقول يوسف اللوغاني: بطبيعة الحال الأطفال عندهم حب استكشاف الأجسام الغريبة، وكما تعلم فإن الأطفال ذوي الأعمار أقل من ثلاث سنوات يستكشفون ذلك عن طريق الفم؛ مما قد يكون عرضة للأشياء الحادة والخطرة، بل تكمن خطورتها في ابتلاع تلك الأشياء والتي ربما تودي بحياته، ويضيف: والتقليد أيضا أحد مسببات وقوع حوادث الأطفال، حيث نعلم أن الكثير من الأطفال يقلدون من هم أعلى منهم سنا أو يقلدون الأفلام الكرتونية التي يشاهدونها على التلفاز كل يوم، ويكمن خطر هذا التقليد في قيام الطفل بمواقف أكبر من عمره وربما لا يستطيع السيطرة عليه كالقفز من مكان عال أو سياقة سيارة، وربما أيضا الحالات النفسية والصحية عند الأطفال، مثل الخوف والهلع، أو نقص في النمو وحالات التوحد في عمر الأربع سنوات فما فوق.

ويتفق موسى الهميمي مع الرأي السابق أن لحوادث الأطفال في البيوت أسباب كثيرة ومتنوعة، حيث يقول: أسباب حوادث الأطفال في البيوت كثيرة وحسب نوع الحادثة، فحادثة غرق الأطفال على سبيل المثال تكمن أسبابها؛ في عدم وجود حواجز آمنة للأحواض السباحة المنتشرة حالياً في المنازل أو المزارع، وعدم المراقبة الجيدة أثناء السباحة، وترك دوارات المياه مفتوحة، حيث يمكن للطفل أن يستخدم المسبح بمفرده.

الأسرة وعاملة المنزل

يرجع يوسف اللوغاني السبب في وقوع الحوادث عند الأطفال إلى اثنين، وهما: الأسرة وعاملة المنزل، وعلى حد تعبيره يعود ذلك إلى طريقة رعاية الطفل، حيث قد تهمل الأسرة طفلها ولا تبالي بمكان تواجده، وربما لا تحاول أبعاد عنه المخاطر التي ربما تشعر أنه سيقع فيها، وأيضا كذلك الحال مع من أوكل إليه هذه المهمة مثل المربية (عاملة المنزل)، وكثيرا ما نسمع وجود إهمال أو معاملة سيئة من قبل تلك العاملات اتجاه الأطفال.

فيما يعود موسى الهميمي الأسباب في المقام الأول إلى الآباء والأمهات، حيث يقول: هناك إهمال ولا مبالاة من بعض الآباء والأمهات، إذ يغفل الكثير من هؤلاء الآباء والأمهات واجباتهم اتجاه سلامة وأمن أطفالهم، ناهيك في تقصيرهم في توعية أبنائهم وتوجيههم وإرشادهم إلى الأخطار المنزلية وما يجب عليهم أن يتجنبوه، ويستطرد قائلا: مثل هؤلاء الآباء والأمهات لا يضعون الأخطار والمشاكل المتوقعة في الحسبان، ثم أن البعض منهم يترك الأبناء في البيت على الكيفية التي يريدونها من دون رقيب ولا حسيب، يتصرف الأطفال في بعض المقتنيات كيف ما يشاؤون دون زجر أو ردع، فتراهم على سبيل المثال يحملون مفاتيح السيارات وربما يشغلونها ويحركونها متى ما أرادوا.

وفي ذات السبب يرجع حمد الدايري أسباب حوادث الأطفال، وعلى حد تعبيره تكمن في المقام الأول أيضا في الإهمال وعدم المراقبة الأسرية، وترك المواد الصلبة على مقربة من أيدي الأطفال، وقلة الوعي من قبل أولياء الأمور بالآثار السلبية من وراء بعض الأدوات الموجودة في المنزل، وسوء استعمالها وعدم الراية الكافية بها.

احترازات

وحول الاحترازات للحد من هذه الظاهرة، يقول يوسف اللوغاني: يجب عدم ترك الطفل وحده يلعب مع ضرورة الانتباه لأفعاله، ووضع الطفل في مكان بعيدا عن القطع المعدنية والأجسام الصغيرة بشكل عام، وشراء ألعاب تتناسب مع عمر الطفل وتضمن سلامته، وتجنب إعطائه مأكولات بها نواة كالزيتون والتمر والمكسرات، وكذلك الابتعاد عن الأكياس البلاستيكية والبالونات التي تسبب اختناقا للأطفال أو انفجارا كما حدث مع أحد الأقارب، حيث تسببت في اختناقه نتيجة ابتلاع جزء منها.

ويضيف يوسف اللوغاني في الاحترازات، بقوله: ولتجنب تسمم الطفل عن طريق البلع يجب رفع مواد التنظيف وعدم وضعها في الكؤوس أو قنينة الماء الفارغة بما يوحي للطفل وكأنه وضع للشرب، وكذلك وضع البطاريات ـ خاصة الدائرية الصغيرة منهاـ والمواد السامة مثل البودرة، وأدوات التجميل والأدوية في مكانها المناسب بعيدة عن متناول الأطفال.

ويلخص حمد الدايري الاحترازات للحد من هذه الظاهرة، بقوله: عدم ترك الأطفال بمفردهم ومراقبتهم بشكل مستمر، وتوفير بيئة آمنة لهم في المنزل من حيث وضع الأشياء الخطرة بعيدا عن متناول أيديهم، وتوفير الألعاب الآمنة التي تتناسب مع أعمارهم، وعدم السماح لهم بدخول المطبخ؛ لأنه يحتوي على الكثير من المواد التي قد تشكل خطرا عليهم، وإيقاف السيارات في مواقف مخصصة بعيدة عنهم، والحرص على استكشاف المكان من حيث وجود الأطفال قبل تشغيل السيارة.

يرى يوسف اللوغاني أهمية توفر الإسعافات الأولية في المنزل؛ مما يساعد على الحد من تأثير الإصابة عند الأطفال فيما لو وقعت عليه حادثة -لا سمح الله- وإمكانية استغلال الوقت لإسعافه إلى المستشفى لتلقي العلاج، وإنقاذ حياته، بل هي من الأمور الواجب أن يتعلمها أفراد الأسرة البالغين ومعرفة طريقة الإسعافات الأولية الصحيحة للحالات الحرجة.

تصاميم البيوت

هنا ينظر موسى الهميمي إلى ضرورة مراعاة أمن وسلامة الأطفال عند مراحل تصميم البيت، إذ يجب التأكد عند تصميم البيت من وضع بعض المخاطر كالكهرباء والماء بعيدا عن متناول الأطفال لضمان عدم تعرضهم للصعق الكهربائي، ويضيف: كذلك عدم ترك الشاحن الكهربائي مفتوح وقريب من الأطفال، فبعض الأطفال يحاولون تناول طرف الشاحن عن طريق الفم؛ مما قد يتسبب بتعرضهم لصعق كهربائي.

ويعتقد موسى الهميمي أن أولياء الأمور بحاجة ماسة إلى دورات تدريبية تأهيلية تعنى بكيفية تربية الأبناء والأخطار المنزلية وكيفية إبعاد الأطفال عنها، بحيث تكون هذه الدورات بسعر رمزي وشهادة معتمدة ولا يُسمح ببناء منزل إلا بوجود هذه الشهادة.

التوعية

تدعو جميع الآراء في هذا الاستطلاع المجتمع إلى ضرورة الاحتراز نحو تجنب الأطفال المخاطر التي قد يتعرضون لها في البيوت والتي باتت تؤرقنا جميعا، وفي هذا الصدد يجب أن يقوم المجتمع أفرادا ومؤسسات بما في ذلك التوعية بأخطارها وكيفية الاحتراز منها عن طريق خطب المساجد يوم الجمعة، والمناسبات الدينية الأخرى، كما يجب أن تقوم الفرق التطوعية واللجان في النوادي وإدارات المساجد بدورها في هذا الجانب. وتدعو الآراء جميع المؤسسات الحكومية والخاصة المعنية إلى بذل مزيد من الجهد نحو الحد من هذه الظاهرة وخطورتها على المجتمع، وأن تقوم وزارة التنمية الاجتماعية بدورها أيضا من خلال التعاون مع شرطة عمان السلطانية ووزارة الصحة، والتنسيق فيما بينها في دراسة الظاهرة بشكل مستفيض ودراسة مسبباتها وعمل التوصيات الإجرائية للحد منها، ولا شك أن أقامت ندوة وطنية على مستوى رفيع في السلطنة للحد من حوادث الأطفال في البيوت سوف تُسهم في الحد من الظاهرة وتقليل أثارها السلبية على المجتمع.