الملف السياسي

فلسطين فوق خارطة العالم ..ولكن !!

23 يناير 2017
23 يناير 2017

العزب الطيب الطاهر -

,, إن مؤتمر باريس هو نداء من أجل السلام، وهو ليس موجهاً سوى ضد كل من ينادي بإسقاط حل الدولتين واستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية.. أعداء السلام الذين يتغذون على الكراهية والاستحواذ على أراضي الغير بالقوة والعنف ,,

النتيجة الأهم التي بلورها المؤتمر الدولي للسلام، الذي احتضنته العاصمة الفرنسية باريس تتجلى في أنه وفي ظل المعارك المستمرة لتفتيت القوة العربية، ومحاولات دولية متعمدة لإغراق المنطقة بقضايا داخلية، تقضي على معالم القضية الفلسطينية «الأم»،استطاعت فلسطين أن تبقى فوق خارطة العالم، بالرغم من عنجهية وغطرسة اليمين الإسرائيلي، وعمله المتواصل في عمليات الاستيطان والتهويد ومصادرة الأرض الفلسطينية، ومتزامنا مع التهديد بقلب طاولة الموقف الأمريكي من الوضع القانوني لمدينة القدس، أي أنه وفر الأرضية لإعادة الاعتبار السياسي العالمي، فضلا عن الإعلامي، لها بغض البصر عما يمكن أن يحققه على الأرض والمرهون أساسا بعوامل أخرى.

وفي هذا السياق، فقد بعث بوضوح رسالة واضحة الملامح الى كل من إسرائيل، الدولة القائمة بالاحتلال، لأراضي دولة فلسطين ، وإدارة الرئيس الأمريكي الجديد« دونالد ترامب» الذي تسلمت السلطة يوم الجمعة الفائت، بأنه لا خيار آخر سوى خيار حل الدولتيـن وبالمناسبة فإن هذا الخيار كان طرحا لإدارة بوش الابن وهى إدارة تنتمى الى الحزب الجمهوري الذي ينتمى اليه ترامب، وقد جاء البيان الختامي للمؤتمر مؤكدا بصورة جماعية التزامه بحل الدولتين، بحسبانه الحل الوحيد لإنهاء الصراع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ووفقا للرئيس الفرنسي «فرنسوا هولاند» في كلمته أمام المؤتمر فإن حل الدولتين «ليس حلماً، وإنما هو هدف المجتمع الدولي ومن ثم يتعين المحافظة عليه وصيانته، بعد أن أضحى مهددا بالاستيطان والعنف حسب تعبير وزير خارجيته «جان مارك إرولت» والذي عبر عن استعداده للتوجه الى المنطقة لإبلاغ الطرفين – الفلسطيني والإسرائيلي - واللذين غابا عن المؤتمر بقرار من باريس - برسالة الأسرة الدولية التي تحدثت بصوت واحد خلال المؤتمر،

إلى جانب ذلك - وهو ما ينطوي على جانب كبير من الأهمية - جاء تأكيد المؤتمر على ضرورة أن تكون حدود ما قبل الاحتلال عام 1967 هي الحدود التي يقوم أي حل على أساسها، وأنه لن يعترف بأية خطوات أحادية يتخذها الجانبان، فذلك من شأنه - إن تم التمسك به أن يشكل ورقة ضغط قوية على إسرائيل، في أي تحركات مقبلة لاستئناف المسيرة السلمية، لاسيما أنه يتسق مع قرارات الشرعية الدولية التي أصدرها مجلس الأمن وآخرها القرار الخاص بوقف الاستيطان رقم 2334.

كما كان لافتا تمسك المؤتمر بالمبادرة العربية للسلام التي أقرها القادة العرب في قمتهم التي عقدت في بيروت العام 2002 ، وطبقا لبيانه الختامي فإن هذه المبادرة، تمثل إطاراً متكاملاً لحل الصراع العربي الإسرائيلي، وتساهم بتثبيت الاستقرار والأمن الإقليمي، الأمر الذي يؤكد الاعتراف الدولي بهذه المبادرة التي لم تعترف بها دولة الاحتلال حتى الآن - وإن كان نتانياهو قد طالب العام الماضي بتعديلها بما يتناسب مع توجهاته حتى يقبل بها - وتتعامل معها واشنطن بقدر من الغموض غير البناء .

وشكلت هذه المعطيات مبررا لترحيب الجانب الفلسطيني بها - وفق ما أعلنه صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية - والذي رأى أن الزخم الذي جسده المؤتمر عبر الإجماع على رفض الاحتلال والاستيطان، وضرورة الالتزام بالقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، يوجه رسالة إلى إسرائيل السلطة القائمة بالاحتلال، بأنه لا يمكن تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة والعالم دون إنهاء الاحتلال العسكري لفلسطين، السبب الرئيس في العنف، لكن الأمر لم يتوقف عند حد الترحيب فحسب، بل تجاوزه الى المطالبة بمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها لحقوق الشعب الفلسطيني وتعاملها بفوقية مع القانون والشرعية الدولية .

ولكن في المقابل، فإن البيان النهائي للمؤتمر لم يوجه أي انتقاد صريح لخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس المحتلة، وذلك على الرغم الانتقادات الواضحة ، التي وجهها وزير الخارجية الفرنسي في تصريحاته لإحدى القنوات التلفزيونية الفرنسية ،عقب كلمته التي افتتح بها أعمال المؤتمر وحذر فيها من «العواقب الوخيمة» لمثل هذه الخطوة، وإن استبعد ترجمتها الى الواقع في ظل الخبرة التاريخية لأغلب الإدارات الأمريكية السابقة، والتي كانت تتبنى مثل هذا الطرح ولكنها عندما تتسلم السلطة سرعان ما تتخلى عنه، وأفاد بأن هذه المسألة ستكون ضمن أجندة أول لقاء يعقده مع وزير الخارجية الجديد «ركس تلرسون» .

ولم تغب الرؤية العربية عن مؤتمر باريس والتي حددها بوضوح أمامه أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، فحسب منظوره ، فإن توالي الأزمات الكبرى على المنطقة العربية، أعطى للبعض انطباعاً مغلوطاً بأن القضية الفلسطينية تراجعت إلى مرتبة ثانية، وليس هناك ما هو أكثر خطأ من هذه الرؤية، فكل من يعرف أوضاع هذه المنطقة، يُدرك عُمق تأثير القضية الفلسطينية في مُجريات أحداثها منذ نشأتها وحتى الآن، يُدرك كذلك أن إيجاد تسوية عادلة ودائمة لهذه القضية يظل الطريق الأقصر لتحقيق استقرار حقيقي ، ويمكن الإشارة الى أهم ملامح الرؤية العربية للتعامل مع القضية الفلسطينية في ضوء نتائج مؤتمر باريس وفق المحددات التالية :

أولا : ضرورة إنهاء الاحتلال الذي بدأ عام 67 (أي منذ خمسين عاماً) والذي يُعد استمراره وصمة تاريخية بغيضة لا يجب ولا يصح أن تنتمي الي زمننا الحالي.

ثانيا : قيام دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة علي أساس خطوط 4 يونيو 1967 لتعيش جنباً إلى جنب في سلام وأمن مع الدولة الإسرائيلية.

ثالثا : تمكين الجيل القادم، من أبناء الفلسطينيين والإسرائيليين، من كسر الدائرة الجُهنمية للكراهية والانتقام والعنف.

رابعا : لم يعد بمقدور العرب، والفلسطينيين بشكل خاص، تقبل أو تفهم مساعي اعادة اختراع العجلة من جديد، فالمنهج القائم على إحياء العملية التفاوضية من دون إطار زمني واضح أو مرجعية راسخة يستند إليها أصبح أمراً لا يمكن القبول به.

سادسا : إن ربع قرن من المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بكل ما استقر خلاله من مبادئ وقرارات دولية (يضيق المجال عن ذكر كل منها) ومُبادرات حازت اجماعاً عالمياً، يكفي ويزيد للوصول الى نهاية المطاف.كما أنه لم يعد في الامكان الاستمرار في ربع قرن جديد من عملية سياسية بلا أفق زمني واضح ومحدد.

سابعا : إن مؤتمر باريس هو نداء من أجل السلام، وهو ليس موجهاً سوى ضد كل من ينادي بإسقاط حل الدولتين واستمرار الاحتلال الاسرائيلي للأرض الفلسطينية.. أعداء السلام الذين يتغذون على الكراهية والاستحواذ على أراضي الغير بالقوة والعنف ، ثم فإن الغاية الحقيقية مع الشركاء الدوليين تتمثل في انقاذ حل الدولتين باعتباره يمُثل المسار الوحيد لاستقرار المنطقة و تلك هي الرؤية التي تبنتها المبادرة العربية للسلام. وهي التي لا تزال حتى الآن تمثل ركيزة أساسية في الموقف العربي من القضية الفلسطينية والعلاقات مع إسرائيل وهنا يؤكد أبو الغيط اقتناعه الراسخ بأن الفُرصة ما زالت قائمة لتحقيق الرؤية التي بشرت بها المُبادرة، بشرط وجود قيادة إسرائيلية راغبة حقاً في التسوية السلمية ولديها من الجرأة والحكمة ما يؤهلها لاستشراف الفُرص التي سيوفرها السلام لشعوب المنطقة جميعاً، بما فيها الشعب الإسرائيلي.

ثامنا : مطالبة الإدارة الأمريكية الجديدة بأن تكون علي مستوي الجدية المطلوبة من حيث دفع العملية السياسية وادراك عمق مغزى التوافق الدولي بشأن حل الدولتين ومُحدداته ومرجعياته، فأي سياسات أو إجراءات يقوم بها أي طرف بشكل أحادي لابد وأن تنسجم مع حل الدولتين وألا يكون من شأنها إجهاض هذا الحل من خلال استباق نتيجة العملية التفاوضية، أو التسبب في مزيد من تعقيد الموقف، وإثارة المشاعر الغاضبة لدى الفلسطينيين والعرب جميعاً.