الملف السياسي

لا مؤشرات إيجابية !!

23 يناير 2017
23 يناير 2017

عبد الله العليان -

ذكرني مؤتمر باريس للسلام الذي عقد منذ أيام مضت،بمؤتمر مدريد الشهير للسلام الذي انعقد بعد حرب الخليج الثانية مباشرة 1991، والذي جرى برعاية الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق ، في محاولة لحل القضية الفلسطينية وانهاء احتلال اسرائيل للأراضي العربية التي احتلتها عام 1967، لكن هذا المؤتمر لم يحقق أهدافه كاملة، وبقي مجرد مؤتمر لم يحقق السلام العادل، ولا حتى الأرض مقابل السلام ،ومؤتمر باريس الاخير أيضاً فكل التوقعات أنه لن يحقق السلام الذي يرتضيه الفلسطينيون، خاصة أن تصريحات بنيامين نتانياهو رئيس وزراء إسرائيل، عن هذا المؤتمر، تبرز الرفض الإسرائيلي للسلام العادل الدائم، فقد صرح نتانياهو، بأن هذا المؤتمر « عديم الجدوى، وأن هناك مؤشرات إلى محاولات لاستخدام القرارات التي ستتخذ فيه للتصويت على قرار جديد في مجلس الأمن الدولي ضد إسرائيل». وهذا يعطي الدلائل على عدم جدية الجانب الإسرائيلي، في إحلال السلام في المنطقة، مستغلا الظرف العربي الراهن، وخاصة الأوضاع في العراق وسوريا، والخلافات الفلسطينية الداخلية، ولا شك أن فرنسا تتحرك مع الدول، في اطار محاولة حلحلة الأوضاع في المنطقة بدلا من الجمود في حل القضية الفلسطينية، وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، في كلمته التي ألقاها في مؤتمر باريس، ان المباحثات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحدها يمكن أن تؤدي إلى إحلال السلام في الشرق الأوسط. وأضاف:«أريد أن تكون نوايانا واضحة تماما، إن المهمة لا تكمن في إملاء الشروط على الأطراف المعنية، كما يقول البعض. أريد أن أشدد على أن المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحدها يمكن أن تؤدي إلى السلام. لا أحد سيفعل ذلك بدلا عنهما ويجب على زعمائهما أن يصغوا لبعضهما البعض وإقناع شعبيهما بضرورة حل توافقي». كما أن البيان الختامي، جاء عمومياً،ولم يطرح قضايا جوهرية لحل القضية، وخاصة حل الدولتين، ومما قاله البيان :«يدعو المشاركون في مؤتمر باريس للسلام في الشرق الأوسط طرفي الصراع إلى التأكيد من خلال سياستهما وأفعالهما وتمسكهما الخالص بحل الدولتين والامتناع عن اتخاذ أية خطوات أحادية يمكن أن تؤثر على سير المفاوضات، بما فيها، مفاوضات حول القدس والحدود والأمن واللاجئين. وشدد البيان، على أن الحل الوحيد للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتوصل إلى السلام في الشرق الأوسط هو إنشاء دولة فلسطينية مستقلة «تتعايش مع إسرائيل جنبا إلى جنب»،والحقيقة أن التحرك الفرنسي، يأتي بهدف قطع الطريق على التطرف والإرهاب الذي، كما قال وزير خارجية فرنسا مارك أيرولت أن «إهمال حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيصب في مصلحة التطرف». ولا شك أن إسرائيل، تنتظر بشغف، وصول دونالد ترامب للحكم، لتحقيق بعض الأهداف التي ربما تسعى إليها، للضغط على الفلسطينيين، وربما إلغاء قرار مجلس الأمن بخصوص المستوطنات،وهذا ربما يوضح أن المؤتمر فشل في تحقيق بعض المكاسب السياسية، كمقدمات للحل ولو مرحلياً، عندما رفضت إسرائيل الاستجابة لما صدر عن هذا المؤتمر ، واعتبرته (عديم الجدوى)! ولا شك أن الظرف العربي الراهن ضعيف جدا، وهذا ما يجعل الفشل بارزاً حتى قبل انعقاده، فإسرائيل ،كما يقول أليف صباغ «ترفض المشاركة في مؤتمر باريس، كما رفضت المبادرة الفرنسية من قبل جملة وتفصيلاً،لأسباب عدّة: أولاً لأن مضمون المبادرة يتعارض مع المشروع الصهيوني الاستيطاني في الضفة الغربية والاحتفاظ بالقدس عاصمة موحّدة وأبدية لإسرائيل حسبما ترى ، ثانياً، لخشية إسرائيل من تحديد المؤتمر فترة زمنية لإنهاء المفاوضات، أي لإنهاء الاحتلال، وهذا أيضاً يتعارض مع استراتيجية إسرائيل التفاوضية القائمة على فرضية التفاوض الذي لا ينتهي.ولكن السبب الأهم في تقديري ـ كما يقول الصباغ ـ هو إعادة القضية إلى الطاولة الدولية بعد أن نجحت إسرائيل بمساعدة أمريكا في سحبها من هناك إلى طاولة ثنائية تستقوي بها إسرائيل على السلطة الفلسطينية، وتستغل التفاوض لزرع المزيد من المستوطنات وتوسيع القائم منها أي لفرض أمر واقع يمنع في النهاية من إمكانية إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة. إن العودة إلى الطاولة الدولية تعني أن مرجعية المفاوضات هي قرارات مجلس الأمن والقوانين الدولية ذات الصلة، في حين كانت إسرائيل لغاية الآن تفاوض «من دون شروط مسبقة»، وهذا يعني وفق مفهومها بعيداً عن القانون الدولي، وعلى أساس أن الحق للأقوى، وبالتالي على الفلسطينيين أن يقبلوا ما تعرضه عليهم إسرائيل أو ما تحرمهم منه، ومن دون ذلك لا يوجد اتفاق. في ظل مفاوضات لا مرجعية قانونية دولية لها يفقد الطرف الفلسطيني الأساس القانوني لمطالبه، كما يفقد قوته الدولية المتضامنة معنوياً وسياسياً. عندها سيفاوض في حلقة مُفرغة تخضع لموازين القوى العسكرية والاقتصادية بين الجلاد والضحية، وهو تفاوض لن ينتهي إلى الأبد، وهذا ما يريده نتانياهو وغالبية الشعب في إسرائيل». ولا شك أن إسرائيل تريد أن تتخلص من القرار الأممي الذي صدر مؤخراً، في مجلس الأمن والذي يطالب إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة ويعتبر قرارا مهما، وقد امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية عن التصويت، ولم تستخدم حق النقض (الفيتو)، وهي سابقة ازعجت اسرائيل. إن الاستيطان الإسرائيلي لم يتوقف، ولا تزال إسرائيل تقيم الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس الشرقية، وهذا يعطي الدليل أن إسرائيل ليس لديها رغبة جادة في السلام العادل والشامل ، وإقامة الدولة الفلسطينية جنبا إلى جنب مع الدولة اليهودية، وان اللقاءات والمفاوضات في السنوات الماضية ، هي لاستغلال الوقت في المماطلات والتهرب من استحقاقات السلام الذي يحقق الاستقرار والحق العادل للفلسطينيين، وهذه المراهنات، هي بسبب الوضع العربي والانقسامات بين الفلسطينيين، لتمرير مخططاتها في تكريس الاحتلال الذي تؤكده الوقائع والممارسات على الأرض يومياً، كما أن الإدارة الأمريكية الجديدة، قد تقف مع المواقف الإسرائيلية الحالية في الاستيطان وفي نقل السفارة الأمريكية للقدس، وهذا ما جعل إسرائيل ترفض مؤتمر باريس وتعتبره دون جدوى.