yousef
yousef
أعمدة

أسئلة الرحيل

26 يناير 2017
26 يناير 2017

يوسف القعيد -

س:وماذا عن يوم جنازة نجيب محفوظ؟!

ج:أولاً نتوقف أمام مفارقة. أنه مات في نفس الشهر الذي مات فيه سعد زغلول زعيم عقله. ومصطفى النحاس. زعيم قلبه ووجدانه. وأن موكبه يعد أول موكب يخترق شوارع القاهرة في أعقاب موكب رمسيس الثاني. وأنهما خرجا من قلب القاهرة إلى ضواحي الجيزة. وإن كان متحف رمسيس الجديد غير ضريح نجيب محفوظ الذي يقع عند الكيلو 45 على طريق الفيوم.

وكان نجيب محفوظ قد بدأ يفكر في بناء مقبرته منذ 15 سنة مضت. ذهب مع توفيق صالح. واشتريا قطعتي أرض متجاورتين. في مدافن كان التخطيط لها حديث العهد. يسميها البعض مدافن السادس من أكتوبر. ويطلق عليها البعض الآخر. مدافن أول طريق القاهرة الفيوم. ويتطرف آخرون ويقولون أنها مدافن الفيوم. وقطعة الأرض التي أقيمت عليها مقبرة نجيب محفوظ رقمها 296/‏‏2. وكان – نجيب وتوفيق - يذهبان كل فترة إلى هناك لدفع أقساط بناء المقبرة. وعندما قال لي خبر شراء الأرض وبناء المقبرة. قلت له ولماذا هذا البعد؟ كان يمكنه الحصول على قطعة أرض قريبة. ولكنه تعود ألا يطلب استثناءات من أحد.

من مفارقات هذا اليوم أن سفير بريطانيا الذي وصل إلى مسجد آل رشدان بمدينة نصر للعزاء. لست أدري هل كان يعرف علاقة نجيب محفوظ بحماه – حما السفير – حيث أنه متزوج من ابنة يوسف جوهر. الذي تولى تحويل الكثير من أعمال محفوظ للسينما. فضلاً عن زمالته وصداقته مع نجيب محفوظ. أيضاً فقد كان سفير إيران أول من وصل إلى مسجد آل رشدان. وسفير الأردن. كان الوحيد الذي أبلغ لحظة وصوله مسؤولو المراسم أنه يحمل رسالة عزاء خاصة من الملك عبد الله الثاني ملك الأردن. ويطلب إبلاغها لأسرة نجيب محفوظ. وقد أبلغها للمستشار حسين عبد العزيز إبراهيم ابن شقيق نجيب محفوظ. وأكبر أقربائه سناً.

س:وماذا عن ليلة العزاء؟!

ج:منذ أن تأكد خبر الوفاة وأسرته تسأل وتبحث عن مكان لإقامة العزاء فيه. المعروف أن مسجد عمر مكرم مغلق للتصليحات منذ فترة. والمكان الملحق به الذي تقام به بعض العزاءات ضيق وصغير. كانت هناك ظروف وملابسات أوجدت صعوبات في حجز قاعة مسجد مصطفى محمود. باعتبار أن المكان المواجه له واسع جداً. فاتجهت النية لحجز مسجد الحامدية الشاذلية. وخلال الاتصالات بين الأسرة والمسجد. تقدم وزير الثقافة فاروق حسني وحجز القاعة باسم الوزارة. وكان الوزير يفضل إقامة سرادق ضخم في دار الأوبرا يقام فيه العزاء.

ولكن الأمر كان يحتاج لترتيبات وإجراءات كثيرة. محمد سلماوي رئيس اتحاد الكتاب بدأ خلال التواجد في مسجد آل رشدان الكلام مع الوزير في أن يقوم اتحاد الكتاب بدفع التكاليف كاملة. باعتبار أن المتوفي هو نجيب محفوظ. «وهو من هو». وأنه من الأعضاء المؤسسين في الاتحاد. ولم يحسم الأمر إلا في الساعة العاشرة من مساء الجمعة. في قلب العزاء. وقد قلت لسلماوي إن هذا التصرف الجيد والجميل سيصبح سابقة مهمة في تاريخ الاتحاد. فهل سيقام عزاء لكل كاتب يموت؟ بدا على وجهه تساؤل: وهل كل الكتاب نجيب محفوظ؟ لكنه قال إن الاتحاد ملتزم بذلك. قلت له في مصر القديمة مثلما يقول لقد أمسكوا بفرعون من لسانه. والمهم هو التنفيذ.

س:وكيف تخلد مصر نجيب محفوظ؟

ج:من المتوقع أن تجتمع لجنة جرى تشكيلها بناء على اقتراح من جابر عصفور المثقف والناقد قبل أن يكون أمين المجلس الأعلى للثقافة وقتها. لتخليد ذكرى نجيب محفوظ. أعتقد أن البند الأول في هذا الاجتماع سيكون إقامة متحف لمحفوظ في أحد البيوت الأثرية القديمة التي رممتها وزارة الثقافة مؤخراً. وهناك الكثير من الاقتراحات التي تناقش في هذا السياق.

نوقشت الاقتراحات ورسا الأمر على تخصيص وكالة محمد بك أبو الدهب لتكون متحفاً لنجيب محفوظ. علت الأصوات تقول إن الوكالة تقع في حي الباطنية وليست في الجمالية. الحىي الذي ينتمى إليه نجيب محفوظ. ذهبنا إلى قصر الأمير بشتاك. يقع في شارع المعز لدين الله الفاطمي. وخلف ميدان بيت القاضي الذي ولد فيه نجيب محفوظ. عندما زرت هذا القصر اكتشف فيه بعض العيوب التي تحول دون اعتباره متحفاً لنجيب محفوظ.

القصر ليس له باب يطل على شارع المعز. والقصر تسكنه ست عشرة أسرة مصرية بعقود مع هيئة الآثار. لم يكن لديهم مانع من تركه والانتقال إلى مكان آخر بشرط الحصول على تعويضات. ووزارة الثقافة لا تستطيع دفع التعويضات المطلوبة لأنها قد تصل للملايين. ثم إن القصر لا توجد به قاعة تصلح لإقامة الأنشطة الثقافية المطلوبة.

س ما هي القضايا التي تركها نجيب محفوظ معلقة؟

ج كان نجيب محفوظ مهتماً بالقضية المعلقة بينه وبين ناشره السابق. في أيام القضية الأولى كان يسأل. لكن النطق بالحكم كان قبل وفاته بيومين. وقد دخل عليه الدكتور إبراهيم عوضين نجل الدكتور أحمد السيد عوضين. محاميه الخاص. وقال لنا أن القاضي أجل الحكم في القضية إلى يوم 4 نوفمبر التالي لوفاته. وطلب تقديم مذكرات جديدة من الطرفين. وإن كنت أشك أن نجيب محفوظ استوعب هذا الكلام.

أيضاً كان نجيب محفوظ مهتماً باحتفال كبير. كان من المفترض أن يقام في عيد ميلاده الخامس والتسعين. الذي يوافق 11 ديسمبر 2006 حيث يتم فيه تدشين صدور أعماله الكاملة عن دار الشروق. بما فيها أولاد حارتنا. وإقامة ندوة في اتحاد الكتاب دولية عنه وعن ترجمات أعماله. يدعى إليها كل من ترجم عمل من أعماله إلى أي لغة من لغات العالم. وأيضاً ناشرو هذه الأعمال في كل مكان من الدنيا. ولكن إرادة الله سبقت أحلام البشر. فالدوام لله وحده. يوميات على شكل أسئلة: آخر أغسطس 2006، ألا يعد الأمس مستمراً في اليوم؟ ومتواصلاً مع المستقبل؟ يبدو أن فكرة الماضي والحاضر والمستقبل تحتاج لإعادة نظر.