الملف السياسي

.. تحديات ومصالح مشتركة

16 يناير 2017
16 يناير 2017

د.أحمد سيد أحمد -

,, شكل الاجتماع الوزاري العربي الأوروبي الرابع الذي عقد بالقاهرة في العشرين من ديسمبر الماضي نقلة نوعية في اتجاه دعم العلاقات العربية الأوروبية فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية،وتعزيز التعاون المشترك لمواجهة التحديات والتهديدات المتزايدة التي تواجه الطرفين,,

وتكتسب هذه الجولة من المحادثات أهمية كبيرة من عدة نواح:

أولا: شمولية التعاون بين الجانبين، فصيغ التعاون السابقة إما شملت إطارا أوروبيا شرق أوسطيا مثل الشراكة الأوروبية المتوسطية التي انطلقت في برشلونة عام 1992 وضمت معها دولا أخرى غير عربية مثل إسرائيل، وإما شملت أطرافا أوروبية وعربية على ضفتي المتوسط عبر الاتحاد من أجل المتوسط في عام 2008، وإما أطرافا أوروبية ودول المغرب العربي عبر صيغة 5+5، واتسمت كل تلك الصيغ بالتركيز على قضايا محددة كان أغلبها مرتبطا بقضية الهجرة غير الشرعية القادمة من جنوب المتوسط إلى الدول الأوروبية، وانحصر الهدف الأوروبي منها في تجفيف منابع تلك الهجرة عبر مساعدة الدول العربية المتوسطية لتحقيق التنمية والمساعدة الأمنية للسيطرة على حدودها، ولم تحقق التعاون المرجو بين الجانبين لعوامل سياسية وإقليمية وغياب فلسفة واضحة لتلك الشراكات، لكن الاجتماع الوزاري الرابع شمل كل الأطراف العربية والأوروبية وهو ما يتيح فرص أكبر في اتجاه التعاون والتنسيق في كافة المجالات.

ثانيا: مأسسة التعاون العربى الأوروبي، حيث ساهم الاجتماع الرابع في مأسسة الحوار بين الجانبين عبر صيغة الاجتماع الوزاري الدوري، كذلك إطلاق الحوار الإستراتيجى في عام 2015، كما أقر الاجتماع الأخير مبدأ عقد قمة عربية أوروبية برغم الاختلاف حول مكان وتوقيت انعقادها، وهو ما يضفي طابعا تراكميا للحوار بين الجانبين ويجعله في إطار مؤسسي بين جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي بما يضمن متابعة القرارات التي تصدر عنها وفق آليات محددة لضمان تطوير تلك العلاقات.

ثالثا: يعد الاتحاد الأوروبي الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للدول العربية، فالعلاقات التجارية بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي تصل إلى 155 مليار يورو سنويا، كما يعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجارى الأول للعديد من الدول العربية مثل مصر والجزائر وتونس, وبالتالي فهناك فرص اقتصادية واعدة لتفعيل وتطوير هذا التعاون فى المستقبل لإمكانات الطرفين الكبيرة في مجال الاستثمارات المشتركة ومساعدة الاتحاد الأوروبي للدول العربية في عملية التنمية والاستفادة من تجربته الوحدوية لتعزيز التكامل الاقتصادي العربي الذي يعاني من عثرات عديدة.

رابعا: اتسمت مواقف الاتحاد الأوروبي بالتضامن والدعم للعديد من القضايا العربية خاصة القضية الفلسطينية ودعم طموحات الشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، ورفض الممارسات العدوانية الإسرائيلية الاستيطانية ودعم عملية السلام وفق حل الدولتين، وعلى الرغم من أن دور الاتحاد الأوروبي في القضية الفلسطينية اقتصر في العقدين الماضيين منذ انطلاق عملية السلام في مدريد على الجانب التمويلي ومساعدة الشعب الفلسطيني ومقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية، بينما استحوذت الولايات المتحدة على الدور السياسي وهو ما أدى لجمود مفاوضات السلام نتيجة للانحياز الأمريكي لإسرائيل وتحديها للمجتمع الدولي، إلا أن تراجع الدور الأمريكي مؤخرا ساهم في تفعيل الدول الأوروبي عبر مبادرات السلام المختلفة التي أطلقتها بعض الدول الأوروبية، ومنها مؤتمر باريس الأخير للسلام لإعادة إحياء عملية السلام وفق حل الدولتين.

ولذلك تبرز أهمية الدور الأوروبي في دعم الفلسطينيين بعد قرار مجلس الأمن 2334 الذي يعتبر الاستيطان الإسرائيلي غير شرعي منذ احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية في عام 1967، وممارسة الضغوط الأوروبية والدولية على الحكومة الإسرائيلية لتنفيذ هذا القرار ووقف الاستيطان وإحياء مفاوضات السلام وفق حل الدولتين، كما يبرز الدور الأوروبي في ظل تولي إدارة ترامب للسلطة في الولايات المتحدة وانحيازها الشديد لإسرائيل وتأثيره السلبي على عملية السلام.

كما يدعم الاتحاد الأوروبي القضايا العربية مثل دعم الشعب العراقي والسوري في مواجهة الإرهاب وتعزيز الحل السلمي في ليبيا وفي اليمن، وهو ما يعكس توافق عربي أوروبي حول قضايا المنطقة.

خامسا: تفرض الأوضاع الإقليمية بعد ثورات الربيع العربي واندلاع الأزمات والحروب في سوريا والعراق واليمن وليبيا تحديات كبيرة أمام الجانبين العربي والأوروبي بعد تصاعد خطر الإرهاب والتنظيمات المتطرفة مثل داعش وغيرها، حيث امتدت آثار تلك الصراعات إلى الدول الأوروبية ووقوع العديد من التفجيرات الإرهابية فيها مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، كما أن الإرهاب أيضا استهدف الدول العربية كما حدث في مصر والأردن وتونس وبعض الدول الخليجية، وهو ما يتطلب زيادة التنسيق الأمني بين الجانبين لمواجهة هذا السرطان المستفحل والعمل المشترك للقضاء عليه، كذلك أهمية الدور الأوروبي في إطفاء النيران المشتعلة في سوريا وليبيا واليمن والعراق وتحقيق تسوية سلمية توافقية تحافظ على وحدة واستقرار تلك الدول وتحتوى الجميع في العملية السياسية. كما أن من آثار الأزمات العربية المشتعلة تزايد مشكلة اللاجئين بعد نزوح الملايين من سوريا والعراق إلى بعض الدول الأوروبية وتزايد المشكلات التي يواجهها هؤلاء المهاجرين العرب.

إضافة إلى الأقليات الإسلامية في أوروبا نتيجة لصعود اليمين المتطرف في العديد من الدول الأوروبية والذي يحمل خطابا عدائيا ضد العرب والمسلمين ويطالب بطردهم. ولذلك تبرز أهمية الحوار العربي الأوروبي في معالجة مشكلة اللاجئين عبر تقليل معدلات الهجرة من دول الشرق الأوسط عبر تسوية الصراعات وتحقيق التنمية فيها والقضاء على الفقر والبطالة كذلك ضمان حريات وحقوق اللاجئين والعرب المقيمين في أوروبا، وهنا تبرز أهمية الدور الأوروبي في المساعدة في إعادة إعمار الدول العربية التي شهدت حروبا طاحنة ودمارا شاملا للبنية الأساسية مثل سوريا وليبيا والعراق واليمن.

سادسا: تبرز أهمية التنسيق العربي الأوروبي في القضايا الدولية لمواجهة التوجهات السلبية للإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب تجاه قضايا منطقة الشرق الأوسط وخطابها غير الودي للعرب والمسلمين، كذلك العمل المشترك بين الجانبين لإلغاء قانون جاستا الأمريكي الذي يهدم قواعد القانون الدولي المتعلقة بحصانة الدول ذات السيادة، وهو ما انعكس في رفض الاجتماع الوزاري الرابع للقانون والمطالبة بإلغائه ، لذلك فإن التنسيق العربي الأوروبي يمثل حجر زاوية في تحقيق التوازن الدولي في ظل الحرب الباردة الجديدة بين الولايات المتحدة وروسيا، وتفعيل الدور الأوروبي الإيجابي في قضايا المنطقة. وعلى الرغم من إيجابية الاجتماع الوزاري الرابع في تطوير العلاقات العربية الأوروبية ، إلا ان هناك تحديات تواجه تلك العلاقات أبرزها أن الاتحاد الأوروبي يتعامل ككتلة واحدة بينما الجانب العربي ما يزال يتحرك كفرادى، إضافة إلى أن كثيرا من الدول العربية تعيش حالة تفكك وحروب طاحنة وأزمات اقتصادية واستقطابات سياسية وهو ما يقلل من فرص التنسيق المشترك والتعاون الاقتصادي بين أكبر تكتل اقتصادي عالمي وبين الدول العربية. كذلك ينبغي ألا تقتصر العلاقات فقط على مجرد مواجهة قضايا الإرهاب ومشكلة اللاجئين، وأن تمتد إلى وجود رغبة وإرادة حقيقية في تفعيل التعاون السياسي والاقتصادي وزيادة الاستثمارات المشتركة بين الجانبين. إضافة إلى ذلك فإن الاتحاد الأوروبي كتكتل يواجه تحديات كبيرة بعد الخروج البريطاني من الاتحاد وتزايد النزعات اليمنية المتطرفة التي تطالب بالانسحاب منه، وهو ما يؤثر سلبا أيضا على إمكانيات التعاون العربي الأوروبي الاقتصادي.

ولذلك فإن التهديدات المتزايدة والتحديات المشتركة أمام العرب والأوروبيين مثل خطر الإرهاب تفرض حتمية تطوير العلاقات العربية الأوروبية والتغلب على العقبات التي تواجهها، فهناك مصالح مشتركة بين الجانبين في مواجهة تلك الأخطار وتفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري الذي لا يتناسب وإمكانيات الطرفين، كذلك زيادة التنسيق السياسي والأمني تجاه القضايا الإقليمية والدولية خاصة العمل على حل القضية الفلسطينية بشكل عادل وتسوية صراعات المنطقة، ولذلك فإن دورية الاجتماع الوزاري تمثل خطوة مهمة في طريق دعم العلاقات العربية الأوروبية في المستقبل.