الملف السياسي

مهمة إصلاح .. أم محاربة طواحين الهواء ؟!

13 فبراير 2017
13 فبراير 2017

مروى محمد إبراهيم -

إن الشفافية والتمويل والإدارة الديمقراطية هي أهم ما تحتاجه المؤسسة الدولية لاستعادة دورها الفعال على مستوى العالم، وهذا هو التحدي الضخم الذي يواجهه الأمين العام الجديد لهذه المؤسسة الحيوية

«لابد وأن نركز على المواطن وليس البيروقراطية.. على توصيل الخدمات وليس الإجراءات» بهذه الكلمات بدأ أنطونيو جوتيريس الأمين العام الجديد للأمم المتحدة فترة ولايته على رأس المنظمة الدولية، على أمل أن يتمكن خلال فترة شغله لهذا المنصب من العمل على التأكد من الاستفادة من أكثر من 85 ألف موظف يعملون لصالح المنظمة في أكثر من 80 دولة حول العالم. ففي الوقت الذي يكثر فيه الحديث عن إصلاح الأمم المتحدة وإعادة هيكلتها بشكل يمكن المنظمة من العودة مرة أخرى إلى المسار الصحيح حتى تتمكن من تنفيذ المهام التي أنشأت من أجلها قبل أكثر من 70 عامًا، خاصة في ظل التغيرات السياسية العالمية والتي ترفض العولمة بكل أشكالها ومعاييرها وتتجه وبقوة نحو العزلة والانغلاق والرفض والخوف من الآخر، بعيدا أن شعارات احترام حقوق الإنسان والسلام والعدل والقانون الدوليين، التي أصبحت بالية في عصر تتقدم فيه الأحزاب اليمينية في أمريكا وأوروبا. وأصبح السؤال الآن هل ينجح جوتيريس في إصلاح ما أفسدته السياسات الداخلية للدول وإصلاح المؤسسة الدولية لتعود للقيام بمهامها الأساسية بدون فساد وتلاعبات ومحاباة لدول عن أخرى.. أم تتحول مهمته الإصلاحية إلى ما يشبه محاربة طواحين الهواء؟؟

تساءلت صحيفة «الجارديان» البريطانية عما إذا كان جوتيريس هو الشخص المناسب في المكان المناسب؟ وأشارت إلى أن خلفية رئيس الوزراء البرتغالي السابق السياسية ترجح أنه ربما يكون الأمل في الإصلاح المطلوب في المنظمة الدولية. فهو السياسي الاشتراكي الذي استقال في منتصف فترة ولايته بسبب ضعف حكومته في عام 2002، وأثناء توليه هذا المنصب المهم كان يعطي دروسا في الرياضيات سرا للأطفال في المناطق الأكثر فقرا في لشبونة، بعيدا عن أعين الصحافة والكاميرات، حيث كان يؤكد لتلاميذه أن ما يقوم به شخصي وليس للاستعراض. كما أنه عاصر عهدا من الديكتاتورية وثورة 1974 التي تخلصت من هذا الحكم الاستبدادي. وبالطبع، فإن معاصرته لهذه الأحداث وتوليه فيما بعد منصب رئيس مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تجعل منه الرجل المناسب في المكان المناسب، ولكن ليس في العصر المناسب، فهو عصر من الشعبوية وتصاعد اليمين وولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي وصف المنظمة الدولية بـ«النادي» الذي يجتمع فيه قادة العالم للاستمتاع بأوقاتهم . وبالتالي فإن موقف ترامب يعكس التحديات التي تواجه هذه المؤسسة الدولية المهمة في الوقت الراهن، وهي التحدي المالي والمعركة من أجل استعادة مكانتها وفاعليتها وبالتالي احترامها كمنظمة أنشئت خصيصًا لحفظ السلام والعدل وإقرار القانون الدولي حول العالم.

فميزانية الأمم المتحدة لا تتجاوز 30 مليار دولار، بما لا يتجاوز 4 دولارات لكل فرد حول العالم، وهذه الميزانية محدودة للغاية مقارنة بالمهام الموكلة إلى المنظمة الدولية، التي تتراوح مهامها بين قوات حفظ سلام في بؤر الصراع حول العالم والتي تزايدت خلال الأعوام الأخيرة بشكل يدعو للقلق، وذلك إلى جانب المهام الإنسانية وتوفير المساعدات والدعم الطبي والغذائي للمناطق التي تواجه الحروب، والأكثر فقرًا وغيرها من المناطق التي تواجه كوارث طبيعية وحالات طارئة تستدعي تدخل دولي فوري لدعم المواطنين المنكوبين في مختلف أنحاء العالم.

وهو ما دفع الخبراء والمتخصصين إلى طرح أشكال متعددة من الخطط لإيجاد مخرج لهذه الأزمة التي تقف عائقا أمام وصول المساعدات والدعم وجهود إنقاذ المنكوبين في مختلف الدول، ويصيب المؤسسة الدولية بالعجز. وأحد المقترحات المطروحة لزيادة ميزانية الأمم المتحدة، هو دفع الدول الغنية ما لا يقل عن 40 دولارًا للفرد، في مقابل تحصيل 8 دولارات للفرد من ذات الدخل المتوسط العالي، في حين تدفع الدول ذات الدخل المتوسط المنخفض دولارين فقط عن الفرد، ولا تتجاوز حصة الدول ذات الدخل المنخفض دولارًا واحدًا عن الفرد. لترتفع بذلك ميزانية الأمم المتحدة إلى 75 مليار دولار. وهو ما سيسهم إلى حد كبير في دعم اللجان والمنظمات التابعة للأمم المتحدة.

أما الاقتراح الثاني، والذي يواجه الكثير من النقد، يقضي بفرض ضرائب على مختلف أنواع السلاح من صواريخ وطائرات مقاتلة ودبابات وغيرها من الأسلحة الثقيلة. ولكن مثل هذا الاقتراح ربما تتقبله الدول التي تلتزم الحياد في الأزمات الدولية، أو تلك ذات الإنفاق العسكري المنخفض مثل اليابان، ولكن الدول ذات الإنفاق العسكري المرتفع بدءًا من الولايات المتحدة وحتى دول العالم الثالث لن تقبل مثل هذا الاقتراح، خاصة وأن الإنفاق العسكري يمثل نحو 4% من إجمالي الناتج القومي لكل دولة. وقد تزيد هذه النسبة وفقا للظروف السياسية والإقليمية التي تواجهها كل دولة.

أما إصلاح مجلس الأمن الدولي وإعادة هيكلته، فتعتبر من أهم القضايا التي يبحثها قادة العالم بشكل سنوي ويعجزون عن حلها منذ عام 1993. فتكوين المجلس لا يعكس الواقع الجيوسياسي للعالم في الوقت الراهن .

فأوروبا تحتل 3 مقاعد دائمة وأمريكا تحتل مقعدا ، بينما مجموعة دول شرق أوروبا تتمثل في مقعد واحد لروسيا، ودول آسيا والمحيط الهادئ لا تحظى سوى بمقعد واحد للصين. وهذا التمثيل يتجاهل إفريقيا ودول أمريكا اللاتينية وبالطبع الكثير من القوى الآسيوية.

أما المقاعد العشرة المتبقية في المجلس، التي تشغلها باقي دول العالم بشكل دوري، فإنها لا تكفي لاستعادة التوازن العالمي داخل المجلس. لذلك يبقى ميزان مجلس الأمن وقراراته لا تمثل كافة القوى الدولية المعنية بأي أزمة.

وبالتالي، فإن هناك حاجة ملحة لإعادة هيكلة مجلس الأمن سواء من حيث عدد الأعضاء الدائمين الذين يتمتعون بحق استخدام «الفيتو» أو«الرفض» أو فيما يتعلق بزيادة المقاعد التي تتناوب الدول الأخرى على شغلها. ولابد من وضع معايير لتمثيل كل إقليم وفقا لعدد السكان ، فآسيا تمثل نحو 55% من عدد سكان العالم. وهؤلاء يتم تجاهلهم حاليا بشكل مجحف، خاصة وأن بينهم دول قوية اقتصاديا وتكنولوجيا وقوى إقليمية لا تحظى بالتمثيل المناسب داخل المجلس. وهو في حقيقة الأمر يشكك في شرعية ومصداقية القرارات التي يتم اتخاذها.

وطرح البعض اقتراح محدد لمواجهة هذه الأزمة، ويتمثل في منح الهند مقعد دائم، بالإضافة إلى مقعد تتناوب على شغله كل من اليابان وكوريا الجنوبية، ومقعد ثالث يمثل دول مجموعة الآسيان، ومقعد رابع تتناوب على شغله باقي دول القارة الآسيوية.

أما الإصلاح الذي يعتبره البعض الأهم على الإطلاق داخل المجلس، فيتمثل في إعادة هيكلة إدارة المنظمة بحيث تصبح أكثر ديمقراطية. فهناك دعوات تطالب بآليات أكثر ديمقراطية لانتخاب الأمين العام لهذه المنظمة الدولية، بالإضافة إلى آلية شفافة وديمقراطية لانتخاب هيئة المحكمة الجنائية الدولية.

وهناك أيضًا سلسلة من الإصلاحات الضرورية التي تتطلب تحركا عاجلا، وهو يتعلق بتزويد اللجان والمفوضيات والتنظيمات المختلفة بالخبرات اللازمة لمواجهة التحديات والمتغيرات على الساحة البيئية والطبية، والصحية والطاقة المتجددة ، وهو ما سيوفر الدعم اللازم لبرامج التنمية المستدامة التي تمولها وتشرف عليها المنظمة الدولية وتعمل في مختلف دول العالم.

إن الشفافية والتمويل والإدارة الديمقراطية هو أهم ما تحتاجه هذه المؤسسة الدولية لاستعادة دورها الفعال على مستوى العالم.

وهذا هو التحدي الضخم الذي يواجهه الأمين العام الجديد لهذه المؤسسة الحيوية، ولابد من إيجاد آليات أكثر ابتكارا تتناسب مع متطلبات العصر ، الذي يواجه تغيرات سياسية متلاحقة يصعب السيطرة عليها. فهل سينجح جوتيريس في هذا الاختبار الصعب؟.