الملف السياسي

الإنتاج .. هو كلمة السر للنهوض والازدهار !!

20 فبراير 2017
20 فبراير 2017

د. عبدالحميد الموافي -

لتمهيد الطريق أمام أبنائها للسير نحو تحقيق طموحاتهم وتطلعاتهم على النحو المأمول، تسعى الدول والشعوب إلى العمل والاستفادة مما يتوفر لها من إمكانات متاحة، أو في متناول اليد بشكل أو بآخر، ومن هنا تتعدد وتتنوع الاجتهادات والمحاولات للدفع بقطاع محدد من قطاعات الاقتصاد الوطني، وأحيانًا أكثر من قطاع في الوقت ذاته، لقيادة قاطرة التنمية الوطنية.  

في محاولاتها للنهوض، وبناء قدراتها، مع أن ذلك لا يعني على أي نحو إهمال، أو تجاهل، أو التقليل من أهمية القطاعات الاقتصادية الأخرى بالطبع؛ لأن التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي، ليس مسألة أحادية الجانب، أو وحيدة المسار بالتأكيد، إلا أن تجارب التنمية الوطنية، في العديد من النماذج الناجحة قادها قطاع، أو قطاعات محددة، في إطار رؤية أو استراتيجية وطنية توفرت لها القدرة الحقيقية على حشد الطاقات الوطنية المتاحة، والالتزام القوي ببرامج وخطط وجداول زمنية للإنجاز، لم تكن أبدا مفتوحة السقف، أو قابلة للترهل أو التراجع في منتصف الطريق، أو وضع ما أنجزه السابقون جانبًا، ليبدأ المسؤولون الجدد ما يرونه ملائما من وجهة نظرهم، بكل ما يترتب على ذلك من ضياع للموارد والوقت وتأخير الوصول إلى الأهداف المراد تحقيقها، بل والتشكيك أحيانا في جدوى ما تم إنجازه في مجال أو آخر لنوازع أو حسابات شخصية، تتجاهل الأثر السلبي الشديد لمثل هذه التوجهات على الوطن وعلى الاقتصاد الوطني، وعلى ثقة المواطن في ما يتم إقراره أو اتخاذه من سياسات وبرامج في هذا القطاع أو ذاك.

وإذا كان من المعروف أن قطاع الصناعة يشكل قاطرة للتنمية الاقتصادية في اقتصاديات عديدة، إلا أن قطاعات أخرى، مثل الزراعة والسياحة والخدمات، قامت، أو تقوم بالفعل بأدوار القاطرة للتنمية والازدهار في اقتصاديات أخرى، أهلتها مواردها وطبيعتها وأولوياتها؛ لأن تقوم أي من تلك القطاعات، أو بعضها بهذا الدور. ومع ذلك فانه في مرحلة ما، بعد سنوات البداية، يحتاج الاقتصاد الوطني عادة، إلى درجة أكبر من التكامل بين قطاعاته المختلفة، بحكم احتياجات التطور، ومتطلبات الازدهار، واتساع وتنوع حجم الاحتياجات التي ينبغي إشباعها على المستويات المختلفة، اقتصاديًا واجتماعيًا وتقنيًا وخدميًا وغيرها بالطبع. وبالنسبة لقطاع الصناعي في السلطنة، فإنه يمكن الإشارة باختصار شديد إلى عدد من الجوانب، لعل من أهمها ما يلي:

*أولا:ً إنه لم يكن مصادفة أن تتأثر النظرة إلى قطاع الصناعة في السلطنة، بحالة الاعتماد الكبير على العائدات النفطية، وعلى الإسهام الكبير لتلك العائدات في تلبية احتياجات التنمية، خاصة في سنوات الانطلاق الأولى من ناحية، وبحاجة قطاع الصناعة إلى استثمارات رأسمالية كبيرة، والحاجة إلى إنفاق أموال كثيرة لتشييد البنية الأساسية الضرورية لإقامة المشروعات الصناعية في البلاد.

وهذه أمور لا يستطيع القطاع الخاص، خاصة في بدايات مسيرة التنمية الوطنية، القيام بها، سواء لضخامتها المالية وللوقت الطويل الذي تحتاجه دورة رأس المال في قطاع الصناعة، أو لضعف إمكانات القطاع الخاص، وبحثه بالطبع عن أسهل واقصر دورات رأس المال لتحقيق أقصى ربح في أقصر فترة زمنية من ناحية ثانية. وعلى ذلك تكفلت عمليات الاستيراد بسد الاحتياجات الضرورية، وبدأ القطاع الصناعي بصناعات صغيرة ومتوسطة، وبصناعات تحويلية في قطاع النفط والغاز، بحكم الحاجة لتطوير هذا القطاع. كما بدأ القطاع الخاص في إقامة بعض الصناعات الاستهلاكية، والغذائية، وهى صناعات سريعة ومربحة ولا تحتاج إلى بنية أساسية مكلفة أو مهارات خاصة في العاملين فيها. وعندما تم إعداد منطقة الرسيل الصناعية وتوفير مختلف الخدمات الضرورية لاحتضان مشروعات صناعية، حكومية وتابعة للقطاع الخاص، كان ذلك بمثابة تطور كبير، ودفعة كبيرة لقطاع الصناعة العمانية، غير انه لم يتم تحميل هذا القطاع مسؤولية خاصة، ولا حتى دور القاطرة في التنمية العمانية، في إطار الرؤية المستقبلية عمان 2020، التي وضعت في منتصف تسعينات القرن الماضي، وبدأ تنفيذها اعتبارا من خطة التمية الخمسية الخامسة (1996–2000) خاصة وان الحكومة لم تكن تريد إقامة صناعات تسليم مفتاح، أو زرع صناعات ضخمة منفصلة عن البيئة والمعطيات المحيطة بها، وهو ما ثبت عدم نجاحه في أمثلة وحالات عديدة.

ولذا تم الأخذ بالأسلوب التدريجي والتركيز، حسب الحاجة على الصناعات الصغيرة والتحويلية، والعمل بقدر الإمكان على تكوين قاعدة من القوى العاملة الماهرة، عبر معاهد التدريب المهني، لتكون هناك كوادر عمانية قادرة على العمل في أية مصانع يمكن أن تنشأ، وإدراكًا أيضًا لحقيقة أن تطوير قطاع صناعي مناسب يحتاج إلى توفر مقومات ومهارات مهنية وتقنية وموارد قابلة للاستخدام، تتجاوز بكثير الصناعة النفطية التي ارتبطت وترتبط بتوفر النفط والغاز وتقوم بها شركات غربية تتولى كل مراحل العمل تقريبًا وتظل المساهمة المحلية فيها محدودة، خاصة في العقود السابقة. وبفضل هذا التفكير تجنبت السلطنة صرعة الصناعات الضخمة، التي لم تجد أحيانًا سوقًا لتصريف إنتاجها، واحتاجت لدعم حكومي كبير لاستمرارها في البقاء، كما أنها تنبهت إلى ضرورة العناية بالصناعات الصغيرة والمتوسطة كمرحلة ضرورية للبناء عليها ولإقامة قطاع صناعي يمكنه، مع قطاعات أخرى مثل الزراعة وبعد ذلك السياحة واللوجستيات، القيام بدور رئيسي في دفع التنمية الوطنية والوفاء باحتياجات النهوض والازدهار، وفق مراحل التنمية المتتابعة.

*ثانيًا: إنه إذا كانت منطقة الرسيل الصناعية، هي المنطقة الصناعية الأم بالنسبة للصناعة العمانية، وحظيت بشرف الزيارة السامية لها في 9 فبراير عام 1991، وهو ما ما يتم الاحتفال به باعتباره يوم الصناعة العمانية، فان مما له دلالة مهمة أن حكومة حضرة صاحب الجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- عملت على تطوير القطاع الصناعي، وعلى نحو يسعى إلى الاستفادة، قدر الإمكان، من الموارد العمانية المتاحة في محافظات السلطنة المختلفة من ناحية، والانتقال أيضا، وحسب الحاجة، من التركيز على الصناعات التحويلية إلى صناعات ثقيلة تظهر الحاجة إليها وتتزايد جدواها الاقتصادية، ومن هنا أنشئت المؤسسة العامة للمناطق الصناعية عام 1993، وبدأت العمل في إعداد وتطوير مناطق صناعية في محافظات السلطنة، استثمارًا للموارد المتاحة، ودعمًا أيضًا لتنمية المحافظات المختلفة، والخروج بمسيرة التنمية العمانية من العاصمة إلى مختلف محافظات السلطنة، لتوزيع ثمار التنمية على امتداد الأرض العمانية، وحتى لا تتحول العاصمة إلى مركز استقطاب للهجرة الداخلية. وبالفعل نجحت المؤسسة العامة للمناطق الصناعية في إعداد مناطق صناعية، تتكامل بنيتها الأساسية، وتعمل فيها صناعات صغيرة ومتوسطة وثقيلة أيضا.

وهناك الآن مناطق صناعية في صحار وريسوت وصور ونزوى والبريمي وسمائل، إلى جانب الرسيل بالطبع، وقد تمتد إلى مسندم. وقد ترافق مع ذلك حرص حكومي قوي ومتواصل على عنصرين شديدي الأهمية، أولهما تشجيع ودعم الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لتنمو وتتسع وتمتد إلى مختلف محافظات السلطنة، وليزيد دورها في تغذية صناعات قائمة بالفعل، أو يمكن أن تقوم بعد ذلك، بما في ذلك تكوين كادر مهني ذي مهارة، وهو أمر لا غنى عنه لتطوير قطاع الصناعة العمانية. وتلعب مراكز ومعاهد التدريب، والتدريب على رأس العمل دورًا حيويًا في تكوين تلك الكوادر التي تزداد الحاجة إليها. أما العنصر الثاني، فانه يتمثل في توفير أفضل مناخ ممكن للنهوض بقطاع الصناعة العمانية، سواء من خلال توفير مناخ استثمار جاذب للاستثمارات في هذا القطاع الحيوي، أو من خلال توفر إمكانات التمويل، عبر البنوك ومن خلال سوق مسقط للأوراق المالية، أو من خلال التأكيد على الالتزام بمعايير الجودة بالنسبة للمنتجات العمانية، والحرص على متابعة ذلك ليكتسب المنتج العماني، منذ البداية، ثقةً وقبولاً وقدرةً على فتح أسواق عربية وأجنبية والحفاظ على وجوده فيها والمنافسة مع المنتجات المشابهة، في السوق العماني والأسواق الأخرى الخارجية.

وفي هذا المجال، هناك بالفعل أمثلة طيبة، واستطاعت منتجات عمانية، خاصة في الأدوية والملابس والكابلات وغيرها، على سبيل المثال، الوصول والمنافسة والبقاء في أسواق أوروبية وأمريكية، إلى جانب الأسواق العربية والإفريقية. والمؤكد أن هناك حاجةً وضرورةً للحفاظ على هذا الالتزام بمعايير الجودة، والقدرة على المنافسة، سواء في السوق العماني أو في الأسواق الخارجية.

*ثالثا: إنه ليس من المبالغة في شيء القول إن السنوات الماضية، والجهد الحكومي، ومن المستثمرين العمانيين وغيرهم في القطاع الخاص، قد أثمرت في بناء قطاع صناعي ينمو ويتسع ويتطور تدريجيا، سواء في صناعات صغيرة أو تحويلية أو ثقيلة، خاصة مع توفر العديد من المقومات الضرورية في هذا المجال، كمواد خام، وكعمالة ماهرة، وكتسهيلات استثمارية، وتمويلية، أيضًا كدعم للصادرات العمانية. غير انه بات من المهم والضروري أن تكون هناك استراتيجية وطنية للصناعة العمانية، تتحدد في إطارها الرؤية والأولويات الوطنية بالنسبة لهذا القطاع الحيوي من ناحية، وأن تلتقي حولها وخلفها جهود الجهات المعنية، كوزارة التجارة والصناعة، وغرفة تجارة وصناعة عمان، والمؤسسة العامة للمناطق الصناعية والمؤسسة العامة للصناعات الصغيرة والمتوسطة وهيئة تنمية الصادرات، ووزارة البلديات الإقليمية والبيئة، وغيرها من الجهات المعنية من ناحية ثانية، من أجل أن يتم دفع وتطوير هذا القطاع الحيوي بشكل صحيح وبما يتجاوب مع احتياجات التنمية الوطنية في الحاضر والمستقبل، وبما يعزز قدرات التنويع الاقتصادي -في إطار برنامج تنفيذ- والتكامل مع القطاعات الأخرى لتحقيق الأهداف الوطنية في هذا المجال.

وفي كل الأحوال فانه ليس من المبالغة في شيء القول إن الإنتاج، ذا الجودة والقادر على المنافسة وفتح أسواق جديدة والبقاء فيها، وبالطبع إحلال الواردات بشكل متزايد، هو كلمة السر للنهوض بقطاع الصناعة وبالقطاعات الاقتصادية الأخرى، ولتحقيق مزيد من التقدم والازدهار، خاصة وان كل العناصر الضرورية تتوفر الآن، وتحتاج إلى أن تنتظمها استراتيجية وطنية لحشد الطاقات وتجنب أية عراقيل أو تعارض مصالح ولجذب المزيد من الاستثمارات ليأخذ قطاع الصناعة دوره مع القطاعات الأخرى كالسياحة والزراعة واللوجستيات كقاطرة للتنمية الوطنية في الحاضر والمستقبل.