أفكار وآراء

أمريكا أولا.. وإسرائيل ثانيا!

03 فبراير 2017
03 فبراير 2017

سمير عواد -

لم يفرح أحد من رؤساء حكومات العالم باستلام دونالد ترامب منصبه كرئيس الولايات المتحدة الأمريكية رقم 45، أكثر من بنيامين نتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي. فمنذ أسابيع كان ينتظر هذا اليوم ليخرج باراك أوباما، الذي يبغضه بغضا شديدا، من البيت الأبيض، خاصة بعد أن امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن إفشال القرار الأممي رقم 2334 لمجلس الأمن الدولي الذي أدان سياسة الاستيطان الإسرائيلية، ولم تستخدم الفيتو كما هو معتاد لتحمي إسرائيل. ولا يعتبر ترامب، الصديق الكبير لنتانياهو فحسب، بل للمستوطنين والمتطرفين اليهود الذين ينتظرون منه هدية فوزه بمنصبه وهي نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وهذه خطوة خطيرة ستؤدي إلى تأجيج نار النزاع الفلسطيني/‏‏الإسرائيلي، وسوف تُفقد إدارة ترامب مصداقيتها في الشرق الأوسط وفي مرحلة مبكرة في بداية عملها.

وتجدر الإشارة إلى أن ترامب كشف مبكرا عن تحيزه لإسرائيل. وكان ذلك واضحا في تصريحاته خلال الحملة الانتخابية، حيث بدأ بوعده إسرائيل بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، رغم أن هذا يشكل مخالفة للشرعية الدولية لأن مستقبل القدس لم يتم حسمه بعد، بسبب جمود المفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، لأن نتانياهو يعرقلها. وبحسب إلمار بروك، رئيس لجنة العلاقات الخارجية التابعة للاتحاد الأوروبي الذي زار المنطقة مؤخرا، لا يعتزم الائتلاف المتطرف الحاكم في إسرائيل، إحياء المفاوضات مع الفلسطينيين. ومن شأن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أن يوحي للإسرائيليين أن الولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر القدس عاصمة لدولة يهودية، وبذلك، يدمر ترامب في بداية عهده، كافة الآمال المتعلقة بعملية السلام بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.

أما الخطوة «الاستفزازية» الثانية التي اتخذها ترامب، فقد كان قراره بعد فوزه بتعيين ديفيد فريدمان، في منصب سفير واشنطن في تل أبيب، والذي يُعتبر من أبرز مؤيدي إسرائيل وخاصة سياستها في مجال الاستيطان، حيث يرأس منظمة تجمع التبرعات لدعم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، رغم أن ذلك مخالفا للقوانين الدولية وهو الموقف الذي عبرت عنه الولايات المتحدة الأمريكية من خلال امتناعها عن استخدام الفيتو لعرقلة القرار الأممي المناهض للاستيطان. ومن المعروف ، أن ترامب نفسه وزوج ابنته رجل الأعمال اليهودي جاريد كوشنر، من بين المتبرعين لهذه المنظمة التي تُدعى «الأصدقاء الأمريكان لبيت إل». وقال ترامب في مقابلة مع صحيفتي «بيلد» الألمانية و«تايمز» البريطانية، أنه سيعين كوشنر، مفوضا للشرق الأوسط، وسوف يكلفه بوضع مسودة اتفاقية بين الفلسطينيين وإسرائيل. ويُعتقد أن مواقف إسرائيل تصل إلى أذني ترامب عبر لسان كوشنر الذي نصحه في وقت مبكر من الحملة الانتخابية أن يعلن تحيزه لإسرائيل، ليكسب أصوات الأمريكيين اليهود، الذين أيد الكثير منهم هيلاري كلينتون، لأنها معروفة بتأييدها لإسرائيل، لكنهم كانوا يخشون أن تتبنى سياسة أوباما ووزير خارجيته جون كيري، تجاه إسرائيل، والتي تعارض الاستيطان، فاختاروا ترامب الذي أوضح تحيزه بشكل واضح وتام.

وأكدت معلومات نُشرت في ألمانيا، أن ترامب، تبرع بعشرة آلاف دولار، للمستوطنين اليهود، وهذا ما يعتبره المتطرفون الإسرائيليون، علامة واضحة على أن نهاية عهد أوباما الذي كان يحاول منذ عام 2014 إقناع الإسرائيليين بوقف الاستيطان والعودة للتفاوض حول حل الدولتين، سيتبعه عهد ترامب الذي لن تواجه خلاله إسرائيل أي ضغوطات من أي نوع من حاميتها الولايات المتحدة الأمريكية، رغم أن أوباما، قدم لإسرائيل أكبر دعم عسكري منذ تأسيسها على أرض فلسطين، عندما وافق على تقديم دعم مالي لها للسنوات العشرة القادمة يبلغ حجمه 38 مليار دولار، بغض النظر عن الخلاف المزعوم بينه وبين نتانياهو.

ويريد المستوطنون استغلال التغيير السياسي في السلطة في واشنطن، لتوسيع الاستيطان بشكل غير مسبوق، وبحسب نافتالي بينيت، وزير التعليم الإسرائيلي الذي يرأس حزب «المستوطنين» المتطرف، تعتزم إسرائيل ضم 60 بالمائة من أراضي الضفة الغربية لبناء مستوطنات جديدة، وسيكون ذلك نهاية عملية السلام.

ومن وجهة نظر الكثيرين، يُعتبر ترامب، أخطر رجل في العالم، والرجل الذي يوصف بالخطر، ليس غريبا عليه اتخاذ قرارات خطرة، مثل التي اتخذها ترامب حتى الآن بخصوص النزاع الفلسطيني/‏‏ الإسرائيلي. فالمشروع الذي يعتزم كوشنر إعداده، سيكون مشروعا إسرائيليا، ميتا قبل أن يولد. والرد عليه، أن يبذل المجتمع الدولي جهوده من أجل إقناع ترامب بأهمية احترام وتنفيذ حل الدولتين، وعدم ذلك، معناه المزيد من العنف.

فالخطأ الذي قد يحدث من جانب الرئيس الأمريكي ترامب سوف يحدث تحولا خطيرا في المنطقة بأسرها، وقد يشجع على موجة من الإرهاب بدلا من القضاء عليه، وسيفهم المتطرفون اليهود أن واشنطن، منحتهم الضوء الأخضر ليتخذوا إجراءات تقود إلى تهويد القدس والضفة الغربية وكامل التراب الفلسطيني، وعدم الأخذ بعين الاعتبار، كافة الاحتجاجات الدولية، وعدم احترام قرارات الأمم المتحدة.

يعلم الفلسطينيون أن أمامهم مستقبلا قاتما، إذ لم يعلن رئيس أمريكي سابق في مستهل ولايته الأولى، عن تحيزه التام لإسرائيل، بالشكل الذي أعرب عنه ترامب، المحاط بمستشارين وأصدقاء ومقربين، ولاؤهم لإسرائيل يماثل ولاءهم لأمريكا.

لقد رفع ترامب في كلمته بعد التنصيب شعار «أمريكا أولا»، وما لم يقله علنا، أن «إسرائيل ثانياً».